من هو ميشال عون؟

نشرت وكالة الصحافة الفرنسية تقريرا استعرض حياة رئيس الجمهورية الليناني العتيد ميشال عون الذي انتخبه البرلمان في بيروت أمس الإثنين، وقال معدّا التقرير مارك ضو وشريف بيبي أن عون رجل طموح حد الهوس لم يتخلّ طوال عمره عن حلمه برآسة الجمهورية عندما كان قائدا أسبق للجيش قبل ان يدخل المعترك السياسي نهاية الثمانينات من القرن الفائت.

فقد أصبح الرئيس 13 للجمهورية اللبنانية في 81 من عمره لولاية مدتها ست سنوات.وهو تمكّن أمس عبر انتخابه من الثأر من التاريخ والعودة منتصرا إلى القصر الرئاسي في بعبدا. وهوالقصر الذي طرد منه في 13 تشرين الأول 1990 على يد الجيش السوري عندما كان رئيسا لحكومة عسكرية. ما أجبرته على العيش 15 عاما في المنفى في فرنسا.

ظلّ ميشال عون رمزا وبطل كفاح ضد مرحلة الوصاية السورية حتى عودته من المنفى عام 2005 بعد الانسحاب السوري، غير انه وبعد عودته دخل في تحالفات مضادّة لمواقفه السابقة ربطته بحلفاء سوريا وعلى رأسهم حزب الله …

يعتبر مناصرو ميشال عون ان جنرالهم بطل السيادة اللبنانية. في حين أن خصومه يرونه زعيما شعبيا فقط لاغير.وهو أصرّ  على رفضه التخلي عن هذه الفرصة ليس مثلما حدث عام 2008 حين قام الجنرال بالتنازل لصالح قائد الجيش السابق ميشال سليمان كي يصبح رئيسا توافقيا. وهو وبانتخابه رئيسا أصبح يدين للعديد من خصومه السياسيين الذين تنازلوا له وغيّروا مواقفهم لصالحه وهو أمر بات غير مستغرب في السياسة الداخلية اللبنانية …

ولد ميشال عون عام 1935، وتزوج من نادية الشامي في 22 من عمره وله منها ثلاث بنات: ميراي وكلودين وشانتال. ونشأ في عائلة مارونية متوسطة الحال في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. أنهى دراسته الثانوية عام 1955، وتميّز بمستواه العالي في اللغة العربية. انضم إلى الأكاديمية العسكرية كضابط متمرن وتخرج منها بعد ثلاث سنوات كضابط مدفعية في الجيش اللبناني.

تسلق “الجنرال”، وهو اللقب الذي يطلقه عليه مؤيدوه والمؤمنون بحركته السياسية، سلّم الطبقات الاجتماعية عندما كرس حياته المهنية للسلك العسكري. خلال تدرجه في المؤسسة العسكرية، أبهر عون مدربيه … تخصص في سلاح المدفعية، وتم إرساله ضمن بعثات خارجية، خاصة إلى فرنسا والولايات المتحدة، لاستكمال تدريبه.

عين ميشال عون عام 1983 قائدا للواء الثامن في الجيش اللبناني. وقام مع مجموعته بصد هجوم ميليشيا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وميليشيات أخرى موالية للنظام السوري في منطقة سوق الغرب المطلة على كامل بيروت الجنوبية، والتي إن سقطت كانت ستهدد وجود الدولة اللبنانية.

إنجاز عسكري باهر مكنه وعن عمر 49 عاما من أن يُعيَّن قائدا للجيش اللبناني، ليصبح بذلك أصغر ضابط يتولى هذا المنصب في تاريخ الجمهورية اللبنانية. ظروف الحرب الصعبة المرافقة لتوليه هذا المنصب دفعته إلى تعزيز ما تبقى من مواقع للجيش اللبناني في المناطق المحايدة. كل ذلك، في بلد يعيش تحت رحمة الميليشيات وتحت احتلال جيشين أجنبيين(إسرائيل وسوريا(.

في 22 أيلول/سبتمبر عام 1988، قام الرئيس المنتهية ولايته أمين الجميل بحل حكومة سليم الحص وعين مكانها حكومة عسكرية برئاسة ميشال عون من ست وزراء، ثلاثة وزراء مسيحيين وثلاثة مسلمين. ومدعوما من سوريا، أعلن الحص أن هذه القرارات غير شرعية، وبالتالي أصبح للبنان حكومتان واحدة مدنية مكونة من غالبية مسلمة في غرب بيروت والأخرى مكونة من غالبية مسيحية في شرق بيروت.

أخذ عون على عاتقه، وعلى اعتبار أنه رمز الشرعية الأخير في لبنان، مهمة إنقاذ لبنان وإخراج القوات السورية منه. رفض انتخاب رئيس للجمهورية معتبرا أن بلاده محتلة من قبل قوات أجنبية. مواقفه الوطنية والسيادية وملابسه العسكرية المموهة والقبعة العسكرية (البيرية) التي حرص على ارتدائها عند كل إطلالة له، أكسبته شعبية كبيرة في صفوف المسيحيين وحتى في مناطق سيطرة القوات السورية.

