حزب الله: حرب ضد الشيرازية

خرج الخلاف الشيعي- الشيعي، الطقوسي العاشورائي في الظاهر والسياسي في الباطن، إلى العلن. وطبيعي، أو بديهي، أن تكون عاشوراء وأيّامها مسرح ذلك وسيوفه. فزائر الجنوب، مثلاً، ولاسيما إذا كان من أبناء تلك المنطقة، يشعر ويدرك ويسمع من كثيرين أن هناك عناصر وأبعاداً عديدة كثيفة تطرأ على عاشوراء وطقوسها. لكأن عاشوراء، في حلّتها الجديدة، دورة تدريبيّة لتجهيز “الحسينيين” و”الزينبيّات” بعدّة الدفاع المذهبي، من خلال تقديم الثقافة المذهبيّة على حساب الدين، وتقديم المظاهر الجماعيّة الشبيهة بالعسكرية على حساب الإيمان ومعاني ثورة الحسين.

وفيما استطاع الثنائي حركة أمل وحزب الله تنظيم المناسبة وتوزيع الأدوار والمساحات فيها، وتنظيم الاختلاف في ما بينهما بممارسة الطقوس وإدخال عناصر جديدة إليها، مع تصريف ذلك في “قوّة المذهب ووحدته”، لم يهضم حزب الله التمدد الشيرازي وتغلغله في المجتمع والحسينيّات، وفي المناسبة وطقوسها.

هذه هي خلفيّة انتفاضة الأمين العام السيد حسن نصرالله على “الإساءات”. وفيما يأخذ الاختلاف الشيرازي- الخميني شكلاً طقوسيّاً، لا يمكن إغفال العمق السياسي. فمن كلام نصرالله يتضح أن المشكلة ليست مع المبالغات في الطقوس العاشورائيّة، إنما مع معانيها وأثارها. ومن خلال رفض نصرالله “الإساءات” إلى علي بن أبي طالب وعاشوراء يؤسس لمساءلة المسيئين عن صدق تمثيلهم المذهب والدفاع عنه وعن مقدّساته أثناء تعرّضه، وفق نصرالله، للتهديد والاعتداء.

إقرأ أيضاً: التطبير من وجهتي نظر شيعيتين توهين أم تعزيز؟

وهذا جوهر الموضوع. فنصرالله يهدف إلى ترسيخ فكرة مفادها أن الشيرازية، التي تناصبها الخمينية العداء، مسيئة إلى المذهب إذ تبث فيه، من خلال طقوسها العاشورائيّة، ثقافة “الخنوع والتمثّل بالكلاب”. وإذا كان في ذلك استعادة واستمرار للخطاب الخميني ضد الشيرازية، إلا أنّه ابن اللحظة أيضاً. فحزب الله الذي يقاتل في سوريا ويستنفر المذهب، سواء أكان في عاشوراء أم في الصراعات الإقليمية، وغيرها، لا يناسبه التمدد الشيرازي، بل لا يناسبه وجود منافس في الساحة الشيعيّة يزايد عليه في الطقوس بينما ينشر ثقافة ضد ثقافة المواجهة التي يتخذها الحزب لتحقيق أهدافه.

فنصرالله، وحزب الله من خلاله، يدافع عن موقفه محارباً تسلل من يُضعف سيطرته على المذهب وثقافته عبر تقديم نفسه وسياسته في صورة المدافع عنه وعن وجوده ومقدّساته. وهذا ما يفسّر سعي نصرالله إلى تثبيت قاعدة أن الامتحان هو في الدفاع عن المذهب الذي يقاتله الأعداء لإخضاعه وإذلاله. لذا، ينقل نصرالله المبارزة مع الشيرازية إلى حلبة الدفاع عن المذهب ووجوده ومقدّساته. ولا يخلو ذلك من إشارة إلى اتهام الشيرازية بالتواطؤ مع دول عربيّة وأجنبية بينها وبين إيران وحزب الله حرب أو مواجهة.

إقرأ أيضاً: مأساة التطبير ولا الغرق في دماء السوريين

ولا بد أثناء تحليل هذه الاستراتيجيّة من تذكّر محاصرة الحزب السيد محمد حسين فضل الله وكبح حالته، التي وإن شاركته المعركة ضد الاحتلال الإسرائيلي إلا أنّها تعتبر شريكاً مضارباً للمرجعية في إيران. ولعل هناك سبباً آخر لذاك الحصار، يتمثّل في خطاب مرجعية فضل الله الحواري إسلاميّاً وعربيّاً، بينما سياسة إيران- حزب الله تنحو في اتجاه آخر في المرحلة الراهنة.

المسألة، كما يبدو، سياسيّة، بينما البعد الشعائري مسرح ومناسبة. لكنّها حرب أخرى يدخلها حزب الله، وربما لا تقل ضراوة وقسوة عن غيرها.

السابق
ليت حزب الله … يطبّر
التالي
«السفير».. يحق لسعد الحريري أن يقول لريفي: أنا اخترعتك وكنت معلمك!