أشرف ريفي: تواضَع، ليس كل ما يُعرَف يُقال

السياسة فنّ الممكن ولكنها دون أدنى شك حِرفية دراسة المراحل والحكمة في إدارة اللعبة السياسية في كل مرحلة حسب المتغيرات.

تابعتُ كما تابع كل اللبنانيين والكثير من العرب أولى المواجهات بين الوزير أشرف ريفي والرئيس سعد الحريري إثر تقديم إستقالته كوزير عدل بعد إصراره على نقل ملف تفجيرات طرابلس الى المجلس العدلي ، وقد تعاطف معه الكثيرون لحدٍّ بعيد نظراً لأحقية المطلب وصوابية وجرأة القرار ولقساوة الردّ الذي جاء فظّاً من سعد الحريري عبر التغريدة الشهيرة المنقلبة على صاحبها : ” أشرف ريفي لا يمثلني “.
التعاطف مع أشرف ريفي جاء من كل لبناني صميم يؤمن بمفهوم الدولة والمؤسسات وخاصةً من جمهور ١٤ آذار الذي ذاق الأمرّين جراء التنازلات المتكررة والمجانية لزعمائه وعلى رأسهم الرئيس ” المغيِّب نفسه ” سعد الحريري والتي صبّت جميعها في إضعاف هذا التحالف وإهتزاز الثقة بين مكوناته وخاصةً بين المستقبل والقوات ؛
ردة فعل القوات على تبنّي الحريري ترشيح الوزير سليمان فرنجية دون موافقتهم جاء محنكاً إستطاع الدكتور سمير جعجع من خلاله قلب الطاولة وتبنّي ترشيح خصمه العماد ميشال عون حاصداً بذلك عدة نقاط إيجابية أولها ختم جرح الحرب المسيحية – المسيحية بين القوات والعونيين وعقد مصالحة تاريخية بينهما بالإضافة لكشف مراوغة الكثيرين من حلفاء عون الذي يتبنون ترشيحه في العلن أما في السرّ فإنهم لا يريدون حصول الإنتخابات الرئاسية من أساسها ويخططون على ما يبدو لمؤتمر تأسيسي.
إلتقط الدكتور جعجع اللحظة السياسية والتعثُّر المفاجىء بين أشرف ريفي والحريري وفتح خطاً مستقلاً وواضحاً مع الوزير ريفي داعماً مواقفه على مختلف الأصعدة ولا سيما في نيَّته في الإنقلاب المتدحرج على الرئيس سعد الحريري لتكوين زعامة مستقلة في طرابلس جاءت أولى نتائجها النجاح الساحق في الانتخابات البلدية في طرابلس والتي شكّلت صدمة على مستوى الوضع الداخلي اللبناني.

سوء العلاقة بين ريفي والحريري
سوء العلاقة بين ريفي والحريري

بالطبع العنصر الأساسي الذي ساعد في نجاح ريفي طرابلسياً كان المزاج العام للشارع الطرابلسي الطامح لمواقف صلبة في وجه فريق السلاح. العنصر الثاني في النجاح كان الحلف العريض الذي تشكل ضد ريفي بين أخصام سياسيين ربطتهم المصلحة الآنية فقط في كسر السياسي الطموح القادم. إذا أردت إنجاح خصمك من حيث لا تدري ، عليك بإرتكاب خطأ إستضعافه ومحاصرته فتكون بذلك أديت له خدمة مجانية لأن الناس بطبيعتها لا سيما الأكثرية الصامتة تسعى عند ذلك لدعم المستضعف وهذا بالفعل ما حصل. بالطبع الدعم المبطّن للدكتور سمير جعجع شكلّ دعماً إضافياً لا أكثر.

إقرأ أيضاً: إلى اللواء أشرف ريفي: ابتعد عن مرآتك قليلاً
ما بعد معركة طرابلس البلدية ليس كما قبلها ، فقد كانت نتائجها أن كرّست ريفي زعيماً طرابلسياً جديداً. الرجل يتمتع بشجاعة لافتة وكاريزما مميزة جعلته يستغل نجاحه في طرابلس وظروف سعد الحريري المتعثرة الى حدّ ما شعبياً ومالياً ليبدأ في طرح مشروعه التوسعي ” الوطني ” كما يسميه أي على مساحة لبنان ؛ جمهور ١٤ آذار السني يحتاج زعيماً سنياً في ظل أخطاء سعد الحريري السياسية المتكررة وها قد حان قطاف اللحظة لتعزيز حلم الزعامة السنية الجديدة بدعم من أطراف داخلية وخارجية بالطبع. تدحرجَ منطق إنفلاش الريفية على حساب الحريرية من أزقة طرابلس الى مساحة لبنان لينتهي به القول اليوم بكل صراحة جارحة : ” سعد الحريري إنتهى “. أيها الزعيم الجديد ، رويداً رويداً ؛ في السياسة ليس كل ما يعرف يُقال والحنكة السياسية والحكمة الحقيقية تقتضي عليك أن لا تهاجم يساراً ويميناً ولا تجرح مشاعر أناس ربطتكَ بهم علاقة تاريخية ومعارك مشتركة ومشروع واحد ، أناس قدّموا من بيوتهم شهداء وأولهم سعد الحريري ؛ قريطم وبيت الوسط واحد. ولماذا هذا الضجيج في كل الإتجاهات ؟ حتى لو إفترضنا أن الوزير الصفدي يكره الرئيس نجيب ميقاتي ، ما الفائدة أن تتفوه أنت بذلك ؟! صبراً على نفسك ومسيرتك يا رجل.
رغم تحفظ الكثيرين على مواقف سعد الحريري السياسية ولا سيما تبني مرشح ٨ آذار للرئاسة ، لا أحد ينكر للرجل حرصه على لبنان والتنوع وخاصةً موقع الرئاسة الأولى. ربما أصبت أن الحلقة الضيقة لمستشاري الحريري لا تتمتع بالكفاءة اللازمة ولو كنت أنا مكان الرجل لنفضتها بجميع وجوهها ، فآخر محترف سياسي فذّ خسره الحريري كان الشهيد محمد شطح ، ولكن بطريقة تصويبك الجارح عليه ستُعيد له من حيث لا تدري الكثير من تعاطف جمهور ١٤ آذار.

إقرأ أيضاً: سجال الحريري -ريفي: لا يمثل الشارع الطرابلسي!
نجحت مهرجانات طرابلس وهي النسخة المماثلة لمهرجانات الأرز ، ولأن لكل زعيم او طامح للزعامة في لبنان مهرجانه المستقل وقد أصبحت موضة وتجارة مربحة لتأمين التمويل اللازم من المال النظيف ، لا تحرج أيضاً النجوم الفنية كراغب علامة بتصريحك أنه تلقى إتصالاً مباشراً من مَن إنتهى سياسياً اي سعد الحريري ليثنيه عن المشاركة في المهرجان لإفشاله ، حتى لو كان ذلك صحيحاً ؛ إحتفظ بالقليل من الأوراق المستورة وإحفظ شيء من خط الرجعة مع كل الأفرقاء ، كما مع الفنانين.
في النهاية حضرة اللواء الزعيم أشرف ريفي ، بمحبة خالصة ، قليل من الحكمة والتواضع جلّ ما تحتاجه في هذه المرحلة !

السابق
الجيش الاسرائيلي يقصف مجدداً مواقع النظام السوري
التالي
Cousin Hussain Mohammad Al-Khatib Obituary