الحراك المدني في ذكراه الأولى: تراجع ولم يفشل بعد

الحراك المدني لبنان
كل المؤشرات تدل على فشل الحراك الذي إنطلق العام الماضي، فلا إنجازات تذكر للمطالب التي خرج من اجلها المواطنون اللبنانيون إلى الشارع ولكن على رغم محاولة البعض تعميم فشل الحراك، إلا ان نجاحات سجلت لا سيما في الميدان البلدي وعلى مستوى التحركات المطلبية،

حمل الحراك اللبناني عدة ملفات إلى الضوء وألقى البعض أسباب تراجع إقبال الناس على التحركات المطلبية على الاداء المراهق لقيادات الحراك خصوصاً بعد إنجرارهم وإندفاعهم العفوي لتوسيع دائرة المطالب مما ادى إلى إنحراف البوصلة عن الأزمات الحياتية.
ففي ذروة تحركه،اخذ الحراك في قتح ملفات الفساد الإداري والسياسي واللامحاسبة المستشرية داخل مؤسسات الدولة اللبنانية بالإضافة إلى المحاصصة بين زعماء الطوائف على ملف النفايات والكهرباء والماء.
بالمقابل أصرت الدولة اللبنانية في معاملتها الدونية والتهميشية بحق المواطن اللبناني، وتمكنت الدولة بالإلتفاف على الحراك والتوحد ضده حين شعرت أن الحراك سوف يأخذ الامور إلى تهديد حقيقي يشمل كافة أطياف الطبقة الطائفية المتشبثة بالسلطة منذ عقود وبالحكم والرافضة لأي محاولة تطوير وتغيير.

اقرأ ايضًا: هل انتهى الحراك المدني واين اصبحت شعاراته؟
وتفاعل اللبنانيون الناقمون ضدّ هذا النموذج في الحكم المتوارثة هياكله منذ ما قبل حقبة الحرب الاهلية، وقام بعضهم بتنظيم وقفات إحتجاجية وإعتصامات عفوية أمام مؤسسات وإدارات الدولة.
من جهتها إستخدمت السلطة العنف اللفظي والجسدي وجرى محاكمة عدة ناشطين بتهم تهديد النظام، وتم توثيق أكثر من حالة لصدام مباشر بين القوى الأمنية والمتظاهرين، وإستطاعت السلطة اللبنانية تجييش بعض الصحف والمحطات التلفزيونية لصالحها مما قسم الإعلام بين مؤيد للحراك وناقد  له. ولم يتوان الكثير من الإعلاميين والصحافيين والناشطين من مساندة السلطة في تشويهها لصورة المتظاهرين.
في المقابل حمل كثير من المثقفين اللبنانيين راية المعارضة محولين “السوشيل ميديا” إلى حلبة من التجاذبات في المواقف والآراء، وكان لوزير الداخلية نهاد المشنوق الحصة الاكبر من لإنتقادات بسبب إستراتيجية الاجهزة الامنية في الرد على التظاهرات وهو ما إضطر الوزير إلى الإعلان عن إستعداده لمحاكمة كل من يحاول التعرض لشخصه.
وخرجت الإنتخابات البلدية كالصفعة على وجه النظام اللبناني، إذ تحدثت الأرقام الرسمية عن إقبال متدن من قبل اللبنانيين على الإنتخابات بنسبة 30%، كما وتمكنت لوائح المستقلين من مواجهة  لوائح احزاب السلطة وأثبتت نفسها، فنافستها في بعلبك والبقاع والجنوب وبيروت وعكار وطرابلس.
ففي طرابلس تمكن اللواء أشرف ريفي من التقدم على لائحة تيار المستقبل. وإستغل ريفي ثغرة تهميش أبناء طرابلس على يد زعامات المنطقة وتدهور الوضع الإجتماعي للحاضنة السنية وحقق إختراقاً إعتبره البعض كناقوس خطر قرع في دار الزعامة الحريرية.
أما الاحزاب الشيعية فإنصاعت إلى الخيارات المدنية لأبناء الطائفة الشيعية امام إنكشاف واقع جديد سيهدد قوتها في المستقبل. وذلك بعد إقدام أكثر من لائحة مستقلة على خوض معارك إنتخابية إتضح لاحقاً أنها الاشرس منذ تسلم حركة امل وحزب الله زمام أمور الطائفة الشيعية، فتمكن بعضها من احداث اعتصام حراك المدنيخروقات جسيمة في بلديات عدة، اضطر على اثرها الحزب والحركة في كثير من البلدات للتدخل مباشرة وأحيانا بفوة سلطة الامر الواقع، من أجل السيطرة على الأمور، كما حدث في بلدية جويا التي نقلت صناديقها الى سرايا صور بشكل مفاجىء وبالقوة  منتصف ليلة الانتخابات وبعد تقدم لائحة الأهالي المنافسة، لتعلن النتيجة بعد أيام لمصلحة الثنائية الشيعية.

