لبنان «المأزوم» حضر إلى الجبل بـ «أطيافه وطوائفه» إحياءً للذكرى 15 للمصالحة المسيحية – الدرزية

من خلف كل «خطوط التماس» السياسية في لبنان المفتوحة على «ملاعب النار» في المنطقة والتي تُبقي حال «التمتْرس» في أزمة الانتخابات الرئاسية، جاءت الذكرى 15 لمصالحة الجبل المسيحية – الدرزية التي تم إحياؤها يوم امس في المختارة (معقل الزعامة الجنبلاطية) بمثابة «بقعة ضوء» في النفق المظلم الذي دخلتْه البلاد منذ نحو 26 شهراً والذي لا يلوح في الأفق اي امكان لخروجٍ وشيكٍ منه بل تتراكم المعطيات التي تؤشر الى ان لعبة «عض الأصابع» قد تنتقل الى مرحلة أشدّ شراسة كلّما ضاقت السبل داخلياً وسقطت «حبّة» جديدة من «سبحة الحلول» المقترحة واقتربت اللحظة الخارجية من «ساعة الحسم».

واستأثرتْ هذه الذكرى التي جمعت كل الأطياف السياسية والمكونات الطائفية وتخلّلها تدشين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس راعي كنيسة سيدة الدُرّ في المختارة (بنيت العام 1820 وتعود ملكيتها الى آل الخازن) بعد انجاز أعمال ترميمها بقرار من النائب وليد جنبلاط، بالاهتمام من زاويتيْن:

* الأولى، إطلالتها من خلال كلمتيْ الراعي وجنبلاط على الأزمة الرئاسية ومستلزمات الخروج منها وأهمية ترسيخ ثوابت العيش المشترك والوحدة الوطنية كنموذج فريد للعالم لحماية التعددية.

* الثانية، لكونها بمثابة «تجديد العهد» بالمصالحة التي كان أرسى دعائمها البطريرك السابق نصرالله صفير مع جنبلاط العام 2001 والتي شكّلت المدماك الاول بعد نداء المطارنة الموارنة الشهير في سبتمبر 2000 لقيام شبكة «عابرة للطوائف» رعى تشكيلها صفير بالدرجة الاولى على طريقة «حفر الجبل بالإبرة» بمواجهة الوصاية السورية، ووفّرت في 14 مارس 2005 الأرضية لانفجار «ثورة الأرز» بوجه سورية بعد شهر على اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لحظةٍ تاريخية.

وفيما كانت الأنظار شاخصة على طبيعة الحضور لهذه المناسبة، لم يشارك غالبية الأقطاب الموارنة شخصياً، ولاسيما زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع اللذان أوفد كل منهما ممثلاً عنه، فيما حضر الرئيسان السابقان ميشال سليمان وأمين الجميّل الذي كان نجله رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل يلتقي في الوقت نفسه للاحتفال زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية في بنشعي (الشمال).

وجاءت المشاركة البارزة من قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، وذلك رغم الإشارات السلبية التي كان أطلقها جنبلاط ضدّ الاتجاه للتمديد له على رأس المؤسسة العسكرية نظراً الى عدم القدرة على التفاهم على بديل قبل إحالته على التقاعد في سبتمبر المقبل. إلا ان قهوجي قال رداً على سؤال لتلفزيون mtv حول حضوره الى المختارة فيما الزعيم الدرزي معارض للتمديد له: «شو خص هَي بـِ هَي؟ بعدين مين قلكن انو رافض التمديد؟ الله كبير».

وبمعزل عن شكل الاحتفال الذي استهلّ بقداس في كنيسة سيدة الدُرّ (الملاصقة لقصر المختارة) ترأسه الراعي بحضور الحشد السياسي والديني الجامع قبل ان يتوجّه الجميع الى المختارة حيث أقام جنبلاط مائدة غداء على شرف المدعوين، فإن هذه المناسبة الوطنية التي كان البطريرك صفير الغائب الأكثر حضوراً فيها، عكست في جانب منها رسوخ مصالحة الجبل التي «صمدت» منذ إنجازها رغم كل الخلافات السياسية وتقلبات الواقع اللبناني في الأعوام العشرة الأخيرة باعتبارها مصالحة «لا رجعة عنها» كما قال جنبلاط نفسه. علماً ان الزعيم الدرزي كان أجرى عشية الذكرى اتصالا بصفير وقال له: «بكرا نهارك، وبكرا راح يكون الجبل ولبنان بحمايتك، وراح تكون حاضر بيننا مثلما كنت حاضر معنا من أول الطريق».

