هل أخطأ القاضي في فتوى الحضانة؟

الشيخ عباس حايك

قبل أن نستعرض أقوال وفتاوى الفقهاء حول الحضانة لا بدّ من تعريفها، فالحضانة هي من “الحضن” وأصله الحفظ والصيانة، وتعني القيام بشؤون الطفل في المحافظة عليه ورعايته، ويقال:”حضن الطائر بيضه”، “وحضنت المرأة وليدها” وأما في إصطلاح الفقهاء تعني “حق الطفل والقيام بتدبير شؤونه” من قبيل: إرضاعه، تنظيفه، تمريضه، تعليمه، وتربيته وتغذيته وما إلى ذلك، وهذا يعني أنَّ الحضانة مفهوم أوسع من الرضاع حيث يدخل في مفهومه الولاية على الطفل أيضاً…

اقرأ أيضاً: محامية فاطمة حمزة: لتتحول قضية موكلتي الى قضية رأي عام

المهم في هذه المسألة بالدرجة الأولى إعطاء الأولوية والإهتمام لحق الطفل ومصالحه،وبناءً على الإختلاف الحاصل بينهم يُشرع البحث عن النصوص الشرعية عن أولوية أحد الأبوين في هذا الحق،أي لو ثبت عدم تمكن أحدهما على القيام بهذه المسؤولية سقط عنه هذا الحق قطعاً ترجيحاً لمصلحة الطفل، أما في صورة أهلية كلٍّ منهما على القيام بهذه المسؤولية، في هذه الصورة لا بدَّ من الرجوع إلى النصوص لتشخيص الحكم الشرعي، ولهذا وقع الخلاف بين الفقهاء بناءً على الروايات التي وردت على ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: تقرِّر أنَّ الأم أحق بالولد لمدَّة سنتين أو مدَّة الرضاع،ثم يكون الأب أولى منها.
الطائفة الثانية:تقرِّر أنَّ المرأة أحق بالولد لمدَّة سبع سنين.
الطائفة الثالثة: تقرِّر أنَّ المرأة أحق بالولد بشكل مطلق ما لم تتزوَّج.
ولهذا ذهب مشهور فقهاء الشيعة بشهادة صاحب الجواهر إلى أن الأم أحق بالولد لمدة سنتين إن كان ذكراً،وإلى سبع سنين إن كان أنثى،وبعدها يكون الأب أحق بالطفل منها.ونسب أيضاً أنَّ البعض ذهب إلى إستمرار حق الحضانة للأم في الأنثى إلى تسع سنين أي إلى سن البلوغ حسب المشهور ونسبه إلى بعض الفقهاء كالمفيد والسلاَّر والقاضي”جواهر الكلام –ج 31-ص291″وايضاً ذهب جمع من الفقهاء كالشيخ الطوسي في “المبسوط” و”الخلاف” وابن الجنيد،والفاضل المقداد في “التنقيح الرائع”وكذلك السيد الحكيم من المتأخرين إلى أنَّ الأم أحق بالولد إلى سن السابعة أو(سن الرشد والتمييز الذي يحصل في السابعة أو الثامنة عادةً) ذكراً كان أم أنثى، فيقول: في “منهاج الصالحين”: مسألة 9: الأم أحق بحضانة الولد إن شاءت إذا كانت حرَّة مسلمة عاقلة مأمونة على الولد إلى سبع سنين،وإن كان ذكراً على إشكال ضعيف، وتسقط الحضانة لو تزوجت”.
من هنا ذهب الفقيه الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه “فقه الإمام جعفر الصادق” يقول: “فتوى الحضانة مختلف عليها بين الفقهاء: بين رأي قائل بأحقية الأم للحضانة مطلقاً ما لم تتزوَّج، ورأي قائل بأحقية الوالد بالحضانة بعد السنتين، وأما الفرق بين الذكر والأنثى فلا دليل عليه، وبشكل عام ليس في الموضوع خبرٌ صحيحٌ،بل كل الفتاوى مأخوذة من أخبار ضعيفة أو مرسلة او موقوفة، بل إن الفتاوى هي نتاج جمع إعتباطي بين روايات ضعيفة من دون دليل لا من شرع ولا من عرف، ولهذا ذهب إلى إختصاص الأم بحق الحضانة لمدة سنتين ذكراً كان أم أنثى، ثم يترك الأمر إلى إجتهاد القاضي ونظره”. مما تقدَّم تبيَّن بأنَّ المذهب الشيعي يعتمد كعادته على خيارات فقهية أوسع ممَّا يُضيقها بعض من هم في القضاء، من هنا تبدو قصة”فاطمة حمزة” صادمة لإعتماد الحكم المعيق للحل، والذي أدَّى إلى كارثة إنسانية إستدعت تعاطف الناس والمسؤولين معها لرفع ظلم سجن المخفر وحكم القاضي، رحم الله فقهاءنا الذين إعتمدوا التعدد في الفهم الروائي،لأنَّ الله يريد لنا اليسر ولا يريد لنا العسر.

السابق
الغضب الشعبي يتصاعد في المغرب
التالي
وئام وهاب: مهضوم تكالب الذين شتمونا على الحقائب الوزارية