سوريا المفيدة: صراع شيعي – علوي تحت الرماد

يكثر الحديث عن الصراع السني الشيعي، إلا أن هناك بذورا لصراع جديد قادم. صراع أقلوي بين حلفاء اليوم الذين سوف يكونون أعداء الغد، وهم الشيعة مقابل العلويين، ومسرحه دولة سوريا المفيدة القادمة.

لم يبق حجر على حجر في سوريا، اميركا وعلى لسان رئيس وكالة استخباراتها جون برينان أكّدت أنّ عودة سوريا إلى ما كانت عليه مهمة شبه مستحيلة فيالمقابل يستمر وزير خارجية روسيا في تأكيده على وحدة سوريا.

العلويين

ويعود الحديث في الاونة الاخيرة عن خرائط وضعها المستشرق اليهودي برنارد لويس لتقسيم سوريا إلى خمس دويلات، دولة علوية على إمتداد خط الساحلالسوري. دولة داخلية للسنة تجمع دمشق وحلب. دولة للدروز في جنوب سوريا، ودولة للأكراد في شمال شرق سوريا.

 

ولا يمكن إفراغ النزاع السوري من منحاه الطائفي عبر الإكتفاء بالتصويب على الصراع بين المعارضة والنظام ورغم سيطرة اجواء الصراع السني – الشيعي عليه، فهذا لا يعني أن حدود الصراع ستبقى بين هاتين الطائفين بل ستتعداها إلى صراع بين الأقليات في حال قامت سوريا المفيدة. إن الخط الساحلي المعروف بإسم «سوريا المفيدة» ويطلق عليه في الخرائط التقسيمية تسمية «الدولة العلوية»، شهد في الأونة الاخيرة تحركات عسكرية ضخمة نجحت من خلالها قوات النظام المدعومة من إيران بإفراغ عدة مدن سنية من أهلها.

ولكن سوريا المفيدة تفقد تدريجياً قيمتها التاريخية وبات جوهر ترؤس الطائفة العلوية زمام قيادتها في حال نشوئها شبه مستحيل مع إزدياد النفوذ الشيعي الإثني عشري في ريف دمشق وأطراف حمص وفرض التشيع على القاطنين في تلك المناطق، وحالياً تسعى إيران إلى تعزيز النفوذ المذهب الشيعي (الإمامي) في وزارة الأوقاف السورية التي كان يتقاسمها قبل الحرب السُّنة والشيعة العلويين.

مع تدفق النفوذ الإيراني للصراع السوري وبناءه للمنشآت وغرف عمليات في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية السورية، تعزز وجود الشيعة الإثني عشريين على حساب الشيعة العلويين.  وبنى الإيرانيون غرفة عمليات موازية لتلك العسكرية مهمتها دينية تهدف لنشر التشيّع في دمشق، وتمكنت من توطين عدد من الشيعة اللبنانيين والشيعة العراقيين في عدة مناطق سقطت بيدها.

إقرأ أيضاً: الأقوى مسيحياً والصراع السني – الشيعي

عام 2012 تم تصفية جنرالات ما يعرف بـ«خلية الأزمة» عبر تفجير غرفة إجتماعهم في مقر الأمن القومي السوري وأثيرت عدة شكوك حول هوية الجهة المنفذة، حتى إتهمت إيران بها لأنها حصلت قبل أربعة اشهر من دخول حزب الله علناً إلى المعركة في سوريا.

وضمت الخلية أبرز الضباط العلويين مثل رئيس الأركان آصف شوكت، وحسن تركماني، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار، رئيس الاستخبارات الجوية جميل حسن، رئيس الاستخبارات العسكرية عبد الفتاح قدسية، رئيس شعبة الأمن السياسي ديب زيتون ورئيس الاستخبارات العامة علي مملوك وتمكن التفجير من قتل شوكت وتركماني وبختيار واعتبر موتهم خسارة فادحة للعلويين.

