هل ينتحر الحوثيون في مكة، أم يعقلون؟

هل يضع الحوثيون عقولهم في رؤوسهم ويرفضون الانتحار، أم إنهم مستسلمون وقابلون بأن تفخخ إيران أجسادهم وتدفع بهم إلى الموت.

منذ أول وجودهم في اليمن في الزمن السحيق، وإلى أمد قريب، لم نعرف غير أن الحوثيين مواطنون يمنيون مسالمون، لم نسمع ولم نقرأ أن أحدا منهم ثار أو تظاهر أو احتج، حتى ولو بالكلام المجرد، على أي حكومة من الحكومات التي تعاقبت على حكم اليمن، وبالأخص حكومة علي عبدالله صالح التي كانت الأسوأ والأكثر فسادا، والتي لم يجرّ اليمن إلى وضعه الحالي سوى قلة أمانتها، وغياب عدالتها، وفساد سياساتها.

في البداية، وفي العام 1992 ظهرت حركة زيدية، نسبة إلى الإمام زيد بن علي بن أبي طالب، أطلقت على نفسها اسم حركة الشباب المؤمن، ثم أصبحت حركة أنصارالله بعد ذلك.

والحقيقة أن الحوثيين لم يطلبوا العون والمساعدة من إيران التي يختلفون معها عقائديا لولا الحرب التي شنها عليهم علي عبدالله صالح باعتبارهم ملاحدة ومارقين.

وفي العام 2009 ضُبطت سفينة إيرانية محمّلة بالأسلحة مرسلة إلى الحوثيين. ومن يومها وإيران لا تُضيع فرصة للتقارب معهم، والسعي إلى إلحاقهم، بحكم حاجتهم إلى مالها وسلاحها، بشبكة ميليشياتها المسلحة، ثم تتولى رسمَ خططهم وأهدافهم، وصياغة خطابهم، واستخدامهم في حروب أخرى ذات أهداف استراتيجية توسعية إيرانية لا علاقة لها بمطالبهم وبحثهم عن العدالة وسلطة القانون.

ومنذ أن تكشف ارتباط “أنصارالله” الحوثيين بإيران، وتحولهم إلى ما يُشبه وضع حزب الله اللبناني والميليشيات الطائفية العراقية والمعارضة البحرينية ضمن شبكة طوابيرها الخامسة، صرنا نترحّم على قادة الحوثيين وعلى أتباعهم الآخرين، بعد أن تأكد لنا أنهم لا بد أن يُقتلوا، أو يُلقى القبض عليهم ويصبحوا في يد العدالة، وتصيبهم لعنة إيران، لا محالة.

وذلك لأن النظام الإيراني، بسياساته العدوانية الاستفزازية المشاكسة التسلطية التي يمارسها ضد ثلاثة أرباع دول العالم، مكروه حتى العظم، وبالتالي، وبالضرورة أيضا، لا بد أن يصبح مَن ينخرط في طوابيره مكروها معه، وممجوجا مثله، وهدفا سهلا لأعدائه وخصومه الكثيرين. خصوصا وأن أهدافه البعيدة والقريبة أصبحت معلنة على ألسنة القادة الإيرانيين العسكريين والمدنيين أنفسهم، وعلى ألسنة وكلائهم العراقيين واللبنانيين. بل يجاهرون بها ويهددون، ويتلذذون بالحديث عنها، دون خوف ولا حياء.

فقد أوضح نوري المالكي، مؤخرا، خارطة الزحف الإيراني المقرر للمنطقة العربية في كلمة نشرها على صفحته على موقع فيسبوك قائلا “بصراحة، بعد كل الدماء التي سُفكت، وبعد كل الجهود التي كانت، أنا أرى، على مستوى مواجهة هؤلاء الإرهابيين، أن عمليات قادمون يا نينوى تعني في وجهها الآخر قادمون يا رقة، وقادمون يا حلب، وقادمون يا يمن”.

والذي كان أكثر صراحة، أو وقاحة، في تفصيل المشروع الإيراني هو جلال الدين الصغير الذي قال في حديث لصحيفة الوطن “إن المضايق الرئيسية في البحر الأحمر بأيدي الشيعة، حيث تسيطر جماعة الحوثيين على باب المندب، أما مضيق هرمز فهو بأيدي إيران”.

وقال مُفسرا “إن هذا يعني أن إيران وقت ما تريد التأثير على حركة الملاحة الدولية تقوم بذلك بمنتهى السهولة”. وزاد قائلا “إن الإيرانيين موجودون في البحر الأحمر والأبيض المتوسط والخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي”.

