هل الإنقسام بين السنّة والشيعة هو سياسي أم فقهي؟

في ظل ظاهرة التشدد التي تشهدها المرحلة الحالية بين بعض المذاهب وبالخصوص بين الشيعة والسنّة، نرى إننا مدعوون مجدداً إلى إعادة النظر في تكوين ونشوء المذاهب الإسلامية بصورة عامة، والمذهبين السنّي والشيعي بصورة خاصّة، وكوننا مسلمين شيعة فإن إعادة تحديد المذهب والتذكير بنشأته وهويته ورسالته هو أمر لا بدّ منه لجلاء ما وصلنا اليه من التباس في عصر الفتن الذي نمرّ فيه.

حول هذا الموضوع يشرح العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين ويؤصّل لنشوء المذاهب الاسلامية بقوله “نسجّل أولاً بأن الدين الإسلامي الجامع لهذين المذهبين هو في ملخصه كتاب الوحي الذي هو القرآن الكريم، يليه سيرة الرسول وسنته كمصادر أساسية للفكر وللشريعة الإسلامية وهنا يجب أن نعترف أن الأمّة التي اعتنقت الدين الإسلامي لا تختلف في طبيعتها البشرية عن سائر الأمم من حيث قابليتها للاختلاف والفهم المتعدد للنصوص وللظواهر على النحو الذي يجعل من الجماعة البشرية الواحدة مجموعة من الاتجاهات التي لا يمكن أن تكون متماثلة تماثلاً كاملاً في رؤيتها لقضايا الدين والفكر والاجتماع والسياسية، وهذا ما ينطبق على المسلمين كغيرهم من الأمم الأخرى، ولكن العامل الأكثر وضوحاً فيما يسمى بالخلاف السنّي – الشيعي هو في نظرنا عامل سياسي بالدّرجة الأولى ولكنه في الوقت نفسه امتزج بعوامل دينية عبرت عنها المسألة المركزية بعد الرسول(ص) على مستوى الخلافة والتي كانت البذرة التي مهّدت للانقسام بين ما يسمى بالسنة وما يسمى بالشّيعة، والحق أن هذه التسمية هي تسمية سياسية أكثر منها دينية، فليس السنّة هم من يعتبرون سنّة رسول الله مصدراً للشريعة بل الشيعة هم أيضاً يعتبرون هذه السنة مصدراً للشريعة والفريقان متفقان على اعتبار المصدر الأوّل للإسلام والشريعة هو القرآن الكريم.”

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين (2): عن أسئلة العولمة والهويات الضيّقة

وبالنسبة للخلاف الذي انفجر بعد تولي الامام علي بن ابي طالب زمام الخلافة والحكم رأى السيد الأمين “أن مرحلة الخلافة الراشدة لم تشهد أزمة سياسية كبيرة تجاه الخلاف على موضوع الخلافة، بل برزت هذه المسألة بصورة سلبية مؤسفة بعد الخلافة الراشدة وعندما تحوّلت مسألة الخلافة إلى صراع بين فريقين من المسلمين أحدهما كان من أتباع الإمام علي بن أبي طالب(ع) والاخر من اتباع معاوية الذي حوّل الخلافة إلى ملك عضود، ولنلاحظ في ذلك الزمان أيضاً أن أتباع الإمام علي لم يكونوا فقط من الشيعة، إنما كانوا أيضاً من السنّة، أي من الذين كانوا يرون أن الإمام علي هو الذي يمثل سنة رسول الله تمثيلاً حقيقياً. وحتى الآن لا زالت أكثرية السنة يرون في الإمام علي الخليفة الحقيقي ولا يختلفون عن الشيعة إلا باعتباره الخليفة الرابع، وهذه مسألة لا تستحق مثل هذه الفرقة التي يراد تعميقها بين كلا المذهبين السنّي والشيعي.”

السنة والشيعة

ويصل سماحة السيد محمد حسن الأمين الى ” رؤية إسلامية تنطلق من أن الإمام علي بن أبي طالب كان التعبير الأوثق عن نهج الإسلام وقيمة الجديدة، ويدل على هذا أن المسلمين بعد مقتل الخليفة عثمان بأكثريتهم الساحقة أرغموا علياً على تسلم منصب الخلافة إيماناً منهم أنه هو الرجل الذي يمكن أن يحقق لهم أحلام العدل والحرية والمساواة بعد أن شهد العصر ما شهده من محاباتة وانحياز للأمويين، وذلك بعد أن شعر المسلمون بخطر تسلط الاتجاه الأموي على مقدرات المسلمين وخطرهم على الإسلام نفسه، الأمر الذي جعل من أتباع الإمام علي بن طالب فريقاً يسمى بشيعة علي، أي جماعة علي ومريديه ومحبيه، وجعلت أخصام علي فرقة تسعى إلى امتلاك مقاليد الأمور السياسية ودائماً بواسطة القهر والغلبة وليس أمراً مختلفاً عليه بأن العصر الأموي كان تعبيراً عن انتصار قوة القهر والغلبة التي كرّست الانحراف في تاريخ المسلمين وجعلت من السلطة موقعاً يكتسب شرعيته من الوراثة والقوة والغلبة، وتراجعت بصورة كاملة قيم الإسلام كما كانت في عهد الرسول وعهد الخلفاء الراشدين إلى حدّ كبير. ”

اقرأ أيضاً: لماذا فشل الحوارات.. فرصة لرؤية الحقيقة

ويؤكد السيد الأمين في النهاية ان الخلاف السياسي وليس فقهيا بقوله انه “عندما بدأت المذاهب الإسلامية الفتية بالنشوء كان من الطبيعي أن تتعدّد هذه المذاهب وأن يكون للخلاف السياسي تأثير على طبيعة هذه المذاهب، وإن كان والحق يقال أن أئمة المذاهب بصورة عامة لم يقعوا بالكامل تحت تأثير الخلاف السياسي وإنما وقعوا تحت الاختلاف الطبيعي في مجال الاجتهاد والاستنباط، وهذا ما يجعلنا نرى تقارباً فقهيا كبيراً في أحكام هذه المذاهب التي تبناها المسلمون السنة فيما بعد، بالنسبة للمسلمين الشيعة الذين تبنوا مذهب الإمام جعفر الصادق عليه السلام.”

السابق
سعد الحريري .. ضمانة بقاء لبنان كما نعرفه
التالي
شهادة حيّة من فرع الأمن في حلب: باع بيته بدلاً لثمن قتله من سجانه