العلاقة المشبوهة بين بوتين وترامب.. قصة انتقام ومال وسلطة!

غريب هذا الغزل المتبادل من بعد بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب، والأغرب هي هذه المصلحة المتبادلة بين رجلين لا يجمعهما شيء في الظاهر، باستثناء العداء للمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، ومعها بطبيعة الحال الرئيس الديموقراطي باراك أوباما.
في هذه العلاقة كثير من الكذب لا الديماغوجية فحسب. ولكن لا شك في أن بوتين هو الأكثر دهاء، وله مصلحة كبيرة في وصول شخص كترامب الى البيت الابيض. فلو أتيح له بحسب الصحافي الأميركي فرنكلين فوير تصميم مرشح لتقويض المصالح الأمريكية، لكان هذا المرشح يشبه ترامب.
أما المرشح الاميركي الذي ينتقده محازبوه، فربما يجد في إطراءات بوتين الذي وصفه بأنه “ذكي” و”موهوب” تعويضاً معنوياً. ولا يلغي الملياردير من حساباته بالطبع السوق الروسية التي يتطلع إلى زيادة استثماراته فيها.
في الاعلام الاميركي، تستأثر العلاقة “المشبوهة” بين الرجلين بحيز واسع، إلا أن لا أحد واهماً بأن انجذاب ترامب تحديداً الى موسكو وراءه خطة معقدة ترمي مثلاً إلى إعادة تقويم استراتيجية الامن القومي.
ويقول ديفيد ريمنيك في مجلة “نيويوركر” أن ترامب يجهل تماماً الواقع الروسي الجيوسياسي والمعاصر. فعندما قال إن حلف شمال الأطلسي بائد، وأنه قد يتخلص من المادة الخامسة التي تعتبر أن هجوماً على دولة عضو في المنظمة هو هجوم على الجميع، لم يقم بذلك لأنه يريد إعادة تقويم أمر معقد كاستراتيجية الأمن العالمي، وإنما ببساطة لأن “ليس كل دولة عضو تدفع مستحقاتها”.
على عادته في الحديث عن أمور تتعلق بالسياسة الخارجية، بدا ترامب مشوشاً هذا الاسبوع في حديثه عن روسيا. وقال في برنامج “ذس ويك” على شبكة “اي بي اس” جورج ستيفانوبولوس، ان بوتين “لن يدخل اوكرانيا…عليك فهم ذلك”، وتابع مشدداً: “لن يدخل الى اوكرانيا، اتفقنا؟ يمكنك ان تدون ذلك، يمكنك ان تكون متاكدا من ذلك”. وعندما رد عليه ستيفانوبولوس أنه ” موجود هناك، اليس كذلك؟”، ”
بدا ترامب كتلميذ مدرسة يحاول الاجابة عن أمر لم يدرسه، قائلاً: “حسنا، انه هناك بطريقة ما. لكنني انا لست هناك…أوباما موجود الآن”.
وعام 2007، أشاد ترامب “بعمل عظيم” يقوم به الرئيس الروسي. ووصفه أخيراً في برنامج تلفزيوني بأنه “زعيم حقيقي وليس مثل من لدينا في هذ البلد”. وعندما رد عليه المقدم جو سكاربوروه بأن “بوتين يقتل صحافيين لا يوافقونه الرأي”. لم يخيفه الأمر، وأجاب: “أعتقد أن بلادنا تنفذ الكثير من القتل ايضاً…هناك أمور كثيرة تحصل في العالم الآن. الكثير من القتل والكثير من الغباء”.
ولطالما ردد ترامب أنه يعرف بوتين شخصياً. فعندما كان يشجع مسابقة ملكة جمال العالم عام 2013 في موسكو، أبلغ الى شبكة “سي أن بي سي” أنه أنشأ “علاقة” مع بوتين. وبعد ذلك بسنة، لمح خلال غداء في نادي الصحافي الوطني في واشنطن أنه “تحدث مباشرة أو في شكل غير مباشر” مع بوتين “الذي لا يمكن أن يكون ألطف من ذلك”. ولكن تبين أخيراً ، وبحسب كلماته أن “الرئيس الروسي لا يعد صديقا له، ولا يعرفه شخصياً”.
مصالح اقتصادية
وفي أي حال، يكمن بحسب الصحف الاميركية جزء من “لغز” هذه العلاقة في مصالح اقتصادية لترامب مع بوتين، ذلك أن بول مانافورن، مدير حملة المرشح الجمهوري أفاد كثيراً من عمله مستشاراً لفيكتور يانوكوفيتش الرئيس الأوكراني المخلوع الذي كان مقرباً من روسيا.
كذلك، ربطت كارتر بيج، أحد مستشاري السياسة الخارجية لترامب، علاقات قديمة ب”غازبروم”، شركة الغاز الروسية العملاقة.
وفي خطاب له أمام مؤتمر عقاري عام 2008 ، قال دونالد ترامب جونيور بصراحة إن العائلة استغلت فرص عقود في روسيا. ونقلت عنه صحيفة “الواشنطن بوست” أن “ثمة الكثير من المال يتدفق من روسيا”.

اقرا ايضًا: هل يحصل «حدث أمني كبير» يوصل ترامب الى البيت الأبيض؟
علاقات أفضل
ومن جهتهم، يحاول مسؤولون روس الإيحاء بأن انتخاب المرشح الجمهوري سيكون مرحباً به وسيدشن لعلاقة أفضل وأقل توتراً مع واشنطن بعد علاقات متوترة بين أوباما وبوتين.
ولقي تصريح ترامب عن القرم وقوله أنه إذا حاولت واشنطن مساعدة أوكرانيا في استعادة شبه الجزيرة بالقوة فقد يؤدي ذلك إلى حرب عالمية ثالثة ، صدى ايجابياً في موسكو، إذ قال رئيس لجنة الشؤون الدولية في الدوما أليكسي بوشكوف إن ترامب أظهر أنه ديموقراطي أكثر من أوباما وكلينتون.
كذلك، قال عنه المثقف القومي ألكسندر دوغين إنه “أمريكا الاصلية من دون بهرجة النخبة المعلومة .هو أحياناً مقزز وعنيف، ولكن هو ما هو عليه.إنه أميركا الحقيقية…صوتوا له وسترون ما سيحصل”.
بالنسبة الى بوتين شخصياً، كل ما يلحق أذى بأمريكا يفيد روسيا. وبين كلينتون وترامب، هو يميل بالطبع إلى المرشح الجمهوري الذي يرفض القول إن بوتين يقتل خصومه “لأنه لم ير ذلك”، ووصف الخطاب اللاذع الذي وجه فيه الرئيس الروسي قبل ثلاث سنوات انتقادات لاذعة ضد الاستثناء الأميركي أنه “تحفة”.
وفي حسابات الربح والخسارة، ثمة من يوحي بأن بوتين سيستفيد أكثر من ترامب نتيجة هذه العلاقة المشبوهة، وخصوصاً في حال فوز المرشح الجمهوري.

المال
وينقل ريمنيك عن سيرغي بارخومنكو الناشط والمذيع في إذاعة “صدى موسكو” أن “بوتين يريد أن تهتم الولايات المتحدة بمشاكلها الخاصة وتنسى أمور أوكرانيا والقرم وغيرهما…وبالنسبة الى بوتين يبدو أنه إذا انتخبت الولايات المتحدة ترامب، فان كل أميركا ستكون منشغلة لمدة سنة على الاقل في محاولة لهضمه”. ويورد سبباً آخر لحماسة بوتين المقتنع بأن كل شيء في هذا العالم يحل بالمال “فهو متعصب ديني والمال هو الهه. بالمال يمكن حل اي شيء بالنسبة اليه وشراء أي متحدث. لقد اشترى الالعاب الاولمبية . وسيكون سهلاً بالنسبة اليه التعامل مع ترامب. لن يكون عليه استخدام الكلمات في التفاوض، وإنما الأرقام فحسب. وعندما يختلفان، سيكون مناسباً تحديد السعر المناسب”.
ويخلص ريمنيك إلى أن فلاديمير هو قارئ ماكر لخصومه.فقد لاحظ أن ترامب لا يعرف الفرق بين “فيلق القدس” والأكراد أو معنى “الثالوث النووي”. ولم يفته بالطبع أن تحليل المرشح الجمهوري للبركزيت استند جزئياً الى انعكاساته على ملاعب الغولف التي يملكها في بريطانيا، وأن معلوماته عن شؤون العالم لا تتجاوز تلك التي يملكها مشترك في صحيفة يومية لا يجد الوقت الكافي دائماً لقراءتها. بالطبع، يرى بوتين مكاسب كبيرة في أن يكون نده أمياً جاهلاً يعتبر أن حل أزمة جيوسياسية هي بنفس سهولة حل مشكلة عقارية.

(النهار)

السابق
حزب الله: إخضاع سنّة لبنان
التالي
مَن حلّ الجيش العراقي واجتثّ البعث؟