لبنان في «عنق زجاجة» الاشتباك الإقليمي وإيران تلاقي… «تصعيد» نصرالله

اكتسبت الزيارة التي بدأها رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجيّة في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي لبيروت امس، أهمية خاصة كونها جاءت على وهج المناخ البالغ السلبية الذي أحدثته الحملة الشعواء التي شنّها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله يوم الجمعة على المملكة العربية السعودية والتي تركتْ ارتدادات قويّة في الداخل اللبناني بعدما كرّست انعدام الأفق الاقليمي امام أي امكان لتحقيق انفراجٍ قريب في الأزمة الدستورية – السياسية التي يختصرها الفراغ في رئاسة الجمهورية.

وعكس «أوّل الكلام» لبروجردي ملاقاةً ضمنية لحملة نصر الله على السعودية، وسط اعتبار أوساط سياسية واسعة الاطلاع ان مضمون هذه الزيارة التي تحدّث خلالها المسؤول الايراني بلغة «الإنجازات في سورية» يصعب فصله عن رغبة طهران في توجيه رسالة الى «مَن يعنيهم الأمر» بالوضع اللبناني بأنها الأقرب الى «استثمار» ما اعتبره «اقترابنا من الإنجاز النهائي على الساحة السورية»، لافتاً في هجوم على الرياض من دون تسميتها الى «أن الجمهورية العربية السورية، وكل محور المقاومة والممانعة الذي وقف الى جانبها بكل صمود وثبات، سيُكتب له النصر في نهاية المطاف، والمحور المقابل (…) ستصل خياراته الى الحائط المسدود». ولم يتردّد المسؤول الإيراني الذي تشمل لقاءاته كلاً من رئيس البرلمان نبيه برّي ورئيس الحكومة تمام سلام ووزير الخارجية جبران باسيل والسيد نصر الله ورئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد وشخصيات أخرى، في المجاهرة بمواقف تثير إشكاليات كبرى في لبنان وأبرزها تورط «حزب الله» العسكري في سورية ونسْب موقفٍ باسم «الجمهورية اللبنانية» داعم للنظام السوري، اذ اعلن «انه نظراً لروح الصمود والتصدي والمثابرة التي أبدتها الجمهورية العربية السورية طوال الاعوام الخمسة المنصرمة إن كان على صعيد الحكومة السورية أو الشعب السوري أو الجيش السوري الباسل، وأيضاً فوق كل ذلك الدور المميز لرئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد وأيضاً نظراً لوقوف الجمهورية اللبنانية والمقاومة اللبنانية الباسلة الى جانب سورية في صبرها وثباتها وصمودها، كل هذه الأمور أدت مجتمعة الى اقترابنا من الإنجاز النهائي على الساحة السورية».

وفيما بدا كلام بروجردي غير آخذٍ في الاعتبار التحوّل الذي شكّله بدء المعارضة السورية هجوماً مضاداً جنوب حلب وتداعياته المحتملة على خريطة المعارك في سورية، فإنه اكتفى في الشقّ اللبناني بـ «تأكيد المؤكد» في ما خص الأزمة الرئاسية والذي كان تم إبلاغه مراراً الى باريس من ان «الانتخابات الرئاسية شأن داخلي لبناني»، وإن كان أجرى ربطاً ضمنياً لها بالواقع الاقