«الشيخ علي الزين» بقلم هاني فحص

هاني فحص

بالماضي القريب الذي عشته أنا، أي كنت شاهداً على ما أقول الآن عن “الشيخ علي الزين”.
الشيخ علي الزين رجل كان في النجف مميزاً أدباً، فكراً ونقداً، ومرض في السل الذي عانى منه مدة خمسين سنة، وبقي مصراً على الحياة والعلم. اشتغل على نفسه حتى أصبح كاتباً وناقداً وأديباً كبيراً.

اقرأ أيضاً: السيد محسن الأمين

وأحلى ما في جد الأستاذ “جهاد الزين”، أنه مع بزوغ فجر أي جيل جديد في القرية أو المنطقة يُصر على الاندماج فيه، في همومه وأسئلته ومعارفه وينحاز إليه، ويجدد نفسه فيه حتى يصير نصرة بينه وبين الجيل السابق من زملائه ومن أصدقائه. وكان مشغولاً ذاتياً أو طبيعياً بعد التجزئة والانتداب والاستقلال واغتصاب فلسطين بالتحرير والوحدة والعدالة والفكر الإسلامي. شعارات المرحلة بالتقريب بينه وبين العصر وبالتقريب بين مذاهبه. لم يكن لديه شعور مذهبي إلغائي أو شعور ديني إلغائي.
من أوائل الخمسينيات انجذب إلى حزب البعث، لأن كل أصدقائه كانوا بعثيين، وبعد أن تركوا الحزب إلا اثنين أو ثلاثة من دون أن نسجل عليهم شيء سلبي، ظلوا أوادم ومعلمين حقيقيين.
وكان متألماً، فالناس كانت متألمة من ضياع فلسطين، تريد أي طريق إليها. انسجم الشيخ علي إلى أن سوّلت له نفسه أن ينتمي إلى شعبة الحزب في النبطية، لكنه فرّ من الحلقة بعد ستة أشهر فقط.
سألناه لماذا؟ فأجاب: لأن روما من شرفة الفاتيكان غير روما من ساحاتها وشوارعها وأحيائها الخلفية.
وشرح: خارج الحلقة هناك نقاش ديمقراطي، أما داخلها فقد وجدت نفسي ملزماً بآراء وأفكار مسؤول الخلية سواء اقتنعت بها أم لم أقتنع.
وكدت أختنق وأعيد النظر في كل شيء ولكني آثرت الخروج من الحلقة، لأحتفظ بقناعاتي أو بعضها أو الأساسي منها، أي ما ليس مرهوناً بأنظمة الأحزاب وبرامجها.

النبطية
ولم يؤثر ذلك في مودته للرفاق الذين سارع أغلبهم إلى مغادرة الحزب وبقي منهم آخرون. وكان الشيخ علي منذ أوائل الخمسينيات قد اشتهر بميوله القومية العربية، ما جعل شباب الحزب السوري القومي في البلدة يخاصمونه ولكنهم لم يكونوا من المعرفة والعلم بحيث يقارعونه، لذلك قرروا أن يعاكسوه.
هكذا عشنا، ولم يكن يرى الفارق العلمي بينه وبينهم مانعاً من الحوار معهم، بل ربما كان يقتضيه، كانت السياسة تسليه، وكان همه أن ينشر أفكاره بتغيير أفكارهم، على أن الحوار كان فرصته الوحيدة المتاحة لوجود الآخر السياسي في حياته اليومية.
ويوماً اتفقوا معه على أن ينتدبوا له شخصاً يحاوره، فاختاروا شاباً غضاً وصعباً، من آل فحص من عائلتنا، والأسرة لها علاقة مميزة مع الشيخ وعائلته الأمر الذي كان يجعل الحوار مُحرجا، ولكن الشاب كان أكثر إحراجاً للشيخ وعائلته الأمر الذي كان يجعل الحوار المكشوف معه بمزاح قاس وسكت الشيخ، وانتهى اللقاء على خيبة وقطيعة تامة، وصار مادة للتندر والكيد من الشيخ مرة واللوم على الشباب مرة أخرى.
هذا في حين كان كبار العلماء والمثقفين يأنسون بما يصيبهم من نكات الشيخ ويروونها عنه، وإن طالتهم بزهو شديد.
الشيخ علي الزين كان يستاء حتى الارتجاف والارعاد والإثبات من أي خطأ سلوكي يقع فيه أي رجل من رجال الدين ويضمر حباً عميقاً وإجلالاً للعلماء الأتقياء ويتحدث عنهم كثيراً.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
اهالي الخريبة صربا النبطية ناشدوا وزارة الطاقة حل أزمة الكهرباء فيها
التالي
رسائل من اعتصام المفتوح للدفاع المدني على الحدود