قانون «جاستا»: النهاية الرابعة للشرق الأوسط القديم

الكاتب جهاد الزين

خرج الشرق الأوسط من القرن العشرين بشكل حاسم منذ بضعة أيام ودخل القرنَ الحادي والعشرين عندما رفض الكونغرس الأميركي الفيتو الذي وضعه الرئيس باراك أوباما على قانون “جاسْتا”، القانون الذي يعطي أهل ضحايا أحداث 11 أيلول 2001 حق مقاضاة أي حكومة يدَّعون أنها مسؤولة عن رعاية أو تشجيع أعمال إرهابية قام بها مواطنون من رعاياها.
القانون الذي يضع السعودية في وضع قانوني حَرِج جداً داخل الولايات المتحدة لم يسمِّ السعودية ولا أي دولة، ولكنه عملياً لا يستهدف أساساً غير السعودية.
انتهى القرن العشرون في الشرق الأوسط بما لا يدع مجالاً للشك في نهايته عندما تقوم واشنطن، بالنتيجة، بهجوم عقابي على أكبر حليفة لها في المنطقة، بعد إسرائيل، بل الدولة (السعودية) التي قام حولها كل “نظام” الشرق الأوسط في القرن العشرين. مساحة عقابية لم تتعرّض لمثلها حتى دولة كانت محترفةَ عداءٍ لأميركا هي إيران.
كان للقرن العشرين نهايات عديدة في السنوات الماضية:
انهيارٌ مريع لأربع دول في المنطقة: العراق، سوريا، اليمن، ليبيا. هذه نهاية أولى.
الاتفاق النووي الإيراني الأميركي (الغربي الروسي الصيني)
“ثورة الغاز الصخري” التي تُحوِّل تدريجياً، وبسرعة، الولاياتِ المتحدةَ الأميركية من دولة مستوردة للنفط إلى دولة مكتفية بل مصدِّرة.

إقرأ أيضاً: أوّل دعوى رفعت ضد السعودية بعد صدور قانون «جاستا»
… كلٌ من هذه النهايات الكبرى الثلاث لم تقْنعنا بشكل كافٍ أنها نهاية نظام وعلاقات قرن سابق وبداية استراتيجية لقرن جديد دخل علينا زمنياً قبل ستة عشر عاماً ولكنه يدخل الآن بوقائعه الفجة والمدهشة وبشكل متلاحق.
ها هي منذ أيام وفي واشنطن تحصل نهاية القرن العشرين الجديدة وتبدأ بداية القرن الحادي والعشرين الهائلة التغيير.
لا تفوق الدلالات التي ينطوي هذا المجال العقابي المفتوح (مجال عقابي على وزن مجال فضائي) سوى أن تقوم واشنطن بخطوة مماثلة ضد إسرائيل. وهذا لا يدخل ولن يدخل طبعاً في أي مخيلة. أقول ذلك فقط للدلالة علىاستثنائية هذه الخطوة البالغة الدلالة والخطورة ضد السعودية من حيث الاحتمالات التي تفتحها. مع العلم أن مجال الاختلاف الجدي الوحيد بين إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا هو المتعلّق بالشأن الفلسطيني، لأن تأسيس الدولة الفلسطينية، أياً تكن هشاشتها وحدودها، هو منذ سنواتٍ مشروعٌ غربيٌّ ولم يعد عملياً مشروعاً عربياً أو إسلامياً، لكن هذا حديث آخر وهو لا يخفف أبداً من وزن إسرائيل المتزايد الأهمية في الاستراتيجية الغربية. بينما مكانة السعودية نفسها باتت مطروحة بشكلٍ خطِر للمرة الأولى منذ تأسيسها عام 1933.
تزداد المساعدات الأميركية الضخمة أصلاً لإسرائيل في الأسبوع نفسه الذي يُطلق الكونغرس فيه العنان لقانون جاستا. خلاف أوباما – نتنياهو الشخصي الشهير لا يمنع هذا التطوير لمستوى العلاقات. بينما قانون جاستا يأتي بعد أقل من عام وبضعة أشهر على التحذير المعلن الذي وجهه الرئيس باراك أوباما على صفحات “النيويورك تايمس” إلى دول الخليج عبر معادلته المعروفة: نحميكم من الاعتداء الخارجي ولكننا لا نستطيع أن نساعدكم ضد أي خطر داخلي. عليكم إصلاح أوضاعكم.

إقرأ أيضاً: هل ستنتهي مفاعيل قانون «جاستا» بعد تعديلات الكونغرس؟
قانون “جاستا” (أو قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب) حسب اسمه التشريعي في الكونغرس يمكن أن يتحوّل إلى كرة نار تضع مصير الأموال السعودية الموجودة داخل الولايات المتحدة الأميركية، أملاكاً أو الأهم سنداتٍ، تحت بساط التكهّن. لقد طال التجميد الأميركي مايةً وخمسين مليار دولار إيرانياً في السنوات الخمس والثلاثين المنصرمة بينما “اللعبة” الآن تتعلق بسبعماية وخمسين مليار دولار سعودي هي حجم المساهمة السعودية بسندات الخزينة الأميركية. ألف علامة استفهام؟
صحيح أنه لا يجب أن نتوقّع انهيارات دراماتيكية في العلاقات الأميركية السعودية وبشكل سريع، خصوصاً بسبب حجم التحذيرات الداخلية في أميركا ضد القانون ولا سيما ما يمكن أن يُسمّى “اللوبي السعودي”، غير أنه آن الأوان لنصدِّق هنا في الشرق الأوسط أن ما يحدث متَّجِهٌ نحو نظام علاقات جديد.
من الصعب عدم الوقوع في الإبهام اللفظي حين نضيع في السؤال عن الفارق بين شرق أوسط جديد آخذٍ بالتشكّل تساهم الولايات المتحدة بتشكّله هذا عبر تغيير مرتكزات بعض تحالفاتها الثابتة منذ أكثر من ثمانين عاماً فيما هي “تنسحب” منه، وبين شرق أوسط تضع الولايات المتحدة أسس شخصيته الجديدة وهي باقية فيه بالمعنى التقليدي؟
كان القرن العشرون بالنتيجة قرناً عربياً في مآسيه وثرواته وخرائط الدول المشاغبة فيه. الأكيد أن منطقتنا تتغيّر. وحتى القوى التي تبدو مستفيدة من انتهاء أو إضعاف المركز العربي الذي لازم تأسيسَه، مثل إيران وتركيا، لا يمكنها أن تكون خارج ديناميات التأثر في أوضاعها الداخلية بهذا التغيير المتواصل في الخرائطوالثروات.
تركيا تبتعد عن الغرب بأشكال مختلفة. إيران رغم تردد نظامها، تقترب فعلياً من الغرب. إسرائيل لا تقترب ولا تبتعد لأنها دولة غربية في المنطقة.
لا ينقلب التاريخ دفعة واحدة إلا نادراً. لكن، يجب أن نصدق النهايات المتلاحقة للشرق الأوسط القديم. ليس من حتميات. لكنها أربع “نهايات” كبيرة حتى الآن.

(النهار)

السابق
ما هي الاجراءات التي سيتخذها المجلس الوطني للإعلام ضدّ الــmtv؟
التالي
تأملات في صلب «عرس بكفيا» ومن قال إن الحب ليس حلاً سياسياً!