«سواقي القلوب» لإنعام كجه جي: من قرّر أن الرجال لا يبكون؟

كتاب
في طبعة ثانية، شتاء 2016 صدرت رواية إنعام كجه جي "سواقي القلوب" (عن دار الجديد – حارة حريك – لبنان) تتحدّث عن رحلة الأياب الى العراق وما فيها من ذكريات منبعثة وشجون.

أمضيت زهرة سنوات عمري وأنا أنتظر هذا الإياب وأرسم له، على صفحة الغيب، مئات الرؤى السعيدة، دون أن تكون بينها الصورة القاتمة التي أراها الآن. إذ كيف كان لي أن أحزر أنني سأعود مقمَّطاً، لا بالغبطة كما اشتهيت، بل بأسى أسود يُثقل على القلب فيكتم أنفاسه؟

اقرأ أيضاً: الشاعرة يُسْرَى البيطار… تكادُ من المحبة تسقُطُ..

دخلت إلى الوطن، ذات ضحى نيسانيٍّ ساخن، في سيارة أجرة تنقل ثلاثة ركاب، جالساً إلى جوار سائقها، وفي المقعد الخلفي تكوَّمت كاشانية خاتون على نفسها، مثل صندوق عرس عتيق بهتت نقوشه.

ثلاثة أحياء في الداخل، وفوق رؤوسهم يقبع، على سقف السيارة، تابوت ملفوف ببطانية بالية من معامل فتَّاح باشا، بمربعات بُنيَّة وزرقاء.

حين لاحت لي، بعيداً عن يمين الطريق الصحراوي، نخلتان تصفِّق سعفاتهما مع لفح ريح غبراء، فاض أساي حتى كاد ينزُّ دمعاً من عينيَّ. تذكَّرت المرَّات القلائل التي بكيت فيها، وأطبقت جفنيَّ، ضاغطاً، عليهما بقوة، حابساً ضعفي وراءهما، وكأنني أمنع رجولتي من انفراط شائن. هذا ما تعوّدت أن أفعله في لحظات ضعفي، منذ أن كنت ولداً دون العاشرة، يوم شقَّت نساء البيت صدورهن وتعالى صراخهن وأخذتني عمَّتي إلى حجرها وخاطبتني مثل رجل صغير، قائلة إنَّ عمود بيتنا قد تهاوى.

كتاب

أيُّ قوَّاد هو ذاك الذي حكم أن الرجال لا يبكون؟

اقرأ أيضاً: «إضاءات موسيقية وفنية» لهالة نهرا

كنا قد عبرنا الحدود آتين من الرويشد، وتحوّلت عيناي إلى كاميرتين تدوران لالتقاط كل الغبار والهوام والسيارات المحطَّمة واللافتات الصدئة والصور العملاقة الملوَّثة بالوحل وأكياس النايلون المتطايرة مع الريح والشوك الكالح على جانبي الطريق، وكأنَّ القيامة قد قامت على هذا الجانب من الدنيا. ولما استقبلتني أول نقطة حدود عراقية، تذكرت زمزم الذي مرّ بهذه البقعة، من قبل، وكان يسمِّيها: جمهورية طريبيل المستقلَّة!

 

السابق
آل الأسد «عرب أقحاح.. أم رعاة صحراء؟»
التالي
بو صعب: وقف العمل بالمواضيع التي لا تناسب الفئة العمرية للمتعلم، وبالمواضيع المكرّرة