جهاديات ونسويات

العنوان يجب ألا يكون صادماً، أو استفزازياً. هي الصفة التي أُطلقت على بعض النساء الفرنسيات اللواتي التحقن بـ”داعش”، أو قمن، أو حاولن القيام بعمليات إرهابية في الأراضي الفرنسية. وقد عادت بقوة منذ أيام، بعدما اكتشفت الشرطة الفرنسية، وبالصدفة المحض، سيارة محشوة بقناني الغاز، ومعدّة للتفجير في باريس في حيّ كنيسة “نوتر دام”؛ وكانت من مسؤولية ثلاث نساء فرنسيات، ولا رجل واحد. ظاهرة الجهاديات النسويات ليست قديمة. تعود فقط إلى العام 2014، بحسب عالم الاجتماع الفرنسي-الإيراني فرهاد خسروخاور. هو أصبح يستخدم هذه الصفة، أي “النسويات الجهاديات”، ليغطي عدداً من الفرنسيات “اللواتي أردن الذهاب إلى أبعد الحدود الممكنة”؛ وأردن التأكيد على أن العنف ليس حكراً على الرجال، وبأنهن لسن خانعات سلبيات كما يوصفن؛ وبأنهن لا يحتجن إلى رجال ليقمن بأعمالهن.
الذي يضيفه هنا فرهاد خسروخاور، هو ذاك التمييز بين “نساء الطبقة الوسطى”، و”نساء الضواحي”. في الأولى، تبرز “النسويات الجهاديات”، لأن النساء تلقين تربية مشبعة بالنسوية، تمكّنهن بدرجة عالية من الإستقلال في اتخاذ القرار، فيكون إنخراطهن في العمل الإرهابي تعبيراً فردياً عن رفضهن لمجتمعهن، وقيمه وهويته. استفدن من ثقافة المساواة بين الجنسين ليلتحقن بتنظيم ثقافته هي الإستعباد الجنسي، ليس أقل. أما غالبية النساء في الضواحي الفرنسية، فالقرار ليس بيديهن، ذلك انهن محكومات بنظام بطريركي، يفرض عليهن الإلتحاق برجالهن. لذلك لا نجد إرهابيات مستقلات بينهن، إنما ملتحقات بأزواجهن أو خطبائهن أو إخوتهن، المتورّطين بالخطط الإرهابية. على المنوال نفسه، يتابع فرهاد خسروخاور بأن بروز نساء مستقلات عن عائلتهن يبادرن إلى الإنضمام للإرهاب، لن تجده إلا في الغرب، لا في مجتمعات الشرق. “هذه الدرجة من الاستقلالية في القرار لن تجده الا هنا، في الغرب”. اما هناك، في الشرق، فهن ما زلن تحت سيطرة الرجال، ولا أفعال مستقلة تصدر عنهن.

إقرأ أيضاً: انتقال نصر الله «واجب جهادي» إلى طريق القدس في حلب

مفارقة عجيبة تحرّك أولئك النسويات الجهاديات: فبعد أن منحتهن النسوية القدرة على تأكيد أنفسهن، على عدم البقاء تحت جناح الزوج او الأب، أو أية هيمنة أخرى، خرجن لـ”الجهاد” مع تنظيم يؤكد في أقواله وممارساته انه يريد إعادة النساء إلى العبوديتين المنزلية والجنسية. أن يكون “داعش” معادياً للغرب ولكل مقولاته، من بينها قيم النسوية وأطروحاتها؛ وأن يجنّد بالمقابل نساء تشرّبن السلوك النسوي، وطبائعه، ليقمن بعمليات إرهابية داخل الأراضي الأوروبية؛ أو يلتحقن بالتنظيم الارهابي، ليقاتلن في صفوفه، عن طريق الزواج والانجاب، أو قمع النساء الاخريات، والمساعدة في تنظيم عبوديتهن… فهذا يشبه الى حدّ كبير التناقض الصميمي في قلب “داعش”، والقائم على إدعائه بأنه يعيد إقامة أركان الدعوة الإسلامية الأولى، أي انه عائد بالتاريخ إلى ألفية ونصف… ولكنه في الوقت نفسه لا يتوانى عن استخدام كل التكنولوجيا الحديثة، التي هي إبنة الغرب بامتياز، وأن يكون أسلوبه الدعائي مزيجاً من الهوليودية، وتلفزيون الواقع. صحيح اننا في هذا المجال من الإختلال الزمني، ما زلنا أمام الآلة، أو تطورات الصورة والنص، وإن ذلك قد لا يصيب الأيديولوجيا السلفية بضرر أو سقطة في عالم “الإنحلال” الأخلاقي، الذي يأخذه “داعش” على الغرب.
اما ان يكون “مستفيدا” من النسوية الغربية للتقدم بخطاه الإرهابية، فهذا ما يطرح تساؤلات لاحقة تتجاوز الصفة النسوية للجهاديات الحالمات بخدمة الدولة الاسلامية وهن على هذه الدرجة من العنفوان والديناميكية. هل تستمر هذه التجربة على الأرض؟ أم تخبو عندما يتم ذاك الإحتكاك الفظيع بين التصورات الضمنية لأولئك النساء، وبين تجربتهم المعيوشة على “أرض الخلافة”؟ بين ما تحلم به الجهادية التي من هذا الصنف، وبين الحياة التي سوف تعيشها في ظل الدولة؟ على كل حال الطلائع بدأت تظهر، من هروب هذه، ومحاولة هروب تلك، إلى شهادات الأمهات عن اعترافات بناتهن بالخيبة الشديدة وبالشعور بأنهن وقعن في فخ، الخ..

إقرأ أيضاً: الانغماسيون الجهاديون..من هم؟‏

النسويات الجهاديات مثل النسويات الاسلاميات: وُجدن في الغرب، واستفدن من حرية القرار المعطى للنساء، ووظفن هذه الحرية للدفاع عن فكرة غير غربية. الفرق بين النسويات الإسلاميات والإرهابيات، ان الاولى مكوّنة من مثقفات، مؤمنات، متبحّرات في علوم دينهن، ساعيات لبناء فكرة قائمة على المرجعيتين، الإسلامية والنسوية، ولإختراع إندماجهن في المجتمعات الغربية. أصبن أو أخطأن، ليس هذا مهما؛ انما المهم انهن يعشن بسلام ومدنية، وينتجن خطاب التآلف مع اكثر مكتسبات الغرب أهمية، ولا تغريهن أبداً فكرة القتال في صفوف الذئاب النائمة، التابعة لجيش أبو بكر البغدادي. فيما النسويات الجهاديات لا طائل منهن، ولا منفعة. انهن بذرة دمار على أنفسهن وعلى محيطهن القريب والبعيد…

(المدن)

السابق
عائلة ناهض حتّر ترفض استلام جثته
التالي
دريد لحام: المرتزقة يقاتلون في سوريا