لكن وفي غضون عامين، انتقل “الجنرال” من موقع الدفاع إلى الهجوم وذلك بخوضه، من قصر بعبدا، معركتين لا يمكن الفوز بهما نظرا لطبيعتهما التي تصنف “انتحارا” من وجهة النظر العسكرية. الأولى عام 1989 التي سُميت “حرب التحرير” ضد القوات السورية المتواجدة على الأراضي اللبنانية. “حرب التحرير” استمرت 6 أشهر إلى أن قامت القوات السورية في 14 آذار/مارس 1989 بالهجوم على قصر بعبدا ووزارة الدفاع.

اعتمد عون على جزء من الجيش اللبناني، إضافة إلى دعم ميليشيا القوات اللبنانية، التي كان يرأسها سمير جعجع، وحزب الوطنيين الأحرار، الذي كان يرأسه داني شمعون. وتلقى عون الدعم أيضا من الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين.

ومع أن أهداف المعركة كانت نبيلة ومحقة، إلا أن نتائجها المدمرة ونقص الموارد والدعم الدولي أدى في النهاية إلى بسط سيطرة نظام حافظ الأسد على لبنان من خلال طبقة من السياسيين اللبنانيين التابعين لدمشق.

الحرب الثانية بدأت عام 1990 وسميت بـ”حرب الإلغاء” وقعت بين المسيحيين، حيث اصطدم الجيش اللبناني بقيادة ميشال عون بميليشيا القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع بعد أن قرر عون نزع سلاح الميليشيات داخل المناطق “المحررة”، ما أدى إلى نزوح جماعي كثيف للمسيحيين اللبنانيين، اعتبر الأكبر منذ بداية الحرب الأهلية عام 1975.

وحيدا في ملجأ قصر بعبدا الرئاسي، عارض عون اتفاق الطائف (وقع في مدينة الطائف السعودية عام 1989) الذي سعى لإنهاء الحرب الأهلية. متهما كل من وافق عليه بالخيانة والخضوع للإملاءات السورية. ولاحقا، اتضح أن هذا الاتفاق جرّد منصب رئيس الجمهورية من غالبية صلاحياته.

خرج عون من المعركتين ضعيفا عسكريا ومعزولا دوليا. وقع “الجنرال الثائر” خارج الخارطة السياسية الأمريكية، التي قامت بمكافأة سوريا لانضمامها إلى التحالف الدولي ضد صدام حسين (الديكتاتور العراقي والمنافس الإقليمي لحافظ الأسد، والمزود الرئيسي للعماد ميشال عون بالذخيرة والسلاح) في حرب الخليج الأولى، عبر إعطائها الضوء الأخضر باقتحام المناطق المسيحية وبالتالي إطلاق يدها في لبنان.

وفي 13 تشرين الأول/أكتوبر 1990، شن الجيش السوري هجوما عنيفا على قصر بعبدا الرئاسي. أمر أجبر الجنرال ميشال عون على التفاوض على شروط الاستسلام واللجوء إلى السفارة الفرنسية في لبنان. وفي السفارة، مكث عون 11 شهرا قبل أن يتوجه إلى المنفى في فرنسا حيث سيبقى لمدة 15 سنة.

بعده جغرافيا عن لبنان، لم يؤدِّ إلى تراجع شعبية “الجنرال” رغم المحاولات السورية لتهميش المسيحيين وحرمانهم من زعيم مستقل. حافظ ميشال عون على تواصله مع أنصاره وقام بتأسيس “التيار الوطني الحر”، وهو حزب سيادي ناضل من أجل خروج 35 ألف جندي سوري من لبنان.

عام 2001 تغير الوضع الإقليمي مع إعلان الولايات المتحدة بقيادة جورج بوش الابن الحرب على الإرهاب عقب هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وتعيين بشار الأسد خلفا لوالده الراحل حافظ وتصنيف سوريا ضمن دول محور الشر. كل هذه المعطيات الجديدة دفعت “بالجنرال” إلى الخروج عن صمته، وشهد عام 2003 أمام الكونغرس الأمريكي ضد النظام السوري، الذي خضع لاحقا لعقوبات اندرجت تحت ما سمي بقانون محاسبة سوريا.

لعب ميشال عون دورا أساسيا في تبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عام 2004، القرار 1559 الذي يقضي بانسحاب القوات السورية من لبنان. مطلب تحقق في نيسان/أبريل 2005 بفعل المظاهرات الضخمة التي شهدتها العاصمة اللبنانية بيروت عقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وفتح الطريق أمام عودة مظفرة لميشال عون إلى لبنان، ولكن هذه المرة بملابس مدنية.

بعد صدور العفو عنه من قبل القضاء اللبناني، عاد ميشال عون في أيار/مايو 2005 إلى بيروت للمشاركة في الانتخابات التشريعية. لكنه فشل في الاتفاق مع التحالف الجديد المناهض لسوريا على تقاسم الكعكة الانتخابية. وبخطوة براغماتية، تحالف عون مع أعداء الأمس، أي الموالين لسوريا، تحت ذريعة طي صفحة الماضي وانتهاء الاحتلال السوري. خطوة أثارت حينذاك إرباكا كبيرا لدى العديد من مؤيديه.

اقرا ايضًا: عون في الـ82 عاماً ينال 83 صوتاً: وخطاب القسم يعطي رخصة حرب استباقية لـ«لمقاومة»

أثبتت حسابات عون صحتها بفوزه في الانتخابات التشريعية من خلال تبنيه برنامجا يناهض الفساد ويدعو لإصلاح سياسي. وأصبح يشكل بتياره وتحالفاته قوة سياسية كبيرة على المستوى الوطني وصاحب تمثيل كبير للسياسة المسيحية.

في شباط/فبراير 2006، وقع عون “ورقة تفاهم” مع حزب الله الشيعي، الحليف القوي لدمشق. هذا التحالف السياسي بين القوتين السياسيتين ومناصريهما، سمح له بقلب الطاولة وتغيير المشهد السياسي اللبناني، وإحباط مخططات الأغلبية الحاكمة بقيادة السني سعد الحريري.

خصومه السياسيين باتوا يتهمونه بتوفير غطاء مسيحي لتيار سياسي-عسكري موالي لإيران -حزب الله، تيار اتهم الكثير من أعضائه من قبل المحكمة الدولية، بالضلوع في اغتيال رفيق الحريري.

زار الجنرال عون طهران والتقى الرئيس الإيراني حينها محمود أحمدي نجاد. كما زار دمشق حيث ظهرت أغلب صوره مع الرئيس السوري بشار الأسد لتؤكد سعيه للترشح للانتخابات الرئاسية عام 2008 بدعم من حزب الله. ولكن في ظل عدم وجود اتفاق سياسي على اسم عون، تم انتخاب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية بعد اتفاق الدوحة عام 2008.

عام 2009، منحت الانتخابات التشريعية تيّار عون -التيار الوطني الحر- 27 نائبا في البرلمان اللبناني. في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، وبعد ضغوط سياسية شديدة مارسها عون شخصيا عبر رفض المشاركة في الحكومة بعدد وزراء أقل من العام 2008، رضخ سعد الحريري للضغوط. فسمى التيار الوطني الحر 3 وزراء تسلموا حقائب الاتصالات والطاقة والسياحة.

عام 2014، مع اشتداد المعارك في سوريا وازدياد الانقسام بين مختلف التيارات السياسية اللبنانية حولها، وصلت ولاية ميشال سليمان إلى نهايتها. وكان ميشال عون الاسم الأبرز المرشح لخلافة سليمان. رغم شعبيته الكبيرة حال رفض خصومه دون انتخابه رئيسا. عون الذي يعتبر نفسه مرشحا تلقائيا لهذا المنصب كونه الممثل الشرعي لغالبية المسيحيين، استمر، مع حلفائه، بعرقلة جلسات انتخاب الرئيس في البرلمان اللبناني. عرقلة استمرت جلسة بعد أخرى، رفض خلالها نواب عون وحلفاؤه الحضور والتصويت، ما أدى إلى تفاقم المأزق.

وفي كانون الثاني/يناير 2016، ولسخرية الأقدار، قام سمير جعجع أحد الزعماء المسيحيين المرشحين أيضا لرئاسة الجمهورية، بدعم ترشيح خصمه القديم ميشال عون إلى الرئاسة، ما أعاد طرح اسم عون كمرشح جدي لمنصب الرئيس.

لم يبق أمام عون سوى عقبة واحدة لوصوله إلى الكرسي الرئاسي، مصدرها الطائفة السنية هذه المرة… عقبة رفعت قبل أيام معدودة عندما أعلن الزعيم السني سعد الحريري دعمه لترشيح عون… سعد الحريري الذي أصبح أضعف سياسيا لأسباب متعددة فتح الطريق أمام عون إلى قصر بعبدا، رغم تحالف الأخير مع حزب الله وربما مقابل وعود له بتوليه منصب رئيس الحكومة.

يبقى السؤال: ميشال عون الذي تولى منصب أحلامه في سن متقدمة جدا، أي نوع من الرؤساء سيكون؟

 

مارك ضو وشريف بيبي (وكالة الصحافة الفرنسية)

السابق
بري مرتاحا: حصل ما كنت أتمنّاه
التالي
ما قصة تدخل فيلتمان لمنع انتخاب عون رئيسا؟