هناك من يستدعي المراكز، وهناك من تستدعيه

لا يختلف اثنان أن دخول الرئيس سعد الدين الحريري إلى السُّلطة، جاء على غفلةٍ دون سابق إنذار، حيث كان يعمل في مجال التجارة والاقتصاد، ومتفرغ للريادة بالأعمال محققًا الربح تلو الآخر، جل ما يحلِمُ بهِ الانضمام إلى نادي العظماء في مجال الأعمال، صانعًا لنفسه مكانةً، كثيرين يحلمون بها، قليلون يستطعون تحقيقها؛ كيف لا وهو من مدرسة مديرها بانِّ لبنان الحديث.

دخل السياسة، على أعقاب اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط من عام 2005، حيث كانت يد الهيمنة والسّطو على لبنان ما زالت في عز قوتها، وتزداد تربصًا، وسفكًا، وقتلًا، هادفةً إلى تجريد اللبناني حتى من قوتِّ يومه، غير آبهة إلى أخلاقيات وأدبيات التعامل مع البشر، فتلاميذ نيرون سوريا، فاقوا أستاذهم بالإجرام الأخلاقي، والقتل والسرقة والتنكيل؛ فاستعان ذاك الشاب الطامح لقيادة وطنه، وفق منهجية الريادة وتحقيق الربح، فلا مصلحة تعلو مصلحته، ولا أولوية فوقه، كل ذلك وفق قاعدة “ما حدا أكبر من بلدو”. ليتسلح بشعبه ويخطو بخطى ثابتة وواثقة نحو الحرية منجزًا الاستقلال الثاني، محرارًا لبنان من الهيمنة والوصاية السورية.

ثم عاد واصطدم بحائط العدوان الاسرائيلي على لبنان في صيف 2006، حيث كان مسؤولًا عن أكبر تكتل برلماني، والأب الروحي للحكومة اللبنانية حينذاك، ليخرج منتصرًا، صامدًا، معلنًا بدء العمل بورشة إعمار لبنان، مسجلًا رقمًا قياسيًا في عملية البناء، فكتلة الرماد بلحظة باتت أسطورة تمتاز برونقها وفيسفيسائها، مسخرًا بذلك علاقته ونفوذه من أجل ذلك؛ ما لبس أن انتهى من تلك المهمة والانتصار الثاني اخترعوا له أحداث مخيم نهر البارد في ربيع 2007 ليخرج كالمعتاد بطلًا منتصرًا للبنان أولًا، فضلًا عن عمليات التفجيرات والاغتيالت التي طالت المناطق والشخصيات السياسية والقضائية والعسكرية والأمنية.

إقرأ أيضاً: بـرّي والحريري ومشوار التأليف… الطويل!

دخل السراي الحكومي لأول مرة كرئيس لمجلس الوزراء على أعقاب الانتخابات النيابية في ربيع 2009 بعد فوز تحالفه مع الأحزاب والقوى السياسية مسطرًا مرة جديدة درسًا في القيادة والنجاح في ادارة سياسة البلد، فاكتسب ثقة الناس والمواطنين حاصدًا نتائج باهرة لأول مرة في التاريخ الحديث، فأرعب ذلك خصومه، لينقلبوا عليه وهو على أبواب البيت الأبيض خوفًا منهم على مستقبلهم السياسي في الفساد وسرقة الدولة، فشكلوا حكومتهم وانقلبت عليهم فما بني على باطل فهو باطل، فاستعانوا به مجددًا طالبين واسطةً لتأمين غطاء فشلهم، وحفاظًا على البلد أنصفهم.

إقرأ أيضاً: فتفت المستقل عن المستقبل يسمي الحريري

مع بداية الشغور الرئاسي في الموقع الرئاسة الأولى، كان جُلًّ همه حماية الجمهورية اللبنانية من شر المتغطرسين المصطادين في الماء العكر، فقدم المبادرة تلو الآخرى صونًا للميثاق وحماية للبنانين، فقبلت جمعيها بالفشل من أجل ايدلوجياتهم ومشاريعهم، الإ أن هذه الحال لم تطل لأن للحق جولات وللباطل جولة، فانتصر للجمهورية وملأ الفراغ كخطوة أولى لاستعادة المؤسسات عملها، ضاربة بعرض الحائط كل مشاريع الفتنة الهادفة إلى سورنة لبنان.

دولة الرئيس، هناك من يستدعي المناصب، وهناك من تستدعيه المناصب، ومناصبك استدعتك، لأجل لبنان.

السابق
عون للسيد نصر الله: مثلما كنا قبل الرئاسة سنكون بعدها يا سيد
التالي
هل تقصف روسيا حلب بالأسلحة النووية؟!