انتهاكات جنسية واستعصاء بفرع الأمن العسكري يروي تفاصيلها معتقل نجا بأعجوبة

سجون السورية

يعتبر فرع الأمن العسكري بدمشق والمعروف باسم “فرع 215″ من أكثر الفروع الأمنية في سورية عنفاً ضد المتظاهرين، ووصف ما يجري في هذا الفرع من قبل منظمات حقوقية بـ”هولوكوست سورية”، نظراً لكثرة عدد المعتقلين المتوفين جراء التعذيب، ولغياب معرفة مصير آلاف المعتقلين فيه.

المعتقل عمر أحمد الشغري واحد من المعتقلين الناجين من أهوال فرع الـ”215″ يروي في الجزء الثالث من شهادته لـ”السورية نت” ما رآه من انتهاكات مروعة بحق المعتقلين داخل الفرع، وكان قد تحدث في الجزء الثاني الذي نشر أول أمس عن التصفيات التي يتعرض لها المعتقلون عبر إبر الهواء، والضرب حتى الموت، بالإضافة إلى طرق تعذيب أخرى.

ترقيم الجثث

بعد مضي أشهر على وجود عمر (الظاهر يسار النص) في زنزانته تحت الأرض بفرع الأمن العسكري، طلب منه الطبيب إبراهيم القاضي مساعدته في ترقيم جثث المعتقلين المتوفين تحت التعذيب، وهو ما فسح المجال أمام عمر ليكون شاهداً على مأساة عرف بعضها العالم من خلال الصور التي سربها “قيصر” أو “سيزار” ووصل عددها إلى 55 ألف صورة.

يقول عمر: “كنا نكتب أرقام الجثث، وبجانبها رقم الفرع 215، بالإضافة إلى رقم آخر على كتف المعتقل لم أفهم ما المقصود منه، عندما كنت أرقم، كان الرقم قد وصل إلى 8 آلاف جثة، هذا فقط في الطابق الأرضي”.

ولسبب لا يعلمه عمر تغيرت فيما بعد آلية الترقيم، وبدلاً من أن تصل أرقام المعتقلين إلى ما يزيد عن 8 آلاف، صار الترقيم يبدأ من العدد 7 آلاف. ويشير عمر “أنهم كانوا يضعون الأرقام في البداية على جباه المعتقلين، لكن نتيجة انقطاع بعض الطرق إلى المقابر تبقى الجثث 4 أيام، ما يؤدي إلى تفسخها وذهاب الأرقام عنها، وهو ما دفع إدارة السجن إلى الترقيم باستخدام اللصاقات وعليها يكتب الرقم”.

الاعتداءات الجنسية

لا تخلو الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون في فرع الأمن العسكري بدمشق من اعتداءات جنسية للرجال والنساء، وهو جانب من الانتهاكات يبقى طي الكتمان عند الكثير من المعتقلين الذين يتعرضون لها، نظراً لحساسية الأمر، والخوف من العواقب الاجتماعية في حال التفوه بالتعرض للاغتصاب أو التحرش الجنسي.

إقرأ ايضاً: الصندوق الأسود لفرع الأمن العسكري وسجن صيدنايا يفتحه معتقل سوري بشهادات مروعة

يذكر عمر في شهادته حالات لمعتقلين صغار في السن 17 – 18 عاماً تعرضوا للاعتداءات الجنسية من قبل المحقيين، ويقول: “كان المحقق يختار معتقلين صغار في السن وأشكالهم جميلة، يطلب منهم في البداية العمل في مكتبه (كأعمال التنظيف) ثم بعد مرور 3 أو 4 أيام يتعرض المعتقل للاعتداء الجنسي من قبل المحقق”.

ويضيف عمر أن العديد من المعتقلين الذين عرفهم في المعتقل تعرضوا لاعتداءات جنسية من قبل المحققين، ويشير أن الأثر النفسي لهؤلاء سيء جداً، “فبعضهم يصاب بالصمت لفترات طويلة”، حسب قوله.

انتهاكات بحق النساء

الجانب الأكثر إيلاماً في فرع الأمن العسكري هو تعرض النساء المعتقلات للاعتداء الجنسي، بدءاً من تعرضها للتفتيش، انتهاءاً باغتصابها أثناء التحقيق، وفي هذا الجانب، يقول عمر: “بينما يفتش عناصر الفرع جميع المعتقلين القادمين إلى الفرع، كان تفتيش النساء يجري فقط من قبل مدير السجن، إذ يتحرش بهن أثناء التفتيش”.

