حنان رحيمي تتألّق في قصص «بائعة الأعشاب»

كتاب
امتلكت حنان رحيمي موهبة مشعّة، حبتها ببصمة إبداعية متعددة الوجوه، فهذه الكاتبة رمت بذار روحها يانعاً، في تربتيْ الشِّعر والنَّثر: فإلى تألُّق والتماع بصمتها في الشِّعر والرواية نرى تألّقها ولمعانها ككاتبة قصّة قصيرة، في مجموعتها القصصيّة "بائعة الأعشاب – قصص من الواقع – 13 قصّة"، (الصادرة حديثاً عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" – في بيروت).

فرحيمي وعن قصّتها “بائعة الأعشاب”، نالت جائزة مرهجان همسة الدولي للآداب والفنون في القاهرة.

اقرأ أيضاً: الوظيفة اليهوديّة

ومن قصّة “بائعة الأعشاب” هذا المقتطف:
أرتال من السيارات لا تتوقف، طالت وقفتي “كم أصبحت أكره عبور الشارع من ضفة إلى ضفة”.. سائقو السيارات هذه الأيام ينهبون الشوارع وكأن الوقت يطاردهم.

على الجهة المقابلة من الشارع تقف امرأة عجوز، تحمل أكياساً كبيرة.. “مسكينة كيف ستقطع الشارع بهذا الحمل الثقيل!”..

كتاب

خفّت حركة السيارات قليلاً و”جاء الفرج”، تقدمت عدة خطوات سريعة، المرأة أيضاً استغلت الفرصة وتقدمت بخطوات بطيئة، تجر أكياسها وأثقالاً من السنين. عجوز هرمة، تبدو قد تجاوزت الثمانين من العمر!
التقينا وسط الشارع، أمسكتُ بها لأساعدها بالوصول إلى الضفة الأخرى “لم يكن هناك وقت لتناول الأكياس منها”.. ما كدنا نصل إلى الجهة المقابلة حتى أفلت من يدها أحد الأكياس.. داسته عجلات شاحنة مسرعة.. خفق قلبي هلعاً.. كان من الممكن أن نكون أنا أو هي مكان هذا الكيس “سيء الحظ”..
صرخت المرأة وكأن الذي دُهس شخص عزيز عليها، عادت أدراجها إلى الخلف في محاولة لجلب الكيس..

ما كادت تصل حتى انطلقت أبواق السيارات، مع زعيق الفرامل، حاولت العجوز التعبير عن غضبها ببعض الشتائم، صوتها الضعيف لم يسعفها فاكتفت بالتلويح بيديها وكأنها تقذفهم بما عجز لسانها عن قوله.

اقرأ أيضاً: «الأربعون ظلاًّ»… فلسفة شِعر إيهاب حمادة

سحبتها إلى الوراء بقوة وأنا أتساءل: ماذا يوجد داخل ذاك الكيس حتى تغامر بحياتها لأجله؟ حدّقت العجوز إلى الكيس القماشي المرمي وسط الشارع، وعجلات السيارات المارة تسحقه. انهمرت دموعها مع تنهيدات عميقة “كاوية هي الدموع المتساقطة من خلال أكداس العمر”.. اختلج وجهها، أصبحت تجاعيده أكثر عمقاً، قالت وكأنها ترثيه: “يا أسفي عليك، يا ضيعان التعب”../ ماذا يوجد في الكيس يا جدتي؟/ فيه قوت نهاري، أخذ مني وقتاً وجهداً منذ الفجر، أمضيت ساعات وساعات أجول في الحقول، في أماكن بعيدة، أبحث عن أعشاب برية، فهذا موسمها إن كنت تعلمين: الهندباء، والخبيزة، والشُّمَّر وغيرها..

ساعات يا ابنتي، وأنا أجرُّ نفسي جرّاً، أحفر الأرض بسكينتي، أقتلع الأعشاب، منها ما يؤكل، ومنها ما يستعمل في أدوية الطب العربي…

كلما أضفت قبضة أعشاب إلى الكيس تكبر فرحتي بالحصول على ثمن أكبر.. اليوم كان الرزق وفيراً، ملأت هذين الكيسين.. يا لحظّي السيء! آه يا ابنتي ضاع تعب نهاري سدًى.

السابق
بالوثيقة.. فارس سعيد يكشف قصة المشاعات: الوزير حسن خليل يدعي!
التالي
ندوة وتدشين صورة للسيد هاني فحص في «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي»