لماذا لا تغير «عاشوراء» في واقعنا اللبناني؟

هاني فحص

في كلمة أدبيّة واجتماعية نافذه، ألقاها سماحة العلامة السيد كاظم ابراهيم في ندوة بمناسبة ذكرى مرور عامين على رحيل صديقه العلامة الأديب السيد هاني فحص، بمركز المجلس الثقافي للبنان الجنوبي (وبمناسبة ذكرى سقوط شهيدي ثورة مزارعي التبغ في الجنوب) قال فيها:

اقرأ أيضاً: ندوة وتدشين صورة للسيد هاني فحص في «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي»

“وإنه لمن حسن المصادفات أن تقام هذه الندوة في أيام عاشوراء، وهي كما تعلمون مناسبة يتصدَّرها ويقودها رجال دين بشكل عام، فما الذي تغيّره هذه المجالس في واقعنا المعيشي والاجتماعي والتي يحتشد من أجل إنجاحها أعداد غفيرة من المؤمنين يحلم أكبر الأحزاب وأعرقها أن تتوفر له مثل هذه الحشود التي تندفع من غير أن تنتظر ثمناً أو أجراً دنيوياً على المشاركة فيها.

ومن هنا أقول أن دور رجال الدين الذين يقودونها هو تحريض هؤلاء الناس المؤمنين والطيبين على المطالبة بحقهم في حياة كريمة تخرجهم من واقع الجهل والفقر والتخلف الذي يقاسون، إلى وعدٍ بمستقبل أفضل عبر دولة عادلة تعمل بإخلاص وشفافية في سبيل الخير العام.

ندوة المجلس الثقافي للبنان الجنوبي
نحن نقيم هذه الذكرى في كل عام، ونحشد لها كل الإمكانات من أجل إنجاحها، ولكنها تحولت إلى احتفالية استعراضية نكررها في كل عام من غير أن تغيّر أو تصلح أو تجدّد واقعنا شيئاً. مع أن الحسين(ع) كان يردّد باستمرار أن الهدف الأساس من ثورته هو الإصلاح في الأمة، مما يعني أن الفساد وقد عمّ على يدي الحكام الأمويين، حيث اتخذوا عباد الله خولاً ومال الله دولاً، أي أن المال العام غدا ملكاً يتداوله أبناء المسؤولين والحكام وأزلامهم من المتزلفين والفاسدين، وهل يوجد فساد ونهب للمال العام، واعتداء على ممتلكات الدولة أكثر مما نحن فيه اليوم في لبنا؟ فلماذا لا يأتي هؤلاء الخطباء، ولا ترفع هذه المسيرات الضخمة التي تُسيَّر بإسم الحسين ومظلوميته، على ذكر ما يجري من فساد وإفقار وانهيار في جسم الدولة حتى لقد غدونا على حافة الهاوية التي لا قيامة لنا بعد السقوط فيها.

ثم إن الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه قد حيل عنهم وبينهم ماء الفرات، حتى استشهدوا عطاشى. وها هي الأكثرية من أبناء الشعب اللبناني ينظرون إلى مياه أنهارهم بعين الحسرة بسبب ما يتم من عدوان وحشي وهمجي على مياه الوطن بتلويثها وجعلها غير صالحة لأي استخدام بشري أو حيواني أو حتى نباتي زراعي، ولا أحد يرفع صوته ليعلن غضبه وثورته.
دلّوني على بيت واحد في بيروت وضواحيها، بل في كل قرى ومدن لبنان لا يشتري ساكنوه الماء للشرب والطعام. وأما غسلُ الثياب والأواني والأجساد فيرضى أكثر أبناء الضاحية الجنوبية بالماء الأُجاج الملوّث مستخرجاً من آبار جوفية اختلطت فيها مياه البحر بمياه الصرف الصحي.. ولكم تمنيت أن ينطلق شعار واحد من هذه المسيرات الضخمة يوم العاشر من المحرم تطالب الدولة بمياه عذبة لهؤلاء الفقراء المفجوعين بشهادة الحسين(ع) ومن معه وقد قتلهم العطش.
أجل إنه التنويم والتغييب عن مطالب الناس وهمومهم الأساسية برفع شعارات لا تغير من واقعنا البائس شيئاً.”

السابق
اختتام مهرجان زوريخ وسط غياب الفيلم العربي
التالي
كيف سيحتفل بوتين بعيد ميلاده؟