السيد محمد حسن الامين: لا يجوز اسقاط واقعنا السياسي على عاشوراء

يشكو المسلمون العقلانيون، والشيعة منهم على وجه الخصوص من ازدياد الغلو العقائدي والمبالغات الشعائرية التي ترافق مراسم عاشوراء والذي يثير استياء المعتدلين من الشيعة كما يثير استنكار باقي أبناء الطوائف الأخرى لما يحويه من مشاهدات استفزازية.

ومع بداية شهر محرّم قبل ثلاثة أسابيع، ظهر ان انتشار تلك الشعائر وتعميمها تخطى كلّ حد سابق، ما أثار جدلا واسعا وانقساما داخل الطائفة الشيعية في لبنان.

اقرأ أيضاً: الشيعة والسنة مذهبان دينيان أم حزبان سياسيان؟

العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين كان له رأيه في هذا الجدل العاشورائي فقال: “إن عملية إصلاح الشعائر المتعلقة بإحياء ذكرى عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين(ع) ليست جديدة، ولعلّ أحد أهم محطاتها هي الفتوى المشهورة للمرجع المقدّس السيد محسن الأمين في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، ولا شك أن مثل هذه العملية الإصلاحية التي اتخذت شكل محاولة الثورة على بعض الطقوس المتعلقة سواء في تمثيل الواقعة، واقعة كربلاء أو في العنف الذي يمارس عن طريق ضرب الرؤوس وإدمائها بالآلات الجارحة أو ضرب الصدور والظهور بالسلاسل والجنازير، فضلاً عن بعض الطقوس المستلهمة من العبادات الوثنية كإشعال النار والمرور فوقها، أن هذه الظاهرة كانت مرفوضة من قبل الكثير من العلماء والفقهاء وذوي العقول الراجحة من الشيعة، ولكن بالرغم من المواقف الممانعة، فإنها استمّرت ولولا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قادرة على منع هذه المظاهر بوساطة القوانين الحازمة، لما توقفت حتى في إيران نفسها.”

تشهد مراقد الأئمة في كربلاء أكبر تجمعات في عاشوراء كل عام
وعن موقفه بالنسبة لهذه الطقوس المنافية للمبادئ والمضامين التي تنطوي عليها ذكرى انتفاضة الإمام الحسين(ع)، أوضح السيد الأمين ” نحن نطمح ان تتوقف ليس عن طرق القوانين، بل عن طريق إنتاج الوعي الذي يرتقي إلى مستوى التطلّع نحو إبداع وسائل وطرق جديدة تمكّن المجتمع من إحياء هذه الذكرى بالصورة التي تستحقها بعيداً عن الطقوس الراهنة المبالغ بها، ولا تستبعد من ذلك القيام في إبتكارأشكال متطوّرة فكرياً وثقافياً تتضمّنها مسارح بإمكانها ان تستلهم بصورة فنية مناسبة استحضار هذه الذكرى، وهذا ما يتناسب مع عصرنا الراهن ويؤدي إلى إنتاج وعي أسمى لمضامين هذا الحدث التاريخي العظيم”.

وعبّر السيد الأمين عن تأييده الاحتفاء بذكرى عاشوراء والاتجاه إلى قيام حملات للتبرّع بالدّم على النحو الذي يوحي بأن من يقيمون ذكرى عاشوراء يدركون البعد الرمزي لاستشهاد الحسين الذي كان في جوهره عملية “تبرّع بالدّم لأجل الأمة، دمه ودم أهله أصحابه، حيث يغدو النزيف ليس نزيفاً مجانياً، بل نزيفاً يدفع بالدم إلى شرايين المحتاجين إليه، وبالتالي فهو يولّد شعوراً عميقاً بأن هذا الدم النازف ليس دماً فحسب وإنما هو لتعميق الشعور بالانتماء والولاء للحسين وأهل بيته وأصحابه”.

وأشار السيّد الأمين إلى أن “عاشوراء ليست مناسبة سياسية بالمعنى الضيّق للمناسبات السياسية، ولا ينبغي تجييرها لصالح أي حرب أو معركة لا يوجد اتفاق وإجماع على شرعيتها، فإذا صح الاختلاف في الشأن السياسي، بل حتى في شأن المعارك حرية، فإن قضية الإمام الحسين(ع) لا يختلف على أحقيتها وقدسيتها، وبالتالي لا يجوز اسقاط واقعنا السياسي على عاشوراء.”

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: ظاهرة «حزب الله» فاقعة التناقض مع الدولة

وتابع “نحن لا نرى أن الحرب الدائرة في سوريا أو غيرها في اليمن أو ليبيا هي حروب شرعيّة، بل هناك من يرى أن هذه الحروب إنما تخاض ضد الشعوب في كثير من الأحيان، ولا نرى أي نظام من الأنظمة العربية خاصة يستحق درجة الاستشهاد من أجل حمايته واستمراره، والقول بأن في المعارك الدائرة في المنطقة عموماً، أن فيها تجسيداً رمزياً لمعادلة الحسين(ع) ويزيد، إذا استثنينا في ذلك حربنا مع الكيان الصهيوني الذي يمثّل بصورة أعلى وأوضح هذه المعادلة التي يوجد فيها حقّ كامل وباطل كامل، أما ما دون ذلك أي في الصراعات التي دور داخل الاجتماع العربي الإسلامي، فلا نرى فيها إلا امتداداً وصراعات لحروب شهرها المسلمون بعضهم ضد الآخر وكانت صراعات مضرّة بل مدمّرة للاجتماع الإسلامي والعربي”.

السابق
شريف فياض كما نعاه جنبلاط
التالي
بين إنهاء الشغور وإنهاء الفجور