من عرمون إلى صربا: اللاجئون ليسوا أفراداً بل مجتمع خائف ومخيف

ما بين حي عين بزيل (صربا) و شارع مريم (دوحة عرمون) سيناريو واحد وفارق زمني، إذ يبدو أنّ أزمة النزوح السوري قد تخطت مفهومها لخلق حاضنتين في وطن واحد، حاضنة لبنانية منقسمة حول الوضع السوري، وحاضنة سورية معبآة من نتائج الحرب السورية ومن القسم الرافض لها لبنانياً، ممّا جعلها تتحول لكتلة بشرية تجد في اللبناني خصماً وتهديداً وجوديا لها.

البداية من صربا ومن حي عين بزيل، وذلك مساء يوم 13 أيلول، اشكال فردي بين لبناني وسوري، تطور لعراك جامع لم يوفّر به استخدام لا الحجارة ولا العصي ولا ما تبقى من الأسلحة البيضاء.
صورة مشوشة لحرب الزواريب والاحياء، لم يتم تطويقها إلا بتدخل القوى الأمنية، إلا أنّ الأوضاع لم تقف عند هذا الحد بل تتابعت بشعارات كتبت على صورة الشاب إيليو البعيني ( توفي بحادث ATV  في أواخر شهر آب) المعلقة في مكان مجاور للاشتباك، تهدد بداعش “إن عدتم عدنا” “قيادة داعش والجبهة تحذركم”، “جنود الجبهة الإسلامية قادمون” “جنوده لا تهاب كلاب مثلكم”.

هذه الصورة تقابلها صورة ثانية شهدها شارع مريم في دوحة عرمون أول أمس الثلاثاء 20 أيلول، الروايات حول الإشكال وطبيعته قد تعددت، ولكن النقطة التي لا بد من التوقف عندها هي إطلاق النار، فأن يحمل اللبناني سلاحه أمام السوري، فهذا مرده لشعور الأوّل أنّه بات مهدداً في حاضنته، وأنّ الأخر يشكل خطراً عليه.

اشكال دوحة عرمون
اشكال دوحة عرمون

اشكال عرمون طوّق بعد تدخل القوى الأمنية، وتمّ فض الاشتباك، وكان لحركة “المرابطون” موقفاً واضحاً صدّرته في بيان وضع ما جرى في عرمون من اشتباك مسلح في سياق الفوضى والتسيب الأمني والإهمال، كما شدد البيان، أنّ الأخطر هو “هو ظهور السلاح بشكل كثيف وخصوصا بين مجموعات من اللاجئين السوريين واطلاق النار الكثيف من مختلف انواع الاسلحة مما أرعب الآمنين في بيوتهم”.
مطالباً “كافة الأجهزة الأمنية وفي مقدمتهم قيادة الجيش ومديرية مخابراته وقوى الأمن الداخلي بعدم التساهل ومحاسبة كل المسؤولين عن هذا الحادث الأمني الخطير، ومداهمة كل الأوكار التي خرج منها السلاح والمتابعة الأمنية الدقيقة لمن يوزع السلاح على اللاجئين السوريين”.

إقرأ ايضاً: اللاجئون السوريون في عرسال عرضة للتنكيل والتعتيم الإعلامي

إلا أنّه من صربا لعرمون لا بدّ من التوقف عند الواقع السوري الذي تحوّل لقنبلة متفجرة في وجه قسم كبير من الشعب اللبناني، فما شهدته الساحتين لم تقم بها لا جماعات ارهابية (النصرة وداعش) ولا خلايا أمنية، كما أنّ التحرك لم يكن ذا بعد سياسي أو أمني، ما شهدناه هو بداية تحرك لمجموعات متناسقة بمصالحها الغرائزية من التبعية السورية، ممّا جعل منهم كتلاً بشرية تحتك مع السكان الأصليين دفاعاً عن وجوديتها، مستخدمة كافة الأسلحة المتاحة.

هذه الصورة، التي اتخذها النازح السوري في الاشتباكين، وهذه الكتل البشرية التي دافعت عن مصالحها بالعصي والحجارة والسلاح الأبيض، أصبحت تتعامل مع الساكن الأصلي من منطلق الخصم والند لا من منطلق العلاقة بين الضيف والمضيف.
فضلاً عن استعمال السلاح وإطلاق النار، والذي سواء ثبت على النازحين أم لم يثبت إلا أنّ إطلاق النار من الجانب اللبناني لا دلالة له إلا الشعور بالخطر.

إقرأ أيضاً: تصريحات جبران العنصرية ما موقف حزب الله منها؟

ما حدث يعيدنا ببساطة إلى التجاوزات الفلسطينية ما قبل الحرب الأهلية والتي أدّت فيما بعد إلى اشتباكات دموية، لا نريد لها أن تتكرر مع النازح السوري الذي ندين كل عنصرية بحقه، ونؤيد حقه باللجوء وبالكرامة.
ولكن في المقابل، لكل حاضنة خصوصيتها وعلى اللاجئ أن يتكيف بها من باب الضيف الذي لا بدّ من التعامل معه من منطلق الحقوق والواجبات.
من حق اللاجىء السوري أن يُحترم، وواجب عليه أن يَحترم.

السابق
الجميل: الحريري لم ينتهِ.. وكيف يقبل جعجع بمنطق حزب الله؟
التالي
علي الأمين: الطوائف السنية والشيعية والمسيحية في لبنان أقوى من مفهوم الدولة