الحريري: المبادرة تجعلك تكسب

رغم ما يحكى عنه، يبدو الرئيس سعد الحريري أكثر المرتاحين هذه الأيام. يضحك لدى سماعه أي خبر يتناول وضعه السياسي أو الشخصي، يفضّل عدم التعليق، ويردّ على ذلك بطريقة أخرى أكثر عملانية. تتنامى الحملات عليه بأنه انتهى في السياسة، وأنه معرّض للإفلاس، طريقة ردّه الوحيدة تكون في أن تحطّ طائرته في بيروت، لتنشغل الساحة السياسية بما يحمل من مبادرات. هذا أكثر ما يريحه، يعتبر أنه يتهم بغيابه لسنوات عن البلد، فيما الساسة الذين لم يغادروه غير قادرين على اتخاذ أي موقف جديد، فيما هو يحمل المبادرات وقادر على إتخاذ مواقف جديدة تحرّك الجمود السياسي.

ليست المسألة بالنسبة إليه مقاس بورصة الشعبية، تناميها وتراجعها، رغم أهمية ذلك، لكن استراتيجيته الأساسية، تركز على الحفاظ على شيء وحيد يتذكر من خلاله والده، وهو أن يبقى المبادر الدائم، والمحرك الوحيد للسياسة في لبنان. ينطلق في ذلك من منطق أعطِ ولا تأخذ في السياسة، فهكذا تكسب. من وجهة النظر هذه يتعاطى الحريري مع ترشيحه مع النائب ميشال عون، وفق ما يقول، فهو لم يعد قادراً على تحمّل الفراغ، ولا على اهتراء الدولة: “لا نريد تحقيق ما يريده خصومنا وأعداء الدولة، وهو فرط مؤسساتها لبناء شيء يلائمهم فيما بعد. وعلينا التفكير في أي سبيل لإنقاذ المؤسسات والحفاظ عليها من الزوال، وذلك يتركز أساساً في الحفاظ على الطائف”.

اقرأ أيضاً : هكذا سيعلن الحريري ترشيح عون وهذه أبرز بنود الاتفاق

لدى كل إيحاء إيجابي في اتجاه الرابية، يحصل الحريري على اعتراف بالطائف. وهذا يكفيه حتى اللحظة. كذلك بين فترة وأخرى، يستعيد من منابر الرابية وغيرها من قيادات التيار الوطني الحرّ شرعيته اللبنانية المعتدلة. لذلك، هو يتعاطى أكثر من أي وقت مضى بأنه الزعيم الذي لا غنى عنه، فالجميع ينتظر منه كلمة أو إشارة، ومنهم خصومه. أما في شأن إنتهائه سياسياً وازمته المالية وما إلى ذلك، فيعتبر أنها كلها تبددت ولا أحد يذكر ذلك منذ عودته، بل الجميع أصبح منشغلاً بما سيفعله رئاسياً.

يعرف الحريري حجم الامتعاض لدى نوابه ومؤيديه من السير بترشيح عون، لكنه أيضاً ينظر إلى المسألة من زاوية مختلفة، يعتبر أنه أدى قسطه للعلى، وأزاح عن كاهله مسؤولية الفراغ التي يسعى الجميع وخصوصاً حزب الله والتيار الوطني الحرّ إلى رمي كرة نارها عليه. وبذلك، يكون قد رمى الكرة في ملعب الحزب وعين التينة. بمعنى أنه أبدى الاستعداد لانتخاب عون، لكن حلفاء الجنرال هم من خذلوه. ومن الأسباب الموجبة لخطواته الإيجابية، هي أنه استطاع سحب فتيل التصعيد الذي كان التيار الوطني الحر يلوح به، وهو يعلم أن التحركات التي كانت ستجري في الشارع ستصوب الأسهم خلالها باتجاهه. أما اليوم فيكون قد جنّب نفسه ذلك، وأوقع الخلاف مجدداً داخل قوى الثامن من آذار.

اقرأ أيضاَ : رسالة إلى دولة الرئيس سعد الحريري

لكن أيضاً، لم يغب من حساباته ولو بنسبة واحد في المئة إمكانية تلقّف المبادرة والموافقة على التسوية. فإذا ما وافق الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط وحزب الله على هذه التسوية، سيضطر إلى السير بها، لأنه لا يمكنه التراجع أو التخلّي عما تعهّد به. لذلك، هو يضع الجميع في مختلف الأجواء والخيارات، والزيارات التي يجريها خير دليل، علماً أنها غير تسويقية لمصلحة أحد، إنما هو بحث كل الاحتمالات. لكن البوادر لا تشير إلى إمكانية إنجاز الإستحقاق، فالأمور غير ناضجة لانتخاب الرئيس، وحزب الله لا يريد الانتخابات قبل حسم الأوضاع في سوريا. أما في حال وافق الجميع، فهو يسير بذلك الخيار، ويشرح الأسباب الموجبة التي دفعته إلى ذلك في إطلالات مصارحة على اللبنانيين، لكنه يكون عاد إلى السلطة، أعاد تركيز دعائمه المؤسساتية، وحافظ على الطائف.

ولكن، ماذا إذا فشلت التسوية؟ لا جواب واضحاً حالياً، إنما في حال عدم الموافقة على انتخاب عون، أو وضع شروط تعجيزية تسبق الانتخاب، كقانون الاتنتخاب وقيادة الجيش وحاكم مصرف لبنان والجسم القضائي، وكيفية توزيع الحقائب الوزارية، فهذا يعني نعي التسوية. وبالتالي، فإن انتخاب الرئيس مؤجل إلى أجل غير مسمّى. وعليه، يتم طيّ صفحة الرئاسة والبحث عن حلول لأزمات أخرى كقانون الانتخاب، وتسوية النفط، وإعادة نسج الأوصال مع الحلفاء.

تبدو حال الحريري حيال مبادرته كحال المتنبي حيال نظرة الآخرين لشعره، حين قال:
أنام ملأ جفوني عن شواردها/ ويسهر الخلق جراها ويختصم.
(المدن)

السابق
إدانة وافية لإغتيال ناهض حتر
التالي
بري يقرص الحريري: «السلّة» أهم من رئاسة عون