عقدة الأقليات في إيران: عرقية لا دينية ( 1)

الاقليات في ايران
رغم مرور حوالي الشهر على إعدام الجمهورية الإسلامية 20 مواطنا من الطائفة السنية بتهمة الارتباط بتنظيم "التوحيد والجهاد" الإرهابي حسب التصنيف الإيراني، والأحداث الدموية التي شهدتها المناطق ذات الغالبية الكردية، مسبوقة بحملات الاعتقال والإعدام، التي لا تغيب عن المدن العربية، إلا أن رياح الغضب في المناطق التي تقطنها الأقليات في إيران سواء الدينية منها أو العرقية، لم تعرف الهدوء بعد، ولن تعرفه أبدا.

فالأقليات العرقية والدينية المنتشرة على طول الجمهورية الإسلامية وعرضها، ما زالت رغم انتصار “ثورة المستضعفين” منذ عقود، تعيش التهميش ذاته الذي عاشته في العهود الملكية البائدة، ولم تستطع الثورة العظيمة، التي رفعت شعار “إيران للجميع وليست للأسرة البهلوية فقط”، أو ربما لا تريد، أن تحد من سطوة العرق الفارسي، على تفاصيل حيوات هذه الأقليات، الثقافية والاجتماعية والحضارية.

اقرأ أيضاً: ايران: القوة الاقليمية لا تصنع امبراطورية

بالنظر إلى الخارطة العرقية والقومية في إيران، يتفوق العرق الفارسي عدديا، على ما عداه من أعراق تعيش على التراب الوطني، بنسبة مبالغ فيها في أكثر الأحيان، تصل إلى 49%، يليه العرق التركي الآذري على الحدود مع جمهورية آذربيجان (ينتمي إليه مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي) بنسبة 24%، إضافة إلى أقليات كردية في مناطق مختلفة من إيران، تشكل كردستان- إيران، وهي “مقتطعة من جسد الوطن الكردي” بحسب الرواية الكردية، عربية في مدينتي الأحواز وعبادان مطعمة بأقلية بختيارية، في محافظة خوزستان، على الحدود مع العراق، وفي مدن محافظة هرمزكان مقابل الخليج، وجيلاكية في محافظة مازندران على ضفاف بحر الخزر أو قزوين، واللر (منهم زعيم المعارضة المعتقل مهدي كروبي)، البلوش في سيستان بلوشستان على الحدود مع باكستان وأفغانستان، التركمان الذين هم امتداد لقومية جمهورية تركمنستان، وأقليات كثيرة أخرى، إضافة إلى أقليات دينية مثل” اليهود، المسيحيين، الزرادشتيين، والديانة البهائية السرية المحظورة، وبعض الصابئة (عراقيو الأصل).

خريطة ايران

كل هذه الأقليات وغيرها، عانت وما زالت تعاني، بمستويات متفاوتة، من سلوكيات الحكومة المركزية في طهران. وعوضاً أن تستجيب طهران لتطلعات هذه الأقليات، التي لا تتعدى الحقوق الإنسانية العادية مثل: حق التعلم باللغة القومية الخاصة، حق تشكيل أحزاب قومية، حق إقامة الأعياد والمناسبات القومية، حق الاستفادة من الثروات الوطنية الموجودة على أراضيها، كحق العرب في الاستفادة من التوظيف في شركات البترول، كون هذه الثروة موجودة في مناطقهم، حق التمثل في مؤسسات الدولة على أساس معيار الكفاءة وليس القومية أو المذهب، مثلا لا يحق للإيراني أن يترشح لرئاسة الجمهورية إلا إذا كان فارسيا شيعيا، وغيرها من الأمور والتفاصيل التي لا تنتهي، تجدها تصنف كل اعتراض أو مطالبة مشروعة في خانة الإرهاب والتآمر على الثورة والجمهورية، فتحجم بذلك أو تؤطر كل أطروحة تقدمها أقلية ما، ولا يخرج ردها من دائرة التضييق على المطالبين، ومطاردتهم واعتقالهم وصولا إلى إعدامهم، بذريعة الخيانة أو العمالة أو تجارة المخدرات أو حتى التهم الأخلاقية، وفي حالات الرخاء السياسي، تتبع أسلوبا فوقيا، ينظر إلى هذه الكيانات بعين الازدراء والتجاهل، وفي الحالين، تتناسى طهران، أنها تجلس فوق فوهة بركان، فكل الأقليات الموجودة على الأراضي الإيرانية، هي بعيدة جدا عن المدن المركزية، وتقطن في المناطق الحدودية، ولكل منها امتداداتها الإقليمية، التي تشمل العرق واللغة والدين والتاريخ والجغرافيا، ويمكن أن يدفعها انشغال السلطة المركزية عنها إلى الارتماء أو الاحتماء في أحضان من يشبهها، فتتحول بذلك إلى بؤر قابلة للانفجار في أي لحظة.

المشهد التعددي البديع، الذي يميز الطيف الوطني الإيراني، لو قدر له أن يقع بين يدي حائك ذكي، لصنع من خيوطه وألوانه، أكثر “سجادة عجمية” تناسقا وانسجاما، عوض أن يبقى مجموعة من القطب النافرة والعقد المستعصية على الحل.

عقد التفوق الفارسي اتجاه الأقليات، التي تحتضنها بلاد فارس، لكل منها تقريبا جذوره التاريخية أو الجغرافية أو الحضارية.

العقدة اتجاه الأتراك الآذريين، سببها العائلة القاجارية التركية التي حكمت إيران حتى عشرينيات القرن الماضي، أي حتى سيطرة الأسرة البهلوية الفارسية على الحكم، بين الفرس والأتراك الآذريين، لا يوجد عقدة دينية كلاهما ينتمي إلى المذهب الشيعي الاثني عشري، إنما يوجد عقدة قومية، فالقومية التركية أقلية نسبة إلى القومية الفارسية، وعقدة أخرى ثقافية ترتبط باللغة، فقد ظلت اللغة التركية طيلة الحكم القاجاري هي اللغة الرسمية للبلاد رغم أن المتحدثين بالفارسية يفوقون المتحدثين بالتركية عددا، لهذه الأسباب وغيرها يتملك الآذريين اليوم، نزعة انفصالية، ويحلمون بالالتحاق بجمهورية آذربيجان الشرقية.

اقرأ أيضاً: «الاقليات» سلاح ضد الاقليات

بين الفرس والعرب، عقدة حضارية، العرب الإيرانيون أغلبهم من الشيعة الاثني عشريين، هنا يلتغي العامل الديني، لكن جذور العقدة تعود إلى زمن ما يسميه العرب “أيام الفتح الإسلامي”، الذي قضى على الإمبراطورية الفارسية، التي كانت تسيطر على المنطقة، وعبث بالثقافة القومية الفارسية، خصوصا اللغة، التي اجتاحتها المفردات العربية، فكادت تفقد هويتها، وقد تنبه شاعر إيران القومي “الفردوسي”، إلى أن اللغة الفارسية تكاد تذوب في اللغة العربية وتختفي خصوصياتها، فألف “الشاهنامه” ليستعيد في الوقت ذاته أمجاد الإمبراطورية الغابرة والنفس القومي الفارسي وكذلك مفردات اللغة الأصلية، إلا أنه أخفق في الأخيرة، فباعتراف الإيرانيين أنفسهم أن أكثر من خمسين بالمئة من مفردات “الشاهنامة” هي مفردات عربية.

 

السابق
فتفت: حزب الله لم يكن يوما حزبا حواريا
التالي
مفاجآت نادين نجيم الثلاث… ما هي؟