التطبير من وجهتي نظر شيعيتين توهين أم تعزيز؟

التطبير
كل عام تهبّ المواقع الإلكترونية لتحكي عما يمارسه الشيعة في عاشوراء من عادات هي ليست من أصل الفكرة الثورية لدى الإمام الحسين ولا من دوافعها او نتائجها. وكل عام نتناول التطبير، فما هما وجهتي النظر المتقابلتين؟

في شريط فيديو يُوزع عبر وسائل التواصل الإجتماعي، نسمع كل من الشيخ حسن الصفّار، والسيد حسن الكشميري، يتناولون موضوع التطبير تحت عنوان (حقيقة التطبير):

ويفاجئك الفيديو بأصل التطبير، والتي كان قد رواها الراحل العلامة السيد هاني فحص في تحقيق لجريدة النهار عام 2000 (الطقوس العنفيّة على مسرح عاشوراء). وقد أعاد العلامة الراحل أصول التطبير حينها الى البلاد المسيحية في ما يعرف ببلاد القرم حيث نقلوا تفاصيل الإحتفال السنويّ بآلام المسيح.

اقرأ أيضاً: عاشوراء نحر الرؤوس

لكن الردود العنيفة على سماحته فاجأني، علما ان الفيديو الذي تحدثنا عنه بداية يفصّل أماكن نشوء هذه العادات العنفيّة، وكما يبدو من شريط الفيديو ان اللقاءات مع هؤلاء العلماء ليست بجديدة، وان الفيلم يبحث في المعلومات التاريخية، وان الخميني والخامنئي حرّما ويحرمان التطبير، اضافة الى علماء لبنان الكبار كالسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين. ويبقى السؤال لماذا الإستمرارية بممارسة الطقوس العاشورائية العنفيّة التي هي أبعد ما تكون عن أهداف ثورة الحسين؟

في فيديو ثان يظهر مدير مكتب الخامنئي الشيخ أسد قصير، وهو يتحدث خلال برنامجه الفقهي عن أسباب تحريم التطبير في العنوان الثانوي، مع الاشارة الى ان من حللّ التطبير أي العلامة النائيني يضع ما يقرب من 95 شرطا على من يود تنفيذ التطبير.

حرمة التطبير عند السيد الخامنئي والسيد الخميني والسيد الحائري والسيد الهاشمي وكذلك السيد السيستاني لا يرغب و لا يشجع على التطبير وانا اتحمل مسؤولة كلامي هذا

ففي الفيديو الأول يدهشك خبر أصول التطبير اليهودية المذكورة في العهد القديم، فإضافة الى انتشار هذه العادة لدى الهنود، يتم جلب هذه العادات من الهند الى إيران وباكستان، وكان الإنتشار على يد الصفويين، كما أكد العلامة الراحل هاني فحص في التحقيق. وان المفكر علي شريعتي قد كتب عن هذه العادات الغريبة في كتابه “التشيع الصفوي والتشيع العلوي”، فكم دخل من عادات الى إسلامنا عبر الصفويين؟

وكما هي عاداتنا في القاء تخلفنا على الغير، يرى البعض أن التطبير مؤامرة بريطانية لتدمير العقيدة الاسلامية! فما دمتم أيها الأذكياء العارفون بالسياسة البريطانية تقولون انها “خبثنة” بريطانية، كما يردد العديدون منكم، فلماذا تسوقونها وتكررونها كل عام؟!

ويدعو عدد كبير من العلماء الى استبدال التطبير بالتبرع بالدم، وذلك كطرح اجتماعي متقدم بديل عن اهراق الدماء دون فائدة؟

في هذا الاطار، إلتقت “جنوبية” كل من العلامة الشيخ محمد حسين الحاج، رئيس المجمع الثقافي الجعفري، والباحث محمد حسين ترحيني صاحب كتاب “عقائد الإمامية بين الأصيل والدخيل”. وقد أدلى كل منهما بدلوه في هذا المجال.

الشيخ محمد حسين الحاج
الشيخ محمد حسين الحاج

فقد اعتبر العلامة الحاج، انه: “للأسف ان موضوع التطبير بدأ يأخذ منحى غير المنحى الفقهي مما جعل العوام والجهّال يتدخلون في هذا الموضوع، وهي مسألة فقهية بحتة كالصلاة والصيام. وموضوع التطبير خاضع للضرر او لعدم الضرر، لذا، لا يمكن لفقيه ان يُفتي بحرمته على مستوى التحريم، وانما التحريم يأتي بعنوان آخر ويُسمى عند الفقهاء موضوع ثانوي وهو الضرر. ولذا عندما يكون هناك حراما يكون حراما. وأما القول انه يستوجب التوهين فالتوهين يمكن ان يأتي من أي شعيرة لدى الآخرين. ثم اذا كان هذا جائزا ام محرّما فهذا يدخل في طقوس المذهب. فلماذا يتدخل الاخرون في طريقة طقوس المذاهب الأخرى؟ ويختم سماحته بالقول: “ويتوافق هذا الرأي مع رأي السيد السيستاني والذي يقول (اذا لم يوجب الضرر والتوهين فان لا إشكال فيه). وهذا رأي كل الفقهاء الذين يقولون ذلك”.

في وسط محمد حسين ترحيني
في وسط محمد حسين ترحيني

بالمقابل، اعتبر السيد محمد حسين ترحيني، الباحث في علم الاجتماع والدين ان “التطبير وغيره من مراسم دخلت على المذهب باسم “الشعائر الحسينية” منذ قرنين أو ثلاثة وما زالت تمارس سنويا في ذكرى صلب المسيح في منطقة (lourder)، بعد أن نقلها وزير الشعائر الحسينية الصفوي من أوروبا الشرقية. هذه الممارسات شوهت وطمست أهداف الثورة الحسينية، وبدل أن تكون هذه الذكرى عامل جذب واجتماع الأمة على مظلوميّة الامام الحسين(ع) وأهل بيته أصبحت موسما للدماء (التطبير) والتحريض والكراهية. والغريب أن الأئمة أشاروا إلينا كيفية إحياء أمرهم: “رحم الله عبدا أحيا أمرنا، قالوا له: وكيف نُحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لإتبعونا”. (بحار الأنوار، ج71، ص352). ويختم ترحيني كلامه بالقول: “لكننا للأسف اخترعنا شعائر وأحطناها بالقداسة وقلنا إنها “شعائر حسينية”!

اقرأ أيضاً: «بارني» في عاشوراء… والامام المهدي في دمشق؟!

السابق
«بارني» في عاشوراء… والامام المهدي في دمشق؟!
التالي
محامية الشيخ الطرّاس لـ«جنوبية»: تنفي صدور قرار اتهامي بحق الطرّاس