الفارق بين السعودية وإيران

من حسن الحظ ان لدى وزارة الخارجية السعودية لائحة طويلة بالعمليات الإرهابية الموثّقة التي تقف خلفها إيران منذ العام 1979 وحتّى يومنا هذا. لذلك ليس في استطاعة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إعطاء أي دروس في مجال مكافحة الإرهاب وتوجيه اتّهامات الى المملكة. لا يستطيع ذلك، حتّى لو فتحت له صحيفة «نيويورك تايمز« صفحاتها كلّها من أجل تبييض صفحة إيران وإظهارها في مظهر الشريك في الحرب على الإرهاب.

حسناً فعل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عندما ردّ على وزير الخارجية الإيراني في صحيفة أميركية أخرى ذات شأن هي «وول ستريت جورنال«. في النهاية ليست إيران التي تعطي دروساً في مكافحة الإرهاب باي شكل. الأهمّ من ذلك أن الفارق بين السعودية وإيران هو فارق بين السماء والأرض.

ليس سرّاً أن السعودية عانت من أنّ القسم الأكبر من الإرهابيين الذين ارتكبوا «غزوتي نيويورك وواشنطن« في الحادي عشر من أيلول 2001، يحملون جنسيتها. لكنّ الفارق بين المملكة و«الجمهورية الإسلامية« يكمن في أنّ السعودية اخذت علماً بذلك وعملت على محاربة الإرهاب فعلاً، فيما تصرّ إيران عن سابق تصوّر وتصميم على الاستثمار في كلّ ما له علاقة بتشجيع الإرهاب بغية استخدامه في خدمة أهداف محددة.

ذهبت السعودية في حربها على الإرهاب الى الجذور. طرحت قضية المناهج التربوية بشكل جدّي. طُرح صراحة في داخل المملكة وعلى أعلى المستويات سؤال في غاية البساطة: ما الذي يتعلمه أولادنا؟ كانت هناك جهود فعلية من أجل اجتثاث إرهاب «القاعدة« من جذوره وذلك في وقت ليس هناك ما يشير الى أن إيران ليست متواطئة مع «القاعدة« وما بقي من هذا التنظيم. يكفي، لإعطاء فكرة عن مدى تورط إيران في كلّ ما له علاقة بالإرهاب، العودة الى ممارساتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، على سبيل المثال وليس الحصر. لائحة العمليات الإرهابية التي تقف إيران خلفها طويلة. ما يجمع بين هذه العمليات هو ذلك الإصرار على تصويرها بأنّها من فعل «القاعدة«، في حين أنّها، في أحيان كثيرة، عمليات مشتركة بين أدوات إيران و«القاعدة«. هل من نموذج حيّ على هذا السلوك أفضل من نموذج العملية الإرهابية التي استهدفت جنوداً أميركيين في مدينة الخبر السعودية في العام 1996؟

لا حاجة الى الذهاب بعيداً من اجل التأكد من ان إيران تستخدم في معظم الأحيان واجهات سنّية متطرفة لتغطية ما تقوم به. تنجح أحياناً وتفشل في معظم الأحيان. كان فشلها ذريعاً عندما سعت الى تغطية تفجير موكب الرئيس رفيق الحريري عن طريق «أبو عدس«. من يتذكّر شريط «أبو عدس« الذي روّج له منفذو عملية الاغتيال وقتذاك؟

مثل هذه السيناريوات لم تعد تمرّ على احد باستثناء إدارة باراك أوباما التي تبدو مصرّة، على الرغم من ان عهده صار في حكم المنتهي، على حصر الإرهاب باهل السنّة. نعم، هناك إرهاب سنّي. هناك «القاعدة« وما تفرّع عنها وصولاً الى «داعش«. ولكن ماذا عن إرهاب الميليشيات المذهبية التي تستخدمها إيران في كلّ المنطقة العربية، بما في ذلك لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين؟ ماذا عن العمليات الإرهابية التي تعرّضت لها السعودية داخل أراضيها وخارجها عن طريق أدوات إيرانية. الم يتعرّض عادل الجبير نفسه، باعتراف السلطات الاميركية، لمحاولة اغتيال تقف خلفها إيران عندما كان سفيراً لبلاده في واشنطن؟

إقرأ ايضًا: السعودية وايران واحتمالات الحرب: من الأقوى عسكريا؟

يظل لبنان المكان الذي انطلقت منه إيران في لعبة الإرهاب. تستطيع إيران إعطاء دروس في العفّة في كلّ مكان باستثناء لبنان. من تفجير مقر «المارينز« في بيروت وآخر للقوات الفرنسية في تشرين الاوّل 1983… الى خطف الأجانب، مروراً بما تعرّضت له الجامعة الاميركية وتهجير المسيحيين من الضاحية الجنوبية، من حارة حريك والمريجة تحديداً، ومن المصيطبة والمزرعة ورأس بيروت وزقاق البلاط…

اللائحة طويلة، بل طويلة جدّا وهي مرتبطة بالتعاون العميق بين طهران والنظام السوري، وهو تعاون زاد عمقاً بعدما خلف بشّار الأسد والده، وبلغ ذروته هذه الايام بالذات مع تحوّل إيران شريكاً في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه منذ ما يزيد على خمس سنوات ونصف سنة.

لا يمكن لإيران ان تكون شريكاً في الحرب على الإرهاب، شاءت الإدارة الاميركية ذلك ام لم تشأ. تستطيع إيران ان تكون قوة مسؤولة في المنطقة في حال غيّرت سلوكها. لكنّ نظاماً قام في الاصل على فكرة الغاء الآخر لا يستطيع تغيير جلده بين ليلة وضحاها. ما الذي تفعله إيران في العراق؟ اليس «الحشد الشعبي« الذي يمارس عمليات تطهير ذات طابع مذهبي الوجه الآخر لـ«داعش« و«الدواعش«؟

ثمة فارق كبير بين دولة مثل المملكة العربية السعودية استهدفت بسلسلة طويلة من الهجمات الارهابية وبين نظام إيراني يظنّ ان الصفقة التي عقدها مع «الشيطان الأكبر« تسمح له بممارسة كلّ أنواع الإرهاب والقاء المسؤولية على غيره. هذه سياسات لجأ اليها كثيرون قبل إيران وسيلجأ كثيرون اليها في المستقبل، خصوصاً اذا لم يطرأ تغيير على طريقة التفكير في واشنطن. هذا التغيير في واشنطن حاصل لا محالة، لا لشيء سوى انّه لا يمكن لايّ إدارة، مهما كانت سيئة، ان تكون في سوء إدارة باراك أوباما الساقطة في الاحضان الإيرانية وفي وهم قدرة إيران على ان تكون شريكاً في الحرب على الإرهاب.

 

السابق
سائقو السيارات العمومية قطعوا مثلث كفررمان حبوش النبطية والوجهة بيروت
التالي
الفخ «السوري» واغتيال الضحية