الأميركيون مترددون في سوريا

هاني فحص

بعدما استكمل النظام البعثي الصدامي احتلاله العراق، احتل الكويت، مستفيداً من غضّ الطرف الأميركي، الذي عبّرت عنه سفيرة واشنطن إبريل غلاسبي بصمتها العميق والبليغ، عندما كاشفها صدام بنيّته احتلال الكويت. فهو حرّك قطعاته العسكرية بعد ذلك مباشرة إلى حدود الكويت، وقام باختبار لمدلول صمت السفيرة. وعندما تمهّل ليرى ردّ الفعل الأميركي، وصمتت واسنطن، أكمل طريقه. وعندما قررت الولايات المتحدة إنهاء هذا الاحتلال، استدعت العرب جيران العراق إلى مأدبة الحرب، فشارك كثيرون كما هو معروف، وفي طليعتهم سوريا حافظ الأسد، والبعث العربي الاشتراكي، مع أميركا وضد جيش صدام البعثي العربي الاشتراكي العقائدي، تماماً كالجيش السوري الذي احتل لبنان بقرار النظام ولصالحه، وضد مصالح سوريا، وسُمي ذلك تحرير للكويت!

اقرأ أيضاً: هاني فحص يكشف تفاصيل العلاقة المعقدة والمركبة بين الخميني والصدر

وعندما تم إسقاط النظام العراقي بالقوات الأميركية التي انطلقت من القواعد العربية، مع قبول عربي وصمت سوري عميق ورضى إيراني أعمى، كالرضى الإيراني على احتلال أفغانستان، ليعود البعث السوري فيُسمي ذلك غزواً، وقرر محاربته بمجموعات إرهابية، لم تقتل أميركياً واحداً وقتلت عشرات الآلاف من كل الطوائف والقوميات.

حافظ بشار الاسد
وبلغت مشاركة النظام السوري في الإرهاب العراقي أكثر من 70%، بناء على وثائق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وعلناً.
ونحن نصرُّ على أن الدخول الأميركي إلى العراق، كان احتلالاً، ما لبث أن تحوّل إلى تحرير، ولو نسبي قابل للزيادة بفعل العملية السياسية العراقية المتواصلة. وفي جو من التفاهم الأميركي – الإيراني على اعتراف كل من الطرفين بمصالح الآخر في العراق، فإننا نلاحظ البطء والتردد الأميركي في المشاركة في حسم المعركة في سوريا، بما تقتضي من قوة يمكن اعتبار الحظر الجوي كافياً فيها وغير مكلف.
وعلى الرغم من التدخل الروسي المكشوف، ولمدة طويلة، وتمادي النظام في القصف والتدمير – وكأن ذلك مطلوب ومرغوب من كثير ممن يناصرون الثورة بالكلام اليومي فقط – فإن الأفظع من ذلك كله هو أن النظام السوري وحليفه الإيراني، وأنصارهما هنا وهناك، يريدون أن يقنعونا بأن الثورة في سوريا، ليس سوى مؤامرة خارجية من دون أسباب داخلية.
وكأن الشعب السوري المشهور بوطنيته أكثر من غيره، قد تحول إلى شعب عميل بكامله!

اقرأ أيضاً: دمشق والدمشقيون

وإذا كنا فرحين بزوال الطاغية ونظامه في ليبيا، فإننا لن ننسى مطالبة الشعب الليبي المقهور والمحروم من ثرواته وكرامته بالتدخل الأطلسي، الذي أدى دوره وخرج، وأن جماهير مصر وتونس طالبت بحماية دولية ضد النظامين، صديقي واشنطن!
مع رجائنا أن تتمكن كل من مصر وتونس من تحقيق السيادة بواقعية تقيهما من المخاطرة ومن التبعية، فإننا نعجب من السلوك الأميركي الذي شكّل غطاء لروسيا التي اعتادت على الانحياز للأنظمة الفاسدة ضد الشعوب الكادحة! ونتساءل: لماذا يكون التدخل هنا وطنياً وهناك عمالة؟ ويكون إنهاء الاحتلال من الشقيق تحذيراً وإنهاء الاحتلال الوطني خيانة؟ وهل استقواء الأنظمة بالخارج الأميركي أو الروسي أو الإيراني هو الوطنية؟ وطلب الشعوب لنجدتها ضد مستبديها هو المؤامرة؟ إنه سؤال مطروح…

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
بالفيديو: قاتل «وسام بليق» حرّ ويلهو.. وبشرى الخليل تُرافع في قضيته
التالي
مكتب ريفي: مغالطات في تقرير تلفزيوني عن القرار الظني بتفجير المسجدين