رداً على «التبليغ الشيعي»: دافعوا عن قراراتكم.. لكن احترموا قناعاتنا

وصلنا الى موقع "جنوبية" هذا النص من دون توقيع باسم صريح ،  لما يحمله من مضون  يستحق النقاش. ولكونه لا يتضمن أي إساءة لأي فرد او جهة عمدنا إلى نشره وتجاوزنا عدم توقيعه باسم صريح..وننشره بالتوقيع الذي ورد في نهاية النص.

من حق الهيئة العليا للتبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، إثر الضجة التي أثارتها قضية فاطمة حمزة، أن تصدر بياناً توضيحياً، تذود فيه عن قرارات وأحكام المحكمة الشرعية الجعفرية. وأن تهاجم ما اعتبرته حملة “الأكاذيب والتشويه المتنافية مع القيم والسلوكيات الأخلاقية وأدبيات المجتمع اللبناني”، وأن تدعو إلى “وجوب احترام الأديان وشرائعها”.
لكن من حقنا بالمقابل، كلبنانيين أولاً، طالما أن البيان صادر عن مرجعية وطنية دينية تتوجه إلى الرأي العام الوطني اللبناني، ثم كأفراد ننتمي إلى الطائفة الشيعية، ألا نقتنع ببعض ما ورد في البيان، وأن نناقش بعضه الآخر، لسبب بسيط، وهو أن الأحكام الصادرة عن المحكمة الجعفرية في لبنان، تستقي مبادئها من اجتهادات فقهية مختلف حولها وعليها، بحيث لا يمكن بحال أن يدعي أصحابها، أنها تمثل الرأي الحصري والقاطع للمرجعيات الدينية الشيعية. وبالتالي لا يصح اتهام من لم يقتنع بها، رجوعاً منه لاجتهادات مغايرة، بأنه يتعرض للشريعة السمحاء وأحكامها.
علماً أن تعدد المرجعيات، واختلاف المقلّدين في مراجع التقليد، لطالما كان سمة مميزة للشيعة وفقههم، حتى في زمن المرجعيات التي اكتسبت شهرة عالمية في الحوزات الدينية، كما كان الحال زمن البروجردي في قم، أو السيدين الحكيم والخوئي في النجف، أو حتى زمن مرجعية الإمام الخميني.
وما لم أستطِع فهمه، ولعل الأمر عائد لقلة خبرتي، هو أن يعزو البيان الصادر عن الهيئة العليا للتبليغ حكم المحكمة الجعفرية بسلخ الولد عن أمه “إلى مشهور المذهب”، باعتبار أن غيره من الأقوال هي “إما نادرة وإما أنها ما زالت تتمحور في أطار البحث العلمي دون أن تصل إلى مستوى تبنيها فتوائياً”..
حسناً، ماذا لو كان هذا النادر من الأقوال، يمثل الرأي الفقهي لمرجعيات دينية يقلدها أكثر من ثلثي الشيعة اللبنانيين على الأقل؟، هل تبقى هذه الأقوال نادرة ومجرد “آراء فردية واستحسانات شخصية”؟، وهل تظل متعارضة مع “إجماع فقهاء المذهب”، بحيث “لا يمكن نسبتها إلى المنظومة الفقهية الجعفرية، إنما تنحصر نسبتها إلى أصحابها”؟، وهل يصح القول، كما ذهب البيان إلى أن أصحابها لا يمثلون “الطائفة والمذهب على الصعيد الفقهي؟”..
هل يليق بمن يرى في نفسه مرجعية حصرية للشيعة في لبنان، أن يتنكر لمرجعية بحجم السيد فضل الله رحمه الله؟ التي كان للبنان شرف احتضانها لتنطلق منه شاهدة على عشرات آلاف المقلدين والموالين على امتداد العالم الشيعي؟، وهل مثل هذه المرجعية لا تمثل الطائفة؟، وهل هذا هو الدرس في احترام القيم والأخلاقيات وأدبيات المجتمع اللبناني؟. وهل يتلاءم ذلك مع احترام الأديان والشرائع؟

إقرأ أيضاً: بعد نشر «جنوبية» بيان الشيخ محمد علي الحاج استدرك المجلس الشيعي تقصيره

ثم ماذا عن فقه الدولة الوحيدة في العالم التي تتبنى في دستورها المذهب الجعفري، والتي بنت نظامها السياسي على أساسه بعد ثورة عارمة، هل هو أيضاً لا يمثل “الطائفة”؟ وهل هو يقع خارج “المنظومة الفقهية الجعفرية”؟، وهل كل القائلين في لبنان بولاية الفقيه وأولئك الذين استشهدوا في مواجهة إسرائيل، وحرروا الأرض وبذلوا ويبذلون الدماء على هذا النهج. هم أيضاً خارجون في عقيدتهم عن تلك المنظومة الفقهية القائمة على “المشهور من الأقوال” والتي لا ترى هيئة التبليغ الديني في لبنان بديلاً عنها؟.
اسمحوا لنا أيها السادة في الهيئة العليا للتلبيغ، أن نربأ بكم من أن لا تكونوا على بينة من مثل هذه التساؤلات التي تعرفون جيدا الجواب عنها، فإن كنتم على بينة منها، وأنتم لا ريب كذلك، فاسمحوا لنا أن نرى في إصراركم بعضاً من ريح السياسة، وبأن الأمر ليس في مجمله واقعاً ضمن “المنظومة الفقهية” البحتة كما تزعمون، بل يتعداه إلى ميدان “المنظومات السياسية”. واسمحوا لنا أن ندعوكم، والحال هذه، لالتماس العذر لمن يبدون الاعتراض على بعض قراراتكم، واعلموا أن أغلبهم مدافعون وحريصون، كحرصكم أو أكثر، على الشريعة السمحاء، التي لا يمكن بحال أن تكون ستاراً لظلم يلحق بمسكينٍ أومستضعف.

إقرأ أيضاً: هيئة التبليغ في المجلس الشيعي: لاحترام الأديان ووضع حد للفلتان الإعلامي

من حقكم أيها السادة أن تدافعوا عن قراراتكم، لكن من حقنا أيضاً أن تحترموا قناعاتنا، فضلاً عن مرجعياتنا الدينية التي تختلف في رأيها عن منظومتكم الفقهية، ومن حق أكثرية الشيعة في لبنان، ما دمتم تزعمون تمثيلهم، أن لا تبقوا غرباء عن فتاوى مرجعياتهم تلك.. فإن لم تفعلوا، فعلى الأقل، احترموا عقول الناس، وهو أضعف الإيمان.

السابق
مسؤول أمني إيراني: إيران تقتل الشعب السوري وتنشر الطائفية والأسد أوجد داعش
التالي
بالفيديو: تشييع أحد مقاتلي حزب الله في دمشق