فيما قال الأمين العام للمجلس الأعلى للمجمّع العالمي للصحوة الإسلامية الإيراني، علي أكبر ولايتي، أثناء لقائه بعمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى والائتلاف الشيعي “نحن نرى أن الصمود الذي استمر لنحو سنتين بشكل بطولي من قبل الشعب اليمني يُعتبر وجها وضاء آخر من الصحوة الإسلامية، ويتعرض الشعب اليمني ليل نهار لعمليات القصف السعودي، لكن الشعب صمد، ووقف بوجه هذه الاعتداءات، وسوف ينتصر”.

إلى هنا والمسألة ليس فيها جديد. فهي حكاية كل يوم وكل ساعة اعتاد عليها العرب والعالم، وهي جزء من “الجهاد” الإيراني النفسي اللازم لإحماء الحروب التي تشتعل منذ سنوات هنا وهناك، والتي لم تستطع إيران، بكل عنجهيتها وجبروتها، وبكل ما أنفقته عليها من مال ورجال وسلاح، إنهاءَها والتخلص من همومها وأعبائها المالية وضحاياها من ضباطها وجنودها، وقتلى أتباعها العرب المستَغفَلين، لا في العراق ولا في سوريا ولا في اليمن.

ولكن الذي لا يفهمه الحوثيون هو أنهم أصبحوا مسيّرين لا مخيّرين. بعبارة أوضح. إنهم أصبحوا مُجبَرين على الانتحار حين تريد لهم ذلك القيادة في طهران، على أيدي الشعوب التي عبث النظام الإيراني بأمنها وخرّب حياتها، وبقوة صمودها دفاعا عن النفس وعن الأرض والكرامة والوجود.

إقرأ أيضاً: بدائل بوتين صواريخ الحوثيين؟

والحوثيون اليوم ما عادوا يملكون الجرأة على الاعتذار عن القيام بأي مهمة، مهما كانت مميتة ومدمّرة، يأمرهم بها النظام الحاكم في طهران. فقد أصبحوا كتيبة عسكرية إيرانية متقدمة مطلوبا منها احتلال باب المندب، وباقي موانئ البحر الأحمر، لا لتطويق السعودية ودول الخليج فقط، بل لفرض إرادة الولي الفقيه على العالم، وتقرير مصير الكرة الأرضية، شاء من شاء وأبى من أبى.

والظاهر أن إيران أصبحت على يقين بأن هذا الحلم عصيّ على التنفيذ، ولا يمكن تحقيقه. وبسبب اكتشافها أنه دخل خانة المستحيل أصابها الخَرف السياسي الذي أصاب صدام حسين، عام 1990، بعد انتهاء حربه مع الخميني، ثم بلغت نفسَ إحساسه بالضيق والاختناق. ومثلما دفعه يأسه وخيبته إلى الاعتقاد بأن غزو الكويت خشبة إنقاذه، ثم كان بداية نهايته التي لم تخطر له على بال، فإن إيران اليوم أصبحت تحلم باحتلال مكة، وبرفع صور الخميني وخامنئي على جدران الكعبة، لإرغام العالم على الرضوخ لإملاءاتها ومقاييسها وعقائدها.

فقد نقل تلفزيون “أفق” الحكومي الإيراني عن رجل الدين الإيراني مهدي طائب المقرب من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي كلمة أزاح فيها الستار عن آخر أهداف النظام الإيراني في المنطقة، متحدثا عن مخطط لاحتلال المملكة العربية السعودية، ومدينة مكة، خصوصا، بدماء الحوثيين وأموالها وسلاحها، بعد تعذّر عبور قاسم سليماني وأعوانه ليقاتلوا معهم، كما يفعلون في العراق وسوريا.

إقرأ أيضاً: الحوثيون.. وخمس ساعات مع حسن نصر الله!

وإذا لم تكن هذه هرطقة وثرثرة وأضغاثَ أحلام، وواحدة من نوبات الحمى، بسبب اليأس أو الجنون، فإنها ستكون النعمة التي يظنها البعض نقمة لإسدال الستار على زمن “الانتفاش” القومي الفارسي، ولهدم المعبد على رأس الولي الفقيه نفسه. فإن لم تكبر لن تصغر، كما علّمنا التاريخ.

فهل يضع الحوثيون عقولهم في رؤوسهم ويرفضون الانتحار، أم إنهم مستسلمون وقابلون بأن تفخّخ إيران أجسادهم وتدفع بهم إلى الموت، ومعهم مفاتيح الجنة، وفي انتظارهم خمرُها وعسلها وغلمانها وحورُها العين؟ هذا هو السؤال.

السابق
حزب الله يستنجد بالحريري لبنانياً وإيران تطلب الوساطة مع السعودية
التالي
من أين جاء سلاح حزب الله في القصير؟