معركة حلب لن تنقذ الأسد

“معركة حلب بكل تطوراتها وتداعياتها لن تقرر مصير سوريا ولن تغير مسار الأوضاع وموازين القوى في هذا البلد وفي المنطقة. ويستطيع الرئيس بشار الأسد، مدعوماً من الروس والايرانيين، أن يفرض سيطرته عسكرياً وأمنياً على هذه المدينة وعلى مناطق أخرى، لكنه لن يستطيع أن يكسب الحرب وأن ينتصر فعلاً اذ انه لن يستطيع أن يفرض نفسه ونظامه على الشعب السوري وعلى الدول الاخرى المعنية بهذه القضية والمعادية له، ولن يستطيع ان يعالج المشكلات الهائلة المتراكمة في سوريا وان ينهي الأزمة البالغة التعقيد وان يعيد بناء البلد وإعماره وأن يحقق الأمن والاستقرار فيه. فمعركة حلب لن تبدل المعطيات الجوهرية في هذا النزاع ولن تغيّر الحقائق الأساسية في سوريا ولن تعيد عقربي الساعة الى الوراء. فالمعركة التي تحدد مصير سوريا أكبر من قدرات الاسد ونظامه واكبر من معركة حلب وأوسع نطاقاً منها. اذ انها مرتبطة بوقائع وحقائق مهمة تفرض ذاتها على الجميع في الساحة السورية، ومرتبطة بصراعات اقليمية ودولية وبمآس ضخمة يعانيها السوريون وبكوارث ليس لها سابق أصابت هذا البلد. وهذا هو المأزق الذي يواجهه الأسد وحلفاؤه والذي يمنعهم من الانتصار الحقيقي ومن حسم الصراع لمصلحتهم ومن الامساك مجدداً بالبلد”.
هكذا اختصر مسؤول دولي معني بالملف السوري أبعاد معركة حلب. وقال في لقاء خاص في باريس: “يركز الأسد وحلفاؤه في تصريحاتهم ومواقفهم العلنية على أن معركة حلب ستحقق النصر الحاسم والكاسح للنظام وستكون هي المعركة الكبرى الأخيرة الفاصلة في هذا النزاع والتي ستسمح للرئيس السوري بأن يستعيد شرعيته الداخلية والاقليمية والدولية وتدفع الدول المعادية له والمؤثرة الى اعادة النظر في حساباتها والاعتراف به مجدداً والتعامل والتفاوض معه من أجل انقاذ سوريا من الجحيم. وحسم هذه المعركة سيمنح روسيا وايران انتصاراً سياسياً وديبلوماسياً كبيراً. لكن رهانات الأسد وحساباته هذه خاطئة وتتناقض مع الحقائق الصلبة ومع مواقف الغالبية الكبرى من الدول المعنية بهذا النزاع”.

اقرا ايضًا: حلب.. والمدن التي دمرها آل الأسد
وأضاف المسؤول الدولي: “إن مصير سوريا لن يحدده الأسد بل سيتحدد على طاولة المفاوضات وفي المشاورات والمساومات الاميركية – الروسية – الدولية – الاقليمية. ومعركة حلب هي في الواقع محاولة جديدة من الأسد للإفلات والتهرّب من متطلبات الحل السياسي للأزمة المتفق عليه دولياً والمدعوم من مجلس الأمن، وللتنصل من أسس عملية التفاوض في جنيف والتي تنص على أن الحل يتطلب نقل السلطة الى نظام سياسي جديد تعددي يحقق المصالح المشروعة لكل مكونات الشعب السوري ويضمن حقوقه الاساسية. ومعركة حلب هي محاولة اخرى تدعمها روسيا من اجل تحسين شروط التفاوض مع أميركا أياً يكن الثمن الباهظ الذي ستدفعه المدينة مع سكانها. لكن معركة حلب، أياً تكن نتائجها، لن تعزز مواقع الأسد على طاولة المفاوضات ولن تبدل شروط التفاوض ولن تؤدي الى اسقاط القرارات والتفاهمات الدولية التي وافقت عليها روسيا رسمياً وخطياً، والتي تنص كلها بوضوح على ضرورة قيام نظام جديد بعيداً من الأسد في سوريا من أجل انهاء الحرب واحلال الأمن والاستقرار والسلام في هذا البلد”.
وخلص المسؤول الدولي الى القول: “الأسد يواجه في مفاوضات السلام التي يحاول نسفها أو تجاوزها، في وقت واحد، المعارضة السورية المعتدلة التي تفرضها طرفاً أساسياً في عملية حل النزاع القرارات والتفاهمات الدولية، ويواجه أيضاً الدول المؤثرة بقيادة أميركا المتمسكة بضرورة رحيله وانهاء حكمه وقيام نظام جديد في سوريا الجديدة. وبالنسبة الى هذه الدول فإن دور الأسد يقتصر أساساً على تسهيل تنفيذ عملية انتقال السلطة الى النظام الجديد من طريق مفاوضات جنيف. ويرفض الأسد طبعاً الاضطلاع بهذا الدور من أجل انقاذ سوريا، ويحاول الهروب من هذا الواقع من طريق معركة حلب ومواصلة الحرب. لكن معركة حلب لن تبدل هذا الواقع ولن تنقذ الأسد ونظامه”.

(النهار)

السابق
عمليات دهم للجيش في مخيمات النازحين في مشاريع القاع الحدودية
التالي
أميركا تؤفغن حلب ؟