وينقل عمر عن صديق له كان يعمل “سخرة المدير” (في أحد مكاتب الضباط) أن مدير السجن اغتصب فتاةً أمامه، وطلب منه أن يشاهد عملية الاغتصاب. ويقول عمر: “عاد رفيقي إلى الزنزانة يبكي بحرقة، وقال لي قبل قليل اغتصب مدير السجن فتاة وطلب مني أن أشاهد ذلك”.

ونتيجة لتداول المعلومات سراً و”بالهمس” بين معتقلي الـ 215، تمكن عمر من معرفة وجود عدد كبير من النساء والأطفال في الطابق السادس بفرع الأمن العسكري، وقال إن “بعض النساء ولدن في المعتقل، وعندما كنت أنقل الجثث إلى الحافلات لترحيلها أسمع أصوات أطفال صغار”.

استعصاء داخل الـ 215

كمية العنف الممارس على المعتقلين في فرع الأمن العسكري بدمشق، دفعهم إلى التوصل لشعور “حب الموت” والتوجه نحوه، أو المحاولة بالعثور على الحياة مجدداً.

في العام 2013 ازدادت حملة الاعتقالات في سورية، وأصبحت أعداد قليلة جداً تحول إلى المحاكم، ومع تدهور أوضاع المعتقلين من كافة النواحي، كان عمر شاهداً على استعصاء في الطابق تحت الأرض في فرع الأمن العسكري.

إقرأ أيضاً: الفرع 215.. محرقة المعتقلين السوريين

يقول عمر: “بدأت بوادر الاستعصاء مع جملة ألفها أحد المعتقلين، وهي جربانين داوونا وعل المحاكم ودونا، عمل بعض الشباب على رسم خطوات للاستعصاء، وبدأوا ينشرون الفكرة بين بقية المعتقلين، محاولين إقناعهم بأنه لا بأس في المحاولة، فالموت محتم، وقد يكون هنالك أمل في نجاح الاستعصاء ونقله لبقية طوابق الفرع العلوية والهروب منه بشكل كامل”.

تطورت الأحداث إلى أن هاجم عدد من المعتقلين عدداً من عناصر الفرع، وذلك في الشهر السادس من العام 2013، وحصل الاستعصاء في المكان الذي كان فيه عمر ويسمى “صالة الفرع”، وفيها قرابة 1200 معتقل. ووفقاً لعمر “فإن معتقلاً من السخرة من مدينة حمص أغلق الباب الرئيسي المؤدي في النهاية إلى خارج السجن، ما أثر سلباً على نجاح الاستعصاء”.

لم تمر دقائق قليلة حتى بدأ عناصر الفرع بالتجهز لاقتحام الصالة، يقول عمر: دخلت أعداد كبيرة من العناصر وهجموا على المعتقلين بالعصي، والهروانات، كان بحوزتهم عدداً قليلاً من السلاح، وكانوا يخشون أن يدخلوا على المعتقلين وهم مدججون بالأسلحة خوفاً من وقوعها بإيدي المعتقلين، ما يخرج الأمور عن السيطرة”.

ويضيف: “على الفور أخمدوا الاستعصاء، وقتلوا أربعة أشخاص وعلقوا جثثهم في الممر الأساسي لصالة الفرع، بقيت الجثث معلقة أمام بقية المعتقلين 4 أيام حتى باتت تنبعث منها روائح كريهة وأزيلت فيما بعد. كما أن السجانين بدأوا بتصفية المسؤولين عن الاستعصاء وكان عددهم 25 شاباً بينهم معتقل اسمه محمد بريك من مدينة حماه”.

بشهادته هذه أنهى عمر حديثه عن فترة اعتقاله في فرع الأمن العسكري بدمشق، وانتقاله بعدها إلى سجن صيدنايا ذائع الصيت بوحشية سجانيه، وهو ما ستنشره  “السورية نت” في الجزء القادم من قصة عمر.

(السورية نت)

السابق
الفرع 215.. محرقة المعتقلين السوريين
التالي
المعارضة امتصت الهجوم في حلب وتستعد للمرحلة الرابعة