نحن سقط المتاع وحثالة الحثالات

حسناً يفعل المتحاورون. حسناً يفعل النوّاب.
لستُ أدري ما إذا كان التعبير دقيقاً. لكنْ نُقِل عن رئيس مجلس النوّاب أنها العصفورية. العصفورية لا تكفي يا عطوفة الرئيس لوصف ما يجري، لأنها تعبّر عن الجنون وغياب العقل فحسب، في حين أن ما يحدث إنّما يعبّر بالقوّة نفسها عن الانحطاط السياسي والوطني والقيمي والأخلاقي، وعن العجز الثقافي، البالغ أسفل دركاته في الشكل وفي المضمون. هكذا يصحّ في أتباع المتحاورين وفي ناخبي النوّاب، أقصد اللبنانيين، المثل القائل: كما تكونون يُولَّى عليكم.
لا أستطيع أن أطلب من الطبقة السياسية غير ما تمنحنا إياه. هي طبقة سافلة، وإناؤها ينضح بما فيها. لكني أستطيع أن أعيّر اللبنانيين، فهم مستحقّون مصيرهم الأرعن هذا. عجزُ السياسيين هو صورةٌ لعجز الناس المعيب عن قلب الطاولة وعن الانتفاض لكرامتهم السياسية والوطنية المطعونة في أعزّ قيمها. العجز عن توليد ثقافة وأفكار وقيادات وأحزاب تعبّر عن حقوق الناس وأحلامهم، هو المأزق الأعمق.
يسألني أحد القرّاء: ما العمل؟ معه حقّ هذا القارئ: ما العمل؟ لكن الجواب يجب أن يكون عنده، عند هذا القارئ بالذات، بقدر ما يجب أن يكون عند الجميع بالتساوي. أنا رأيي واضحٌ في المسألة: نحن نرمي المسؤولية على “الآخر”، كلّ “آخر”، في حين أننا المسؤولون. نحن مسؤولون عن مشكلة النفايات، وعن قضية الكهرباء، وعن حال التلوّث، وعن الفساد، وعن النهب، وعن السرقة وضيق ذات اليد. نحن مسؤولون عن أزمة السير، وعن الغش في إنتاج المزروعات والدواء والطعام والماء.

إقرأ أيضاً: لبنان يُواجه خطر الفراغ الشامل
أوعا حدا يقول العكس: نحن مسؤولون عن تساقط الدولة ومؤسساتها. نحن مسؤولون عن تفريغ رئاسة الجمهورية. نحن مسؤولون عن تفاهة هذه الحكومة. نحن مسؤولون عن التمديد لمجلس النوّاب. نحن مسؤولون عن عدم التمكن من إنتاج قانون جديد للانتخاب. نحن مسؤولون عن النظام الطائفي البغيض هذا. نحن مسؤولون عن وجود هذا الطاقم المقيت من الأحزاب والتيارات والقوى السياسية والطائفية: “حزب الله” وحركة “أمل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” و”الحزب السوري القومي الاجتماعي” و”تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر” و”حزب القوات اللبنانية” و”حزب الكتائب اللبنانية” و”تيار المردة” و”الحزب الشيوعي اللبناني”، وسواهم مما لا يتسع له الموضع.

إقرأ أيضاً: بعد فشل الحوار.. ماذا في جعبة بري؟
نحن سقط المتاع، وحثالة الحثالات. ما نُصاب به اليوم، وما سنُصاب به في المقبل من الأيّام، هو أقلّ بكثير مما يجب أن يصيبنا. أقول بالصوت الملآن إننا محظوظون لأننا نستحقّ مصيراً أسوأ من هذا المصير. مَن فيه كرامةٌ وطنية، فليفعل شيئاً مدنياً مفيداً. ولينتفض لكرامته!

(النهار)

السابق
نصرالله يدعو إلى المصالحة في سوريا…ولكن ماذا عن القصير؟
التالي
يلدريم: ستحدث تطورات مهمة في سوريا خلال الأشهر الستة القادمة