اردوغان كان يحضّر لـ«إنقلاب» قبل الإنقلاب «المسخرة»!

يشعر المُتابعون الجدّيون من واشنطن للتطوّرات في الشرق الأوسط وفي مقدّمها المحاولة الفاشلة للإنقلاب على الرئيس التركي اردوغان بشيء من الحيرة. إذ يبدو لهم أن الإدارة الأميركيّة تمرُّ في مرحلة توقّف موقّت هدفه تقويم ما يجري وتأثيره على استراتيجيّتها وانتظار أمرين. الأوّل ما تشهده تركيا منذ المحاولة الفاشلة وما ستشهده في الأسابيع والأشهر المقبلة. والثاني ما ستشهده أميركا في نهاية المعركة الرئاسيّة المُحتدمة بين الجمهوري ترامب والديموقراطية هيلاري كلينتون وذلك نظراً إلى التناقض الكبير في برنامج كلِّ منهما، وإلى التحوّلات السلبيّة التي قد تعيشها أميركا في حال فوز الأوّل وانعكاساتها الأكثر سلبيّة على العالم.
ويشعر المُتابعون أنفسهم أيضاً أن حرّ الصيف وهو شديد في الشرق الأوسط، وحاجة الجيش العراقي إلى الراحة وإلى مزيد من التدريب بعد المعركة القاسية التي خاضها بنجاح لاستعادة الفلّوجة من “داعش”، يشعرون أن الأمرين المذكورين يُساهمان في سيادة منطق الترقُّب وإعادة التقويم وتالياً الإمتناع عن المبادرة سياسيّاً أو عسكريّاً عند كل أطراف الصراع العراقي. إلّا أن ما يُحيّر هؤلاء هو لانشاط و لافاعليّة أميركا في هذه المرحلة (Inactivity). ويبدو واضحاً استناداً إليهم أن الحملة الإنتخابيّة الرئاسيّة القاسية الدائرة الآن تستحوذ على اهتمام الجميع ومن شأن ذلك التأثير سلباً طبعاً على ما تقوم به إدارة أوباما خارج حدودها.
ولعلَّ أكثر ما يركّز عليه المسؤولون في واشنطن اليوم، استناداً إلى المُتابعين الجدّيين أنفسهم، هو انعكاسات المحاولة الإنقلابيّة العسكريّة الفاشلة في تركيا على أمنها واستقرارها واقتصادها والديموقراطيّة فيها، كما على الاستراتيجيا الدوليّة – الإقليميّة التي هي جزء أساسي منها. وفي هذا الإطار يؤكّد هؤلاء أن أميركا لم تكن لها أي علاقة على الإطلاق بالمحاولة المذكورة. ولو كانت متورّطة فعلاً فيها لنجحت، ولما كان الأتراك والمنطقة والعالم شَهِدوا ما اعتبرته ولا تزال “المسخرة” الإنقلابيّة. ويلفتون إلى أن بعضاً قليلاً منهم يعتقد أن للرئيس أردوغان ضِلعٌ في المحاولة الفاشلة، لكن البعض الأكبر منهم لا يعتقد ذلك. علماً أن الجميع مُقتنعون بأنّه كان يحضِّر لـ”انقلاب”، إذا جاز استعمال هذا التعبير، يطهّر بواسطته الدولة بكل إداراتها ومؤسّساتها من قضائيّة وأمنيّة وعسكريّة وتربويّة واقتصاديّة ومصرفيّة وماليّة وعلميّة ودستوريّة وحزبيّة. والدليل اللوائح الحاضرة بآلاف العناصر المطلوب إزاحتها أو محاسبتها. علماً أن المحاولة الفاشلة نبّهته إلى ضرورة شمول التطهير حتى حزبه. وقد بدأ ذلك.
انطلاقاً من ذلك يعتقد المُتابعون الجدّيون أنفسهم أن تركيا تسير نحو الديكتاتوريّة. لكنّهم يلفتون إلى أن اردوغان ليس “أتاتورك” مؤسِّس دولة تركيا الحديثة بعد انهيار السلطنة العثمانية وتقاسم الدول الكبرى لها في حينه، وإلى أن جيشه بدأ يشبه جيوشاً عربيّة بعد الإنقلابات العسكريّة الكثيرة فيها، وذلك من حيث الكمّ الكبير للضبّاط وللطيّارين الذين إما أُقيلوا، وإمّا استقالوا، وإمّا استُدعوا للتحقيق، وإمّا سُجنوا. ومن شأن ذلك أن يُؤثّر على حربه الشرسة على “حزب العمال الكردستاني” P.K.K. إذ قد لا يستطيع مُتابعتها على النحو الذي بدأها جرّاء انشغال الجيش بالوقوف على “الحواجز” وفقدانه الكثير من معنويّاته وغموض دوره بل مصيره مستقبلاً. ومن شأنه أيضاً عدم “استحسان” اشتراك الطيران الحربي التركي في حملة “التحالف الدولي” الذي تقوده أميركا على “داعش” وأمثاله. وذلك جرّاء الضرر الذي أصابه بعد المحاولة الإنقلابيّة وبسببها. علماً أن الأميركيّين قلّصوا عدد طلعاتهم الجويّة العسكريّة ضد الإرهابيّين من “قاعدة أنجرليك” التركيّة ريثما يعرفون ما جرى حقيقة وما يجري وما سترسو عليه الأوضاع في تركيا.

اقرا ايضًا: تركيا: لماذا فشل انقلاب 2016؟
في اختصار يعرف اردوغان استناداً إلى المُتابعين الجدّيين أنفسهم أن تركيا لن تُقبل يوماً في الاتحاد الأوروبي، ويبدو أنّه لا يهتم لذلك ولم يهتم لذلك يوماً، بل كان يستعمل هذا الموضوع لابتزاز أوروبا والغرب.
ماذا عن عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي؟ وماذا عن تطوّرات حرب رئيسها على “الأكراد؟” وكيف ينظر الإسلاميّون العرب المُتعاطفون أساساً مع اردوغان إلى ردود فعله على محاولة الإنقلاب عليه؟

(النهار)

السابق
اسرار الصحف المحلية الصادرة ليوم الثلثاءالواقع في 9 اب 2016
التالي
ملايين اللاجئين فكيف ينجو لبنان؟