صراع الأجنحة داخل المجلس الشيعي عطّل التصدي لمنع الإساءة لأهل العلم

محمد علي الحاج العاملي

شاعت خلال الأيام الأخيرة الماضية ردود فعل عديدة عقب صدور حكم الحضانة عن محكمة بعبدا الشرعية الجعفرية؛ حيث تجاوزت ردود الفعل الحدود والضوابط، وخرجت عن المسموح به، ما حدانا لإيضاح النقاط التالية:

أولا: مع إقرارنا بضرورة تحديث أحكام الحضانة – بل كامل القوانين الشرعية-، والأخذ باقتراحات المطالبين برفع سن حضانة الأم؛ كون ما هو معمول به عبارة عن اجتهادات فقهية وليست من ثوابت الدين وضروراته، وبالتالي فيمكن اعتماد أحكام أكثر تطورا، ومع ذلك فليست هذه الطريقة التي يتم بها تعديل الأحكام الشرعية وتحديثها.

ثانيا: إن الأجهزة القضائية تعمل وفق آليات ونظم ليست من وضع القضاة أنفسهم، سواء على المستوى الديني أم المدني. فالقضاة المدنيون يطبقون ما تضعه الدولة وليس ما يضعه القاضي المدني، وعلى المستوى الديني ترجع المحاكم الدينية لمرجعياتها، فالمحكمة السنية تعتمد ما تسنه دار الفتوى، والمحكمة الجعفرية تعتمد ما يسنه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى..؛ وعليه فليس القاضي الشرعي هو الذي يسن القوانين ويضعها، رغم الهامش الممنوح له في بعض الموارد؛ لكنه يبقى مقيدا بتشريعات ملزمة.

ثالثا: إن تطوير تشريعات وقوانين المحكمة الجعفرية من مهام وصلاحيات الهيئة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وتاليا فالخلل يكمن هنا، في الجمود الذي يسود المجلس الشيعي منذ أكثر من أربعة عقود (كون آخر انتخابات داخلية في المجلس حصلت في العام 1975)، فضلا عن أن ما تبقى من هيئة شرعية لم تجتمع منذ زمن طويل؛ وهذا ما يعيق كل حركة إصلاح في البنية القائمة.

رابعا: إن ردود الفعل ضد حكم القاضي الشيخ كوثراني قد أساءت له بما يتعارض مع ما يليق بعلماء الدين، وهذه الإهانة طالت الجسم العلمائي قاطبة، ومست العمامة الشيعية.. هذا بمعزل عن نزاهة قضاة محكمة بعبدا الجعفرية، وكون حكمهم جاء منسجما مع التشريعات الراهنة.

وقد كان يفترض بالمجلس الشيعي ألا يقبل بهذه الإساءة، التي مرت مرور الكرام؛ لكن يبدو أن صراع الأجنحة ضمن المجلس(بين دائرة التبليغ الديني ودائرة الأوقاف) عطل التصدي لمنع الإساءة لأهل العلم والدين.

خامسا: وجوابا لمن طالب باعتماد قانون الأحوال الشخصية المدني؛ فإنه ينبغي علينا أن نصل لذلك اليوم الذي نطور فيه كامل بنية نظامنا اللبناني الطائفي الراهن؛ عندما ينوي اللبنانيون بصدق بناء دولة حديثة يتساوي فيها المواطنون بشكل مطلق، ولذلك الحين تبقى قوانين الأحوال الشخصية دينية..

أي جهد في هذا السبيل ينبغي إنفاقه على الطوائف اللبنانية الأخرى؛ كون وزراء الطائفة الشيعية أيدوا قانون الأحوال الشخصية المدني حينما طرح في آخر عهد الرئيس الياس الهراوي.

السابق
بالصوت..«عقصة» لـ«بيت الشعب»: مين الجيش الغريب الي ضرب صواريخ وقذائف عالقصر الجمهوري؟
التالي
باسيل: لبنان وإيران يواجهان الخطر الإسرائيلي العنصري والخطر الداعشي