أما في بيروت فحصدت لائحة “بيروت مدينتي” التي تضم بعض قيادات الحراك المدني أكثر من 33 ألف صوت بوجه لائحة “البيارتة” المدعومة من سعد الدين الحريري.
وأثارت المجموعات المدنية قضايا عدة أمام الرأي العام اللبناني، كان أخرها ما عرضته حملة طلعت ريحتكم على صفحتها الخاصة لشريط مصور يبرز إعترافات رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان بأن التمديد لمجلس النواب غير شرعي، وقد حصل التمديد بضغط من قبل النواب الممدد لهم على أعضاء المجلس الدستوري كي يرفضوا الطعن المقدم بالتمديد. كذلك، بقيت لهجة مجموعة بدنا نحاسب هجومية وتصعيدية وسجلت في أكثر من مرحلة إنتصارات لا بأس بها على الدولة في قضية فضائح الميكانيك والمخالفات القانونية.
ورغم تراجع الحراك على ارض الواقع إلا أنه حافظ على زخمه في العالم الإفتراضي ويقي يمارس الضغط على احزاب السلطة والرأي العام اللبناني عبر موجات الإستهزاء والسخرية والنقد التي يشعلها الناشطون اللبنانيون بين الحين والاخر ضد المشككين بمصداقية وأهداف المتظاهرين من جهة وضد زعماء الأحزاب والمحازبين، خصوصا ان الملفات السياسية والإجتماعية والإقتصادية الراهنة التي يزداد تأزمها على أرض الواقع يوماً بعد يوم تفرض مستجدات ضاغطة يمكن ان تتحوّل لحوافز حراك جديد بسهولة.

اقرأ ايضًا: هل سيبقى الحراك المدني مطلبيا وينجو من الممانعين والفاسدين؟
ليلة الامس قامت مراسلة قناة الـMTV نوال بري بنعت المتظاهرين بالزعران بعد قيامهم بالهتاف ضد رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو ما إستفز نوال بري برد فعل غير مهني، فوصفت المتظاهرين بالزعران وقطعت البث.
وفي الأمس نشر الناشط في طلعت ريحتكم أسعد ذبيان منشورا على صفحته في الفيسبوك قال فيه «الأمل الوحيد بذكرى الحراك انتجته مراسلة حركة أمل في كوكب الـ أم تي في».
وفي إتصال اجراه موقع جنوبية مع الصحافي والناشط السياسي حسان الزين رأى «أنه يوجد إحتمالات لإنطلاق الحراك مجدداً، خصوصاً امام مشهد إحتكار السلطة من قبل مجموعة سياسية معينة ولكن مستبعدا حصول شيء جدي في الوقت الحالي.»
وأضاف الزين «من الضروري تشكيل مجموعات سياسية جديدة لإستمرار الحراك. كما وان الشرط الأساسي لاي حراك جديد هو أن يكون واضحاً في خطابه السياسي وواعيا لأهدافه وخطواته. لقد جرب اللبنانيون الحراك العفوي وفشل، وبالتالي إن أي محاولة لإقناع البعض بالمشاركة في التحركات المطلبية الجديدة يجب ان يتم من خلال رؤية واعية وواضحة للمراحلة وللمخاطر التي قد يواجهها الحراك.»

السابق
حمّى «حماة الديار»… تجتاح الاستقرار في لبنان
التالي
الطاشناق يصعّد ضدّ مطمر برج حمود..وشهيب يلوح بعودة النفايات الى الشارع