عملية درع الفرات.. الخلفيات الدلالات والتداعيات

درع الفرات

على نحو شبه مفاجىء قررت تركيا التحرك والتدخل العسكري فى سورية، وفي مدينة جرابلس تحديداً آخر وأهم معاقل داعش شمال حلب وقرب الحدود المشتركة بين البلدين.

اقرأ أيضاً: كيف تنتصر إيران؟

القرار التركي شبه مفاجىء لأن أنقرة فكرت دوماً في التدخل، ولكن بشروطها ومصالحها وليس وفق شروط ومصالح الآخرين، وعندما باتت البيئة المحلية الإقليمية والدولية جاهزة للتدخل حصلت العملية التي ما زلنا نعيش مراحلها الأولى، وهي مفتوحة على آفاق واسعة في الحجم الجغرافيا والزمن أيضاً.

فكرت تركيا دائماً في التدخل العسكرى بسورية، وهي أبدت استعدادها طوال الوقت لإرسال جيشها الجرار حسب التعبير الشهير للرئيس الأمريكى باراك أوباما لقتال داعش وإرهابيي بي كا كا السوري PYD – ومنع النظام من الاستفادة السياسية أو العسكرية، كما دعم الجيش الحر باعتباره رأس الحربة والقوة الأبرز في مواجهة داعش والأسد، وطبعاً من أجل إقامة منطقة آمنة للاجئين، وإيصال المساعدات الإنسانية لهم، حيث هم، ومنع تدفقهم على الأراضي التركية، وزيادة الأعباء على تركيا، وحتى وصولهم إلى أوروبا فيما بعد.
فكرت تركيا منذ عام تقريباً وتحديدا فى حزيران يونيو الماضى في القيام بالعملية وتحرير جرابلس وفى السياق السيطرة على منطقة ممتدة بطول 90 كم تقريباً، وعمق 40 إلى 50 كلم، ولكن حالت آنذاك ثلاث أسباب دون ذلك وهى تحفظ الجيش التركي على تنفيذ العملية دون دعم إقليمى ودولى من قبل الأمم المتحدة أو أمريكا والناتو وفى الحد الأدنى التحالف الدولى لمحاربة داعش ، والبرود وعدم الحماس الأمريكي للعملية وعدم استعداد واشنطن لدعمها اوتغطيتها سياسياً وعسكرياً جوياً تحديداً، ثم جاءت حادثة إسقاط الطائرة الروسية فى تشرين ثانى نوفمبر الماضى والتوتر الحاد وحتى شبه القطيعة مع موسكو لتقضي على أي فرصة في تنفيذها.

اليوم اختلفت الظروف، وبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة أصبحت الأجواء أفضل داخل الجيش التركي الذي بات أكثر خضوعاً للسلطة السياسية، لكن الأهم من ذلك كان تصاعد عمليات داعش وسعي التنظيم لخلق فتنة، وحتى حرب أهلية في الداخل التركي، كما مواصلة إطلاقه الصواريخ على المدن والبلدات التركية المحاذية للحدود مع سورية.

أمريكا من جهتها وبعد الانقلاب تحاول إرضاء تركيا وتهدئتها، كما أنها تعي أن أنقرة جادة في منع بي كا كا السوري من التوغل، وإقامة كيان كردي غرب الفرات، والأهم أنه أي PYD لن يستطيع المضي في قتال داعش في مساحة كبيرة وممتدة، دون عون من تركيا والجيش الحرّ، كما أن قدرته على القتال وصلت مداها ومن الأفضل أن يظل مرتكزاً شرق الفرات تحديداً لمناوشة واستنزاف داعش في مناطق أخرى مثل الرقة.
إلى ذلك يجب الانتباه إلى رغبة الرئيس أوباما فى تحقيق انتصار كبير وحتى حاسم ضد داعش وهو ما لا يمكن تحقيقه دون مساعدة جدية من تركيا وجيشها الجرار ما يقتضي بالضرورة الوصول إلى تفاهم أو حل وسط فيما يتعلق بشروطها أو تصوراتها لكيفية إدارة حرب ناجحة ضد التنظيم.

عملية "درع الفرات"
عملية “درع الفرات”

إضافة إلى المعطيات السابقة فقد تحسنت الأجواء مع روسيا، وتطورت العلاقات بناء على المصالح الثنائية المشتركة، كما حصل تفهم أكثر للمواقف مع تنظيم الخلافات السياسية حول القضية السورية، واستيعاب موسكو لحساسية أنقرة تجاه تنظيم بي كا كا السوري، خاصة أن الدعم الأمني واللوجستي الأهم للجناح السوري لحزب العمال يأتي من واشنطن وليس من روسيا التى تفهم أيضاً أن من المستحيل هزيمة داعش دون انخراط جدى من قبل تركيا وطبعا مراعاة مصالحها.
العلاقات باتت أفضل كذلك مع طهران أيضاً التي تبدو حساسة كما انقرة تجاه الرغبات الانفصالية للأكراد فى سورية خشية أن تنقل العدوى إلى أكرادها أيضاً.

ببساطة باتت الظروف مهيأة لتنفيذ العملية، والتدخل العسكرى وفق الشروط المعلنة والمعروفة لانقرة لكيفية وطرق ادارة معركة ناجهة فى محاربة الإرهاب دون استثناء.
فيما يتعلق باهداف العملية فأول أهدافها تمثل بالدفاع عن الأمن والاستقرار في تركيا، ومنع داعش من تهديد السلم الأهلي والمجتمعي في البلاد، إن عبر إطلاق الصواريخ أو حتى العمليات التفجيرية بمهاجته وضربه في معقله مع تشديد الإجراءات على الحدود خاصة مع التعاون الأمنى الغربي الجدّي بعد التفجيرات والعمليات الأخيرة في باريس وبروكسل.

ثاني الأهداف يتمثل بمنع إقامة كيان كردي ممتد ومتواصل على طول الحدود لا يؤدي إلى زيادة غطرسة واشتداد النزعة الانفصالية لدى بي كا كا التركي فقط ، وإنما إلى عزل تركيا عن محيطها العربي الإسلامي. فى الشرق وهو ما لم يحدث منذ ألف عام تقريباً.
ثالث الاهداف كان دعم الجيش الحرّ، وإعادة تكريسه كقوة هامة ومركزية على الأرض بل وتقديمه على أنه الأفضل والأقدر على مواجهة داعش، وكافة التنظيمات الإرهابية، كما تحسين موازين القوى على الأرض في مواجهة النظام أيضاً.

محصلة الاهداف الثلاثة تصب فى صالح إقامة منطقة آمنة ولو بشكل غير معلن على الحدود داخل الاراضى السورية، لن يجرؤ النظام وطبعاً لا تفكر روسيا اصلا في مهاجمتها مع حماية جوية أمريكية وتركية أيضاً، وستكون ايضا منطقة آمنة للاجئين، سيتم إيواءهم وإيصال المساعدات إليهم بسلاسىة وطبعاً ستكون منطقة آمنة للمعارضة سياسيا وعسكريا، أيضاً وستمثل قاعدة آمنة للجيش الحرّ للتدريب والاستعداد واوالمشاركة عند الحاجة في المعارك لمساعدة ودعم رفاقهم في حلب، وغير حلب أيضاً.

العملية ما زالت في بدايتها، وهي ستغطي المنطقة المتددة على طول الحدود بين نهر الفرات شرقا وعفرين غربا، وستمتد في الداخل بعمق 40 كلم تقريباً، وسيتم تنظيفها من الدواعش على اختلاف مسمياتهم ، وحسب صحيفة حريات –الخميس 25 اب اغسطس- فقد شارك فيها حتى الآن 450 جندي تركي، وأن العدد مرشح للازدياد ليصل إلى 15 ألف تقريباً. وهذا سيقوي بالتاكيد الجيش الحرّ عدة وعتاد، ويمنع كسر المعارضة المسلحة في شمال حلب، وفي ريف اللاذقية أيضاً، وسيطوي فكرة إعادة احتلال النظام لحلب أو الوصول للحدود التركية أو تدفق نصف مليون لاجىء سورى إلى تركيا.
أمر مهم جداً في آفاق العملية يتعلق بمعركة تحرير الرقة من داعش وبعد جس النبض اتضح أن لا بي كا كا السوري، ولا النظام قادران على دحر وهزيمة داعش فيها، وأن فقط جيش جرار قوي مدرّب ومجهز ومستعد مثل الجيش التركي قادر على سحق التنظيم، ولكن أنقرة لن تفعل ذلك طبعاً إلا بشروطها أو مصالحها المعلنة والمتطابقة تقريباً مع مصالح الثورة السورية، وتتمثل بعدم مشاركة جماعة صالح مسلم، وعدم استفادة النظام وعلى أن يقود الجيش الحر المعارك، ثم يتولى إدارة المنطقة بعد تحريرها كما حدث في جرابلس وسيحصل في الباب ومنبج.

سياسياً، وإضافة إلى التداعيات والمعطيات السابقة، لن يكون تأثير فوري على عملية الانتقال السياسي بمعنى أن التريبات الميدانية ستأخذ وقتها-أسابيع وربما شهور حتى- حتى يتم الانتهاء منها وبلورة الواقع الجديد في جرابلس ومحيطها، وفي غرب الفرات عموماً، وعموما فقد جرى الحفاظ على وحدة التراب السوري، وكسر فكرة التقسيم أو الفدرالية، وتم الحفاظ على الجيش الحرّ كلاعب أساسي مركزي لا غنى حتى مع فصائل ومجموعات إسلامية، ولكن ليست متطرفة والانتقال السياسي سينتظر اللحظة أو البيئة المناسبة، وهي غير متوفرة الان ، ولكن سيتم الحفاظ عليها وإبقائها حاضرة على جدول الأعمال.

فى الاخير وباختصار هيأت انقرة البيئة المناسبة للعملية سياسيا دبلوماسياً ميدانياً وعسكرياً، ودافعت عن مصالح هى متطابقة تقريباً مع مصالح الشعب السوري المنتفض والثائر، وتم تكريس تركيا كلاعب مهم ومركزي في القضية السورية لا غنى عنه، كونه وحده القادر حسب نموذج جرابلس على مواجهة داعش التي لا يمكن هزيمتها ودحرها نهائياً بدون جيش بري جرار، وتم كسر أو نقض فكرة أن النظام قادر على ذلك ، ولكن تركيا لن تقاتل داعش أو تستخدم جيشها الجرار إلا وفق شروطها المعلنة، والأهم طبعاً إطلاق عملية انتقال سياسي ترضي الشعب السوري وطموحه، وتنقله نحو المستقبل الذي ثار من أجله، ويتمثل دولة مدنية ديموقراطية مستقرى وامنة لكل مواطنيها يتم حكمها وفق أساس وطنى جامع لا طائفي، ولا مكان فيها لمن ارتكب جرائم الحرب وضد الانسانية، وقتل 60000 ألف سوري وشرّد الملايين فقط كي يبقى في السلطة.

(اورينت نت)

السابق
تفجير يستهدف زوار الامام الجواد بمدينة الصدر
التالي
نانسي لا تفصح عن طولها!