لهذه الأسباب يسلّم مطلوبو عين الحلوة أنفسهم

العشرات من المطلوبين في مخيم عين الحلوة سلّموا أنفسهم للأجهزة اللبنانية الأمنية، مشكلة المطلوبين متراكمة فهي قضية يلتبس فيها الظلم بالعدل. ثمّة تقاطعات أفضت إلى عقلانية وأمكنت حتى الآن الحديث عن اتفاق يفتح باباً للأمل.

يطرح بعض متابعي الشأن الفلسطيني في لبنان تساؤلاً حول الأسباب التي دفعت عشرات المطلوبين للسلطات القضائية والأمنية إلى تسليم أنفسهم خلال الأسبوعين الأخيرين. وعن الذي استجدّ اليوم لنشهد هذا التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية للتعامل بهدوء وعقلانية مع ملف مخيم عين الحلوة.

بدايةً لا بدّ من الإشارة أنّه منذ اتفاق الطائف يمكن القول أنّ المخيمات الفلسطينية أصبحت إلى حدٍّ بعيد مساحة أمنية عسكرية لتوجيه الرسائل ومنصة مخابراتية لم يكن الفلسطينيون إلاّ وقودها. من دون أن يكون للقيادة الفلسطينية الرسمية علاقة بها. وذلك انطلاقاً من أنّ هذه القيادة، ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، قد سلّمت بأنّ لا مشروع سياسي أو أمني للفلسطينيين في لبنان. وكان التعبير الأبرز في هذا السياق حين قال رئيس المنظمة والسلطة محمود عباس، من بيروت، في العام 2005، إنّه مستعد لتسليم أمن المخيمات إلى الدولة اللبنانية.

هذا الموقف الفلسطيني الرسمي كان يقابل برفض ليس من الدولة اللبنانية بل من الجهة الأكثر استثماراً لمنصة المخيمات، أي الأجهزة الأمنية السورية. وقبل العام 2005، حين كان يصل هذا الملفّ إلى طاولة الحكومة اللبنانية وأجهزتها، كانت الوصاية السورية تحرص على إبقاء هذه المساحة “صندوق بري”. حينها كان مخيم عين الحلوة، نظرياً، تحت سلطة منظمة التحرير، لكن عملياً كانت الأجهزة السورية تتحكم به، بحكم موقعها في لبنان وبحكم تشغيلها العديد من المجموعات الفلسطينية، من دون أن تتحمل مسؤولية أو تبعات أيّ حدث أمني في المخيم.

هذه السيرة الأمنية في إدارة الوضع الفلسطيني واستخدامه ورث حزب الله جزءاً أساسياً منها. هو الذي بات يمتلك غرف عمليات أمنية داخل المخيم يعرفها أبناؤه، وهي بالتأكيد ليست مكونة من لبنانيين، بل من فلسطينيين معروفين بصلاتهم الأمنية مع حزب الله.

عين الحلوة

وبالعودة إلى مسألة تقديم المطلوبين أنفسهم، فهي قضية موروثة أيضاً من زمن الوصاية باعتبارها كانت تنطوي على وسيلة تشغيل أمني من خلال ابتزاز الأجهزة السورية العديد من الشبان الفلسطينيين. واليوم يصنّف مسؤول فلسطيني في مخيم عين الحلوة المطلوبين داخله ضمن ثلاث فئات هي:

الأولى، فئة المتورطين بأعمال أمنية سياسية وإجرامية. وهؤلاء معظمهم من خارج النسيج الاجتماعي للمخيم. أي لجأوا إليه من طرابلس أو من مناطق لبنانية أخرى، منها صيدا، إو من إسلاميين مُلاحَقِين وجدوا في المخيم مخبأً. وهؤلاء لا تتجاوز أعدادهم العشرات.

الثانية، هي من الفلسطينيين الذين ارتكبوا مخالفات لا تندرج في إطارٍ أمني – سياسي، ولا تورطوا في جرائم جنائية أو مخالفات كبرى، وهؤلاء يقدر عددهم بنحو 250 حالة، متراكمة منذ سنوات، وربما أكثر من عقد.

الثالثة، هي فئة من لم يرتكبوا تجاوزات فعلية، وكان معظمهم ضحية تقارير أمنية وصلت إلى جهاز أمني معيّن فصار من ورد اسمه في التقرير مطلوباً للتحقيق.

إقرأ أيضاً: خفايا موجة تسليم المطلوبين في مخيم عين الحلوة!

لكن إذا أردنا معرفة كيف تحرّكت هذه القضية، المزمنة، بطريقة عقلانية، لا بدّ من ذكر ثلاثة أسباب محورية: الأوّل ظهر مع تداعيات ملفّ الشيخ أحمد الأسير. فالمعروف أنّ عشرات من أتباع الأسير لجأوا إلى المخيم بعد أحداث عبرا الشهيرة، والجزء الأكبر من هؤلاء كانوا مع الشيخ الأسير أو من المصلّين خلفه. وهم في غالبيتهم من مدينة صيدا. وقد شكّلت هذه الحالة ضغطاً من العائلات الصيداوية على تيار المستقبل، لدفعه إلى معالجة قضيتهم. الأمر الثاني هو تلمّس بعض الأجهزة الأمنية الرسمية تنامي دور غرف أمنية داخل المخيم تعمل على تفجير الوضع الأمني من زاوية التحريض بأنّ الإمارة ستعلن من قبل داعش أو اشباهها في المخيم. ودائما ما تسعى هذه الغرف للإستثمار في الأزمة السورية. وقد تلاقى حذر وقلق الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية من تفجير الوضع الأمني في المخيم مع الضغط الآتي من عائلات صيدا ومن تيار المستقبل لحلّ قضية أنصار الشيخ الأسير. هذا التلاقي تقاطع مع مناخ عام في المخيم، وضاغط على كل الفصائل، يرفض دفع أيّ فاتورة أمنية، ليس للفلسطينيين أيّ مصلحة فيها وهم سيكونون وقودها.

يضيف المسؤول الفلسطيني أنّ عنصراً إضافياً لعب دوراً في بلورة توجّه عقلاني من الجميع لحلّ هذه المشكلة، هو أنّ حركتي فتح وحماس باتتا حاسمتين في رفض التفجير. كلّ له أسبابه لكنها تقاطعت، في هذه المرحلة وبشكل واضح وحاسم، مع موقف عصبة الأنصار التي باتت شديدة الحذر من تحوّلها إلى هدف استراتيجي خلال أيّ مواجهة تفجّرها مجموعات إسلامية أصولية في المخيم.

إقرأ أيضاً: عين الحلوة.. مزيد من المطلوبين يسلمون أنفسهم

الحسبة المباشرة لكل الأطراف الفلسطينية والصيداوية، إلى جانب أجهزة الدولة، تطلّبت هذه اللحظة العقلانية، وهي تسليم المطلوبين أنفسهم مع وعود بإجراء محاكمات سريعة، من دون تأخير، وعدم تعرض الذين يسلّمون أنفسهم إلى عمليات تعذيب، وإعطاء فسحة أمل لهم، مع استعداد لأن يقضوا مدة محكومياتهم وألا يبقوا سنوات بانتظار المحاكمات.

السابق
لعيون باسيل«حرب» خارج قداس القوات
التالي
بالفيديو: باللغة العربية رحبّ أردوغان بالأمير محمد بن سلمان