وإستطاعت إيران مضغ البنية العلوية في تركيبة النظام السوري ومحاصرتهم عبر فرز بنية جديدة إلى داخل النظام تقوم دعائمها على الفصائل الشيعية المسلحة اللبنانية والسورية والعراقية، ويشير كثيرون إلى أن إيران هي من تتولى حماية الأسد بشكل مباشر بعد ان تم إبعاد فريقه العلوي (الأمني) الخاص به، كذلك يتلقى الجيش السوري تعليماته من إيران ويخوض حروبه وفق خططتها.

يحمل المشهد السوري عدة سيناريوهات ترتفع معه حظوظ تقسيمها إلى ثلاث فيدراليات – سنية – علوية – كردية، ويرى محللين أن قيام سوريا المفيدة تضمن بقاء بشار الأسد ضمن حدود جديدة. ولكن سوريا المفيدة سوف يسيطر على قراراتها وتقلباتها الشيعة لا  العلويين، الأمر الذي يعد خسارة معنوية للعلويين وإن لم يفصحوا عن الأمر أو حتى يتخذوا خطوات إستباقية للوقوف بوجهها.

إن العلويين دخلوا مع بشار الأسد  معركة الحياة أو الموت للدفاع عن مكانتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي فازوا بها منذ أيام حكم الرئيس السابق حافظ الأسد، ولكن العلويين ربحوا بقائهم وبدأوا بخسارة مكانتهم السياسية في العاصمة دمشق.

إقرأ أيضاً: الشيخ علي قدور والمسلمون العلويون في المجمع الثقافي الجعفري 

في سوريا المفيدة تتفوق العاصمة دمشق على جميع المحافظات المنضوية فيها. ففي اللاذقية وطرطوس حمى الجيش السوري القرى العلوية وحافظ على طابع المدينتان المعروفتان بأنهما ثقل السياحة في السورية وتمكنت طرطوس من إستقبال مئات الآلاف من النازحين السنّة، ولم تشهد المحافظتان نزفاً سكانياً إلا أثناء بعض المناوشات العسكرية بين النظام والفصائل المعارضة، وإقتصرت حركة النزوح على شكلها الداخلي وبقي النزوح مضبوطاً في إطار المحافظتين لأنهما يجاوران بعضهما.  ولكن مظاهر التواجد الشيعي الإمامي التي عجزت عن اختراق حصون العلويين في الساحل، إخترقت العاصمة السياسية لسورية المفيدة؛ دمشق. وقد إنتشرت عدة فيديوهات تظهر إحياء الشيعة لمراسم عاشوراء في أحياء مدينة دمشق علماً إن مظاهر المناسبات الدينية الشيعية سابقاً إقتصرت على منطقة السيد زينب والسيدة رقية. ويضاف إلى ذلك إحياء حزب الله والحرس الثوري إحتفالات رمزية ومهرجانات سياسية بشكل مشابه لما يحصل في إيران ولبنان. وتمكنت ايران من حصد ثمار دعمها للنظام السوري عبر سلة قوانين أبرزها قانون أصدره الرئيس الأسد العام الماضي، ودعا فيه وزارة الأوقاف بأن تدعم المدارس الدينية الجعفرية، ومن جهة اخرى بدأ العمل بقانون مصادرة ما يسمى بـ”أراضي الإرهابيين” وإعادة إستملاكها من قبل القوات العسكرية التي تقوم بمصادرتها.

وعبر التاريخ فإن سقوط العواصم هو سقوط للدولة، العاصمة دمشق ستسقط بيد الشيعة الإمامية، أما العلويون فتم إستنزافهم في حرب الأسد عدد قتلاهم فاق الآلاف.

في لعبة الأقليات بسوريا يتصدّر العلويون المشهد، ولكنهم في سوريا المفيدة سوف يخضعون للشيعة في تحوّل يحمل بوادر نزاع وصدام نائم، هذا النزاع قد ينسخ الصراع العلوي – السني ولكن بشكل مختلف عندما يستيقظ.
صراع الأقليات تتكاثف معالمه في سوريا المفيدة.

 

السابق
هل من دلالة لموت بيريز في 28 أيلول أي في ذكرى رحيل عبد الناصر؟
التالي
«أمل وحزب الله» ضرورة التنسيق والعمل المشترك لإنجاح إحياء ذكرى عاشوراء