لبنان لحزب الله وإيران

البعد الإستراتيجي لمعركة حلب، والذي تحدّث عنه قبل فترة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أبعد من سوريا. إذ أكد نصرالله أكثر من مرّة أن مصير لبنان يرتبط بمصير المقاومة والحرب السورية. الوجهة السورية بالنسبة إلى الحزب واضحة، وتنسجم مع الاتفاقات الدولية وخصوصاً الأميركية الروسية، العلنية منها والضمنية. الرئيس بشار الأسد باق، وفق قراءة الحزب. الإتفاق الإيراني الروسي أكبر من الاختلافات أو تضارب المصالح. وبالتالي، فإن وجهة الرياح السورية تجري بما تشتهيه سفنهما. ولكن ماذا عن لبنان بالمعنى الإستراتيجي للحرب السورية؟

انتهت الهدنة عملياً، حلب تحترق بالحمم الروسية، وقد أفضى التنسيق الروسي الإيراني إلى توزيع الأدوار في حلب، بحيث تصبح السماء للطائرات الروسية، فيما تستعد إيران وحلفاؤها إلى خوض معركة الميدان، وذلك لتشديد الخناق على الأحياء الشرقية من مدينة حلب، وفرض تنازلات قاسية على المعارضة. نتائج هذه المعارك لن تصرف في المفاوضات بشأن التسوية السورية بعد حين. إنما ستكون أيضاً شيكات يضعها الحزب في أرصدته اللبنانية.

لذلك، يعتبر الحزب أن معركة سوريا هي أهم من التفاصيل اللبنانية. وهذا ما يوضع في سياق تأخير إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وذلك ليس خلافاً على الأسماء والمرشحين والحكومة، بل يتعداه إلى البحث في أمور أكثر عمقاً، منها ما يتعلّق بالخريطة الحدودية للبنان أو حتى عبر إدخال تعديلات في الدستور، وليس من الضروري أن تشمل تعديلات في شكل النظام السياسي، ضمن المؤتمر التأسيسي الذي يحكى عنه كثيراً، رغم ورود هذه الفرضية. لن يلجأ الحزب إلى حلّ الأزمة اللبنانية مقابل التضحيات في سوريا، ولذلك كل شيء مؤجل.

تقول شخصية بارزة، إن ما يجري في لبنان، لا يعدو كونه تلهّياً بالقشور على الطريقة الزجلية اللبنانية، فيما لبنان ومحيطه يمرّان في مخاض عسير، سيولد أشكالاً جديدة من الدول وانماطاً مختلفة. وهنا رئاسة الجمهورية تفصيل بسيط جداً، لأن اهتمام الجميع ينصبّ على الشكل الجديد للبلد.

ووفق بعض القراءات، فإن لبنان سيكون محطة إيرانية أساسية على البحر الأبيض المتوسط، فيما سوريا، وخصوصاً ساحلها، هي المحطة الروسية. سوريا المفيدة تنجز وأصبحت واضحة المعالم. أما في لبنان فسيحصل حزب الله على تشريع دستوري يحمي وجوده وبسلاحه. وبالتالي، تكون له الكلمة الفصل في القرارات اللبنانية، أو تشكيل نوع من الإقليم المستقل للحزب ما بين لبنان والمناطق التي يسيطر عليها في سوريا.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: ظاهرة «حزب الله» فاقعة التناقض مع الدولة

يشبّه البعض ذلك، بمرحلة ما بعد الطائف، حيث خضع لبنان إلى الوصاية السورية. أما في المستقبل فسيكون خاضعاً للوصاية الإيرانية، ولاسيما في ظل انكفاء الدور العربي والخليجي تحديداً عن لبنان، وفي ظل الغلبة الإيرانية في سوريا. ويقول متابعون إن التفاهمات الإقليمية والدولية حين يأتي أوانها، ستكون على هذه القاعدة التحاصصية التي تمتد من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن، حيث سيكون الحلّ هناك أيضاً ملائماً للمصالح السعودية.

هنا، يحضر المقال الذي نشره قبل أيام الرئيس سعد الحريري في نيويورك تايمز، وهاجم فيه إيران لكنه دعاها إلى أن تكون شريكة في الحلول في الشرق الأوسط على قاعدة وقف التدخلات والاعتداءات، وأن تكون جزءاً من الحلّ، وقبول اليد الممدودة من العرب وعلى رأسهم السعودية، وأن تسمح للعرب أن يتفرغوا للجهد الحقيقي للتخلص من التطرف. ورغم حدة الخطاب، لكنه يحوي إشارات معينة لعلاقة مستقبلية مع إيران إذا ما أنجزت التفاهمات في المنطقة. وأمام هذا الكلام، يمكن ربط ترشيح الحريري النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، والذي لم يكن ترشيحاً يتعلّق بمسائل وتفاصيل داخلية، بل له دلالات خارجية من خلال ارتباطات فرنجية المعروفة، ويمكن ربطه بالحديث عن تقارب بين الحريري والنائب ميشال عون، أو حوارات رئاسية فتحت سابقاً بينهما.

إقرأ أيضاً: جولة بين ضَعْفَيْن: العونية والحريرية

كذلك، لا يمكن فصل الاستدارة القواتية تجاه عون، ولجوء الدكتور سمير جعجع إلى ترشيحه رغم ارتباطاته، عن الإشارات التقاربية المتبادلة بين القوات اللبنانية وحزب الله، وإن لم يحصل لقاء علني. كما أن العودة بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، فقد نظّم جعجع في معراب ندوة لمناقشة “التداعيات الاستراتيجية للإتفاق النووي الإيراني وشارك فيها باحثون ومتخصصون إيرانيون. فهل أصبح الجميع في أجواء أن لبنان مقبل على حقبة الوصاية الإيرانية؟

(المدن)

السابق
السيد محمد حسن الأمين: ظاهرة «حزب الله» فاقعة التناقض مع الدولة
التالي
ضحايا اليوم في حلب: 85 قتيلاً وأكثر من 320 جريحاً