عندما يدعو ظريف في الـ«نيويورك تايمز» لتطهير العالم من الوهابيين

كتب ليلة البارحة وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد جواد ظريف مقالا في الصحيفة الأميركية نيويورك تايمز بعنوان «لنخلص العالم من الوهابية»، إستفاض فيه بشرح خطورة بقاء النظام السعودي كما هو وما سيلحق العالم من "الوهابية"، الدين الرسمي للمملكة العربية السعودية، وإعتبر بعض المحللين أن المقالة تحمل بذور كراهية عرقية وطائفية وإستغرب البعض الاخر كيف تقوم صحيفة بوزن النيويورك تايمز بالترويج لهكذا أفكار متطرفة.

أشار ظريف في مقالته إلى مآسي البشرية الناتجة عن تحول الوهابية إلى أيديولوجية تستخدمها بعض المجموعات الإسلامية المتشددة. فبالنسبة إلى ظريف فإن بحر الدماء الغارقة فيها المنطقة سببه السعودية.

إن هذه الإتهامات من قبل وزير خارجية إيران تحتاج إلى قراءة دقيقة لأحداث الماضي. عام 2013 وعلى إثر إرتفاع حظوظ المعارضة المسلحة السورية بالسيطرة على دمشق دفع النظام الإيراني بحزب الله اللبناني للدخول إلى المعركة السورية بحجة حماية المراقد الشيعية المقدسة، وقال حينها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أنه لولا دخول حزبه إلى سوريا لكان انهار نظام الأسد.

منذ تلك الفترة وإيران تعمل على تشكيل مجموعات شيعية مسلحة، تمكنت من إستقطاب الاف المقاتلين الشيعة من مختلف الدول المنتشرين فيها. ويقود الحرس الثوري عمليات تجنيد حثيثة للأفغان والباكستانيين واللبنانيين والعراقيين واليمنيين مستخدمة وسطائها المنتشرين في تلك البلاد.

أسست إيران عدة ميلشيات أبرزها «فيلق بدر» و«جيش المهدي» و«عصائب أهل الحق» و«جيش المختار» وحركة نجباء و«لواء أبو الفضل العباس»في العراق ، وحزب الله اللبناني وحزب الله السوري، ومجموعة الحوثيين في اليمن.

وتعمل هذه الميلشيات وفق اجندات متعدة وتقوم بعملياتها العسكرية والأمنية وفق ما يحددها لهم قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني.

وفي قراءة سريعة ومبسطة لهذه الميلشيات، فإن فيلق بدر يعود تاريخ تأسيسه إلى عام 1981 على يد آل الحكيم وهي عائلة صاحبة نفوذ سياسي وديني في العراق، وإستمرت الحركة المسلحة بتلقي تدريبتها وعتادها من قبل إيران. عام 2010 إنقسمت الحركة المسلحة إلى قسمين واحدة تتبع السيد عمار الحكيم بإسم “المجلس الاعلى” أما القسم الثاني فبقي على الإسم الأساسي “فيلق بدر” ويقوده حالياً هادي العامري.

يأتي بعد فيلق بدر، «عصائب أهل الحق» التي تشكلت على يد المنشق عن جيش المهدي السيد قيس الخزعلي، وتمكن الخزعلي من تأمين المال والمعدات العسكرية اللازمة لكيانه العكسري الجديد وهو يعمل حالياً باوامر إيران مباشرة.

بعد ظهور تنظيم داعش في العراق، نشأ كيان عسكري جديد موازي للجيش العراقي يدعى “الحشد الشعبي”، ويشمل الحشد عددا كبيرا من الميلشيات الشيعية العراقية، وتبنى هذا الكيان العسكري المصبوغ بالنكهة الطائفية شعار الحرب على داعش وإستغلت بعض فصائل الحشد ذلك لفرض سيطرتها على مناطق معينة في جنوب العراق من ضمنها مدينة كربلاء.

ايران

يستمد الحشد العشبي دعمه الكامل من الحرس الثوري الإيراني، ولا يمكن إخفاء حقيقة مشاركته في الحرب على داعش في الفلوجة وبعض أطراف الموصل، إلا أن الحشد متهم وإثبتت منظمات حقوقية عالمية كمنظمة هيومن رايتس وتش ومنظمة العفو الدولية قيامه بتطهير عرقي في مدينة الفلوجة في مرحلة دحر داعش منها مطلع العام الحالي، وإتهمته هذه المنظمات بالقيام بإخفاء قسري لعدد من سكان الفلوجة بالإضافة إلى تعذيب اخرين.

يمنياً، ساهمت إيران في تقوية نفوذ جيش “أنصار الله” التابعة لعبدالملك الحوثي، وحاول الحوثيين السيطرة على اليمن عام 2014، وتمكنوا من الإستحواذ على مساحات جغرافية شاسعة من مدينة عدن، إلا أن الحوثيين لم يكتفوا بذلك، بل سعوا إلى الإنقلاب على سلطة الرئيس اليمني، وتدخلت السعودية عام 2015 بعملية عسكرية عربية موسعة ضد معاقل الحوثيين. ولليوم أثبتت عاصفة الحزم فشلها في كسر الحوثيين، ودفعهم بعيدا عن حدودها إذ أسبوعياً تتلقى السعودية عددا من الصواريخ البالستية مصدرها مواقع تلك المليشيات المدعومة من ايران، وتؤيد أميركا الاتهامات بتمويل الحوثيين بالأسلحة الثقيلة من قبل ايران.

إقرأ أيضاً: هل ستتغير إيران؟

وبالعودة للعراق، فانه خلال حقبة الإحتلال الأميركي تمتع جيش المهدي بقيادة السيد مقتدى الصدر بنفوذ قوي وبحماية وتمويل ايراني، إلا ان الصدر عمد إلى حل الجناح العسكري لحركته وأبقى على الجانب السياسي منه وذلك على اثر خلاف قوي في وجهات النظر تجاه الملف العراقي بينه وبين القيادة الإيرانية، غير أن ذلك لم يطو صفحات تاريخ ممارسات “جيش المهدي” الذي اوغل يديه بالدم العراقي وساهم بشكل مباشر في تأجيج الصراع المذهبي في العراق.

لدى هذه المجموعات العراقية الانفة الذكر سجل مملوء بالمشاركات الميدانية في الحرب السورية إلى جانب قوات  الأسد، ومن الأحداث المستجدة التي اشتركت بها هذه المجموعات؛ عملية تهجير سكان داريا من مدينتهم بعد محاولتهم المتكررة إلى جانب الجيش السوري في إقتحام المدينة حيث باءت كافة محاولاتهم بالفشل، مما إضطر النظام إلى إستخدام سياسة “القصف مقابل الإستسلام” فإستسلمت المدينة بتاريخ 23 آب 2016.

إقرأ أيضاً: «النيويورك تايمز» ساحة مبارزة بين وزيري خارجية إيران والسعودية.. فمن انتصر؟!

الجدير ذكره، في عام 2015 أصدر الكونغرس الأميركي قراراً يثبت ضلوع إيران بأحداث 11 أيلول، استند التقرير الأميركي إلى زيارات كان يقوم بها عناصر من القاعدة لإيران قبل عام 2001 وإجتماعهم مع القيادة الإيرانية، وسحبت حينها أميركا مبلغ 10 مليارات دولارات من الأصول المالية المجمدة لإيران في البنوك الأميركية كتعويضات للضحايا.

ومنذ عام 2011 تساهم إيران في تغيير الوجه الديموغرافي لسوريا والعراق وتطهير طائفي، ورغم هذا يطالب جواد ظريف بتطهير الكوكب من الوهابية.

السابق
انفجار بآلية تابعة للكتيبة الاسبانية في اليونيفل في الجنوب
التالي
هل سترد تل أبيب في الزمان والمكان المناسبين؟