على ان دوائر سياسية في بيروت توقفت عند مصادفة الذكرى واحتفاليّتها مع «نقلة» بارزة في مقاربة الزعيم الدرزي للعلاقة مع الأقطاب المسيحيين والتي غالباً ما سادها في العقد الأخير إما فتور او تَوتُّر او «ودّ ملغوم»، قبل ان يعمد في الأسابيع الأخيرة الى تفجير مفاجأة بإعلانه انه «لا يمانع» انتخاب العماد عون رئيساً للجمهوريةً ربطاً بحصول الأخير على تأييد الدكتور جعجع.

إقرأ أيضاً: ذكرى مصالحة الجبل الـ15: تجمّع سياسي وديني حاشد اليوم في المختارة

وبدا موقف جنبلاط في هذا السياق أبعد من مجرّد «كلام رفْع عتب»، بل اعتُبر في إطار رؤية استراتيجية للزعيم الدرزي الذي غالباً ما يقيس خطواته السياسية وفق قراءة ثاقبة للتحوّلات خارجياً وداخلياً وآفاقها، وربما تكون هذه الرؤية ذات صلة بمصير طائفتين تشكلان أقلية في لبنان (وإن كان الدروز أقل عدداً من المسيحيين) وسبق ان وصفهما العام 2009 بأنهما أصبحتا «هنوداً حمراً»، متسائلاً في حينه: «أنا اقتنعتُ بذلك ولكن من يقنع الموارنة؟».

وفيما كان البعض يتوقّع ان يعلن جنبلاط صراحة امس ترشيح العماد عون الى الرئاسة، لم يفعل ذلك بل اكتفى في كلمته بتمني «ان تدرّ علينا الايام المقبلة انتخاب رئيس لنحفظ لبنان من الرياح العاتية»، مؤكداً «تمتين مصالحة الجبل التي أرسينا أسسها مع البطريرك صفير». وأشار إلى أنه «في ذلك الوقت قلت وأكرر ان حرب الستين انتهت وحرب الجبل لا رجعة لها»، معلناً أنه «في الوقت الذي تلتهب المنطقة وتخطى الارهاب الحدود الجغرافية راسما بالدم كل أشكال القتل والتدمير، نؤكد إحياء مناخ المصالحة والتقارب في لبنان وهذه رسالة أن لبنان يستطيع أن يقدم نموذجاً فريداً في حماية التعدد»، لافتاً إلى «أننا قد نختلف في مقاربة الملفات لكننا نتمسك بالوحدة الوطنية والسلم الأهلي والحوار»، ومشدداً «على ان التجارب أثبتت أن أي أثمانٍ تُسدد في سبيل السلم أرخص من أثمان الحرب والقتل والدمار».

إقرأ أيضاً: جنبلاط لصفير: بكرا نهارك

وبعدها كانت كلمة البطريرك الراعي الذي أكد «ضرورة استكمال المصالحة»، معلناً «اننا كلنا نتطلع الى المصالحة بين 8 و14 آذار والوسطيين»، لافتاً الى «ان في المصالحة السياسية إحياء للدولة ومؤسساتها بدءا من انتخاب رئيس للجمهورية وهذا الباب الى الدولة»، ومتسائلاً في ردّ غير مباشر على منطق «السلة المتكاملة» لحلّ الأزمة الرئاسية وصولاً الى طرح إصلاحات دستورية واردة في اتفاق الطائف: «ما الجدوى من طرح كل المواضيع قبل انتخاب رئيس وهو وحده الكفيل بطرحها والنظر فيها عبر البرلمان؟ وبأي حق يُعطل انتخاب رئيس ويُستسهل التمديد»؟، ومشدداً على أن «مبادرة انتخاب رئيس تحتاج الى رجالات الدولة الكبار، الذين يدركون أن الحل من الداخل والتجرد من المصلحة الذاتية».

السابق
داعية سني إيراني: عمليات الإعدام قد تلهب التوتّرات في المنطقة
التالي
هذا هو السؤال الذي وجهته «الاداب» لميريام كلينك؟‏