في معركة تحرير الموصل، حمام الدماء أمر لا يمكن منعه

إسم "عملية اوباما" الذي أطلقه المحاربون الاكراد على معركة الموصل يرمز الى التوقيت الذي لا ينبع من استعداد القوات في الميدان، بل من اعتبارات امريكية سياسية. ويتوقع أن تكون معركة الموصل من أكبر المعارك منذ الحرب العالمية الثانية

الكولونيل سارباسط طروانشي ينتمي لقوات البشمارغا منذ 39 سنة، حين كان عمره 16 سنة. في العقد الاول من حياته العسكرية كان محاربا مغوارا في المنظمة التي حاربت جيش صدام حسين في جبال جنوب كردستان. والآن هو قائد في جيهة تاواران في شمال الموصل، ويساعد الجيش العراقي في معركة تحرير المدينة الثانية من حيث حجمها في الدولة. لقد بدأ طروانشي الهجوم في الاسبوع الماضي، ومنذ اليوم الاول حرر رجاله ثماني قرى كانت تحت سيطرة داعش مدة أكثر من عامين. والآن هم يقومون بتوسيع مناطق سيطرتهم ويسيرون ببطء نحو مشارف الموصل الشمالية.

“منذ المرحلة الاولى للعملية حققنا 90 في المئة من الاهداف”. قال طروانشي في بداية الاسبوع، “لكن داعش لا ينسحب وهو يحارب حتى الموت. وكلما اقتربنا أكثر من الموصل كلما اصبح الامر اكثر صعوبة”، أضاف. يستمر محاربو البشمارغا تحت إمرته طالما تطلب الامر ذلك. “لكن هذا قرارا سياسيا. فهل هناك أحد يريد بجدية الانتصار على داعش.

“ليس لدينا أي سؤال. نحن هنا من اجل الدفاع عن وطننا وعن كرامتنا وهويتنا ضد تنظيم من ابشع التنظيمات في التاريخ. وقد قمنا بذلك حتى الآن بدون الدبابات والمدرعات التي منحها الامريكيون للعراق”.

توجد حدود لما يمكن للبشمارغا أن تفعله من اجل الآخرين. ففي نهاية المطاف الموصل هي مدينة سنية وليست كردية. “البشمارغا لن تحارب داخل الموصل نفسها”، قال الكولونيل طروانشي. “هذه مهمة الجيش العراقي”. وهو يحذر أبناء شعبه من الخيانة. “لقد جاءت الى هنا دول ووعدت بدعمنا وتأييدنا في السابق. وبعد ذلك تركونا لصدام حسين“.

كل معركة، قبل اطلاق الرصاصة الاولى، تحسم من قبل اللوجستية. في الجيش الشعبي، أو المليشيا مثل البشمارغا هذا الامر يعني أن المحاربين يصلون الى ساحة المعركة في سيارات خاصة وتندرات مفتوحة وحافلات وجيبات جديدة وفاخرة. أسطول آخر من التندرات يحمل اكوام من زجاجات المياه الى ميدان المعركة، والبسكويت وعلب التونا. سيارات مصفحة جديدة من انتاج بريطانيا تنقل العتاد، مع توقيع وزارة الدفاع الامريكية، بدل نقل المحاربين كما تم التخطيط له مسبقا. وقد أقيمت في مناطق التجمعات مطابخ تبيع قطع الدجاج والمشروبات الباردة. ويمكن ايضا سماع صوت سيارات البوظة. لا توجد هنا شرطة عسكرية تقوم بمنع دخول الصحفيين والمدنيين الى ميدان المعركة. البشمارغا جزء لا يتجزأ من المجتمع الكردي، ولا توجد حدود بين العسكري والمدني.

على بعد كيلومتر من الجبهة، في المكان الذي كان قبل ذلك بيوم موقع الاجتماع قبل الخروج الى المعركة، توجد الآن محطة تجميع طبية. هناك يتم علاج المحاربين المصابين. والمصابون الأقل خطورة يُنقلون في سيارات الاسعاف المدنية الى المستشفى في مدينة داهوك، على بعد ساعة سفر. والحالات الطارئة يتم اخلاءها بالمروحيات. الكولونيل عبد الله مي رازه، قائد الفرق الطبية، يحذر من الكشف عن العدد الدقيق للمصابين. وحسب اقواله فان الفرق التي معظم من فيها هم متطوعون احتياط، حصلت فقط على عشرة ايام من اجل الاستعداد للعملية. “توقيت المعركة هو توقيت سياسي وليس عسكري”، قال، لكنه امتنع بشكل دبلوماسي عن ذكر سبب اندلاع الحرب الآن.

ليس من اجل الاقتباس، يقول ضباط أكراد: “من الواضح لنا أننا نحارب كي يستطيع براك اوباما التفاخر بتحرير مدن قبل مغادرته البيت الابيض”، قال أحدهم. العملية التي لم تحصل على اسم رسمي يقومون بتسميتها “عملية اوباما”، وهذا لا يعني أن التدخل الامريكي يزعجهم. فهم يأملون أن اسهام البشمارغا في المعركة من اجل مستقبل الشرق الاوسط، يُترجم الى انجازات سياسية من اجل حكومة الاكراد الاقليمية. ويصممون على القول إن هذا ليس هو السبب الوحيد الذي يدفعهم الى المشاركة في تحرير مدينة سنية. “نحن ندافع عن الانسانية هنا”. قال الكولونيل ميرزا، “الاكراد يقتلون في الحرب على ارض هذه القرى التي لا يعيش فيها أكراد أبدا”. وهو يتجاهل حقيقة أن البشمارغا انسحبت ايضا من بعض القرى في المنطقة لأنه لم يكن فيها أكراد.

ليس واضحا ما هو دور الامريكيين في الميدان. طواقم من القوات الخاصة الامريكية تعبر ارض المعارك، ويحاولون البروز. لا توجد أي اشارة على ملابسهم أو سياراتهم. ويوجد لبعضهم ملابس تشبه ملابس البشمارغا ويحملون بنادق الكلاشينكوف. ومع ذلك لا يمكن أن يخطئوا في معرفة الجيبات والمدرعات والسلاح الخفيف النظيف. وهم لا يتدخلون ايضا في الاحتفالات الكردية التي تتم في مناطق التجمع. “امريكي، امريكي” يصرخون في لحظة اقترابهم وينسحبون فورا الى السيارات وهم حذرون كي لا تلتقطهم عدسات الكاميرا. لا أحد ما هي أهدافهم، والدور الذي يقومون بلعبه في الحرب ضد داعش. في جميع الحالات، العمل الصعب والقذر في القضاء على آلاف محاربي التنظيم في الشوارع والمباني في الموصل ومحيطها ستقوم به فقط قوات عراقية محلية.

العدو ايضا يلفه الغموض.بعض محاربي داعش يتم الامساك بهم احياء. وفي حالات كثيرة يصعب التعرف عليهم. “يأخذ داعش من رجاله جوازات السفر والهويات”، قال ضابط عراقي، “حين نقوم باستجواب الاسرى يرفض الكثيرون منهم الكشف عن اسمائهم ويقولون فقط: أنا جندي في الدولة الاسلامية. يمكن التعرف عليهم فقط من اللهجة. هناك سنيون وتركمان من العراق والكثير من المغاربة من الجزائر والمغرب وتونس. والقينا القبض ايضا على بعض الشيشان وبعض الاوروبيين. نحن نحاول التواصل مع حكوماتهم من اجل التعرف عليهم”.

إقرأ أيضاً: 900 عنصراً من داعش قتلوا في الموصل حتى الآن

ماذا ستكون الخطوة التالية لداعش؟ رغم التقارير حول هروب مئات المحاربين من الموصل غربا في محاولة للوصول الى قلعة التنظيم في الرقة، في شمال شرق سوريا، يبدو أن الكثيرين بقوا في المدينة وهم يخططون للقتال حتى الموت. يبدو أن الخلافة في مفارقة، هل تحاول انقاذ جزء كبير من القوة المحاربة أو الاظهار أن الدولة الاسلامية لا تتنازل عن الارض دون تدفيع ثمن دموي للعدو. في جميع الحالات لن يكون من السهل الهروب من العراق. القوات المحلية لا تعمل في شرق الموصل على أمل أن يستغل داعش هذه الثغرة ويهرب. ولكن بين الموصل وبين الحدود السورية توجد مليشيا شيعية ممولة من ايران – الحشد الشعبي – وحدات التجنيد الشعبية. لا تتدخل المليشيا مباشرة في معركة الموصل بسبب التوتر بينها وبين الاقلية السنية والتهمة حول القيام بمجزرة ضد السنة في العامين الاخيرين. لكنها تغلق خط فرار داعش الى سوريا. وحسب رأي الجهات الاستخبارية الغربية والاسرائيلية فانها تقوم بانشاء “ممر شيعي” من ايران عن طريق العراق وسوريا وصولا الى مواقع حزب الله في لبنان.

إقرأ أيضاً: الموصل وحلب ستخرجان كل أحقاد التاريخ

خيارات داعش محدودة. حسب التقارير من الموصل، فان مقاتلي التنظيم بدأوا بالاعدامات الجماعية للسكان المحليين وهم يستخدمون مئات العائلات كدرع بشري. المقاتلون الذين بقوا يخططون لهجمات انتحارية ضد القوات العراقية. واذا كانت التقديرات صحيحة حول 12 ألف مقاتل من داعش في الموصل، وهي المدينة التي فيها مليون ساكن، فالحديث يدور عن أحد العمليات الحربية في منطقة مأهولة منذ الحرب العالمية الثانية. الجيش العراقي ليس مسلحا بما فيه الكفاية لتنفيذ مهمة كهذه، وليس مدربا بما فيه الكفاية وخصوصا اذا امتنع عن الاضرار بالمواطنين. البشمارغا ايضا ليست بهذا المستوى. بدون استخبارات دقيقة حول مكان تواجد محاربي داعش في المدينة المكتظة، ايضا الضربات الجوية الامريكية نجاعتها محدودة جدا. هذا هو احد اسباب عدم تسرع القوات العراقية في الدخول الى الموصل والتركيز على احتلال القرى والبلدات المحيطة بها. ولكن في مرحلة معينة في الاسابيع القريبة أو الاشهر القريبة لن يكون هناك مناص من الدخول اليها. ليس متوقعا أن يستسلم داعش أو ينتظر الجوع في حصار متواصل. التقارير حول الاعدامات لن تسمح للعراقيين بالانتظار فترة طويلة. من الصعب جدا رؤية كيف ستنتهي المعركة الحقيقية حول الموصل بدون حمام دماء جماعي.

السابق
الأحدب يوجه رسالة إلى رئيس الجمهورية
التالي
بالفيديو: بين الناي والمقابر دفن 21 شخصاً من عائلته قضوا بجرائم الأسد