حقّ الحضانة..بين الانفعالية وغياب المصلحة؟

الحضانة حقٌ إنساني وشرعي لشخصٍ تقتضي المصلحة والأولوية أن يكون الطفل في حضنه ورعايته من أجل تدبير شؤونه وإشباعه عاطفياً وتأمين ما يحتاجه.

الشريعة منحت حقّ الحضانة للأم ضمن كيفية تراعي مصلحة الولد على المدى البعيد، فهي ـ الأم ـ أليَق وأجدر لحضانة الولد ورعايته في فترة رضاعه وصباه، ففترة الحضانة الطبيعية للأم حتى يبلغ الولد سبع سنوات، وإذا صادف أن توفي الزوج خلال مدة السبع سنوات، فإن الأم أحقّ بالحضانة إلى أن يبلغ الطفل ويصبح رشيداً.

والأساس في المسألة في نظر الشريعة أنه سواء كان الحاضن للطفل أمّه أو أبيه، فلا بد أن يكون مأموناً على تأمين حاجات الطفل ورعايته بالشكل  الذي يحقق السلامة للولد في نفسه وفي بدنه، وهذا ما يفترض أباً صالحاً أو أماً صالحةً لهما الأهلية الكاملة عرفاً وشرعاً على رعاية الطفل وإيصاله إلى برّ الأمان عبر بناء شخصيته كما يلزم.

وعندما أعطى الشرع حق الحضانة بعد السبع سنوات للأب بناءً على مسؤوليته المباشرة عن العائلة والقيام بمسؤولية الأولاد المادية والمعنوية، أضف إلى ذلك أنّ الشرع ينظر أيضاً إلى مصلحة الأم المطلقة وحاجتها إلى الزواج مرّة ثانية وهذا حقها، وعندما يكون الأطفال معها فسيكون ذلك عائقاً لها، فكثير من الأزواج الجدد لا يقبلون أن يبقى الأولاد مع أمهاتهم.

وحتى لو كان الأولاد مع آبائهم فلا يعني ذلك حرمان الأم منهم بعد طلاقها، وممارسة الغطرسة والظلم بحقها، فشرعاً لا يجوز حرمانهم من أمهم بنصّ الآية المباركة {لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده} [البقرة:233]، فمن حق الأم أن تراهم إما كل يوم أو بين يومٍ ويوم بحسب ما تقتضي المصلحة، كما من حق الأب أن يرى طفله بعد فترة الحضانة، إن بقي الطفل مع أمّه.

المشكلة وقعت من الأساس عندما صار الطلاق والانفصال وما له من تداعيات نفسية واجتماعية على الطفل، والأهم أن تراعى مصلحة الطفل وأن تؤمّن حقوق الأم كما لأب في رؤيته وحضانته، وألا يجري النزاع على حساب أمان الطفل وحقوقه.

والتشريع بما يخصّ الحضانة وغيرها لا بد من فهم كل أبعاده والتعامل معها بكل حرص ومسؤولية ومرونة كي نطبق روح الشرع، ولا نحمِّله مزاجياتنا وقراءاتنا المتسرعة، فإما أن نكون رعاة فعليين للنص الديني ونحرّكه في الواقع ونعمل على مراقبة تطبيقه كما يجب، وإما أن نفسح المجال أمام من له القدرة على ذلك، فمسألة التشريع نسبية لا بد من تقدير المصلحة فيها ومحاولة إخراجها بالشكل الذي يحفظ الحياة من التعقيدات.

يقول المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض): “هناك طبعاً فترة حضانة، والله يقول: {لا تضارّ والدة بولدها} [البقرة:233]، فلها أن ترعى ولدها وأن تعيش معه، ومن الطبيعي أن لا يخلو الطلاق بين الزوجين من سلبيات، حيث ينفصلان ويتخذ كل واحد منهما لنفسه طريقاً في الحياة، والسؤال هنا: هل يمكن أن يعيش الولد مع والديه وهما منفصلان؟

إقرأ أيضاً: بعد نشر «جنوبية» بيان الشيخ محمد علي الحاج استدرك المجلس الشيعي تقصيره

إنّ من حق أمه أن ترعاه، ومن حق والده أن يراه في فترة الحضانة.. ولقد قلنا أنه ليس هناك تشريع إيجابي فيه كل الإيجابيات، وليس هناك تشريع سلبي فيه كل السلبيات، فالحرام قد يختزن شيئاً من مصلحتك ولكن بنسبة ضئيلة، والحلال قد يختزن مفسدة ولكن بنسبة ضئيلة، ولكن وجود السلبية في بعض التشريعات لا يلغيها ولكن علينا أن نراعي النسبة بين السلبيات والإيجابيات”… [الندوة، ج:1، ص:605].

ولقد أفتى المرجع فضل الله(رض) بأن للأم المطلّقة حقّ حضانة ولدها الذكر والأنثى لسبع سنين، وكان جريئاً في طرحه الذي يدلّ على اجتهاد منفتح وحركي في تعامله وتفسيره وفهمه للنص الديني من كتاب وسنّة تتحدث عن الحضانة، وإليكم نصّ الفتوى: “للأم المطلّقة حضانة ولدها الذكر والأنثى لسبع سنين، ما لم تتزوج، فإن تزوجت أو بلغوا سبع سنين انتقلت الحضانة إلى الأب، وفي حالة وفاة الأب، تمتد حضانة الأم إلى حين بلوغ الأولاد، ولو تزوجت، فليس لأحدٍ نزع الحضانة منها ما دامت مأمونة دينياً وأخلاقياً على تربيتهم،إلا إذا تنازلت عن ذلك برضاها”. [المسائل الفقهية/ المعاملات، ص:491].

وحول سنّ الحضانة، فمن المعروف أن جمهورية إيران الإسلامية، قد رفعت سنّ الحضانة حتى سبع سنوات للصبي وتسع سنوات للفتاة، فيما لا يزال آخرون يمنحون حقّ الحضانة للأم حتى السنة الثانية من العمر إن كان صبياً، والسابعة إن كانت فتاة.

والحاجة اليوم تبقى ملحّة والعمل سوياً على مستوى المرجعيات الدينية والقانونية على معالجة كل ما يعترض طريق إحقاق الحقوق والحفاظ على مصالح الجميع من أم وأب وأطفال ومجتمع، وعدم تجاهل الواقع وما يحصل فيه من تداعيات تجعله يعيش الفعل وردّة الفعل دون اجتراح الحلول العملية والتطبيقية التي تراعي الكيان الاجتماعي والإنساني ككل فلماذا لا يجري فتح نقاش علمي بالموضوع ووضع آليات تنفيذية سريعة تتفق عليها المؤسسات الدينية؟

إقرأ أيضاً: هل أخطأ القاضي في فتوى الحضانة؟

فالنص الشرعي أو ما يفهم منه هو في أهم غاياته وأبعاده مراعاة الجانب الإنساني والاجتماعي العام للجميع وليس نصا مغلقا ومستعصيا على الفهم الاجتهادي في قضية حضانة الاولاد ، وخاصة إذا كانت الروايات التي استندت إليها الفتاوى عند تحديد سن الحضانة ليست بريئة من النقد والنقاش فهذا العلامة الشيخ محمد جواد مغنية يذهب إلى القول بأن فتوى الحضانة مختلف عليها بين الفقهاء:

“* بين رأي قائل بأحقية الأم للحضانة مطلقا ما لم تتزوج.

* ورأي أخر قائل بأحقيتها حتى سن السابعة او التاسعة .

* ورأي قائل بأحقية الوالد بالحضانة بعد السنتين.

* أما الفرق بين الذكر والأنثى فلا دليل عليه.

وبشكل عام ليس في الموضوع خبر صحيح، بل كل الفتاوى مأخوذة من أخبار ضعيفة او مرسلة أو موقوفة. بل إن الفتاوى هي نتاج جمع اعتباطي بين روايات ضعيفة من دون دليل لا من شرع ولا من عرف”.

وبعيدا ً عن القيل والقال ، فالذي لا بد من أخذه بعين الاعتبار وبشكل طارىء وسريع ما يفرضه الواقع من تحديات ومواكبتها لا التفرج عليها ومجرد التعليق عليها بانتظار قضية مماثلة لقضية فاطمة حمزة ، والعمل على أن لا يكون النص عثرة وسيفا مسلطا على الرقاب وبذلك ينتفي جانب الرحمة منه بالنسبة للأب والأم والطفل والمجتمع ، ويفقد بالتالي أهم عناصره التشريعية والمصلحة منها  .

السابق
المجاعة تهدد الزبداني: حزب الله يحاصر والأهالي لم يبقَ لهم إلا الحشائش
التالي
الأمريكيون لا ينتخبون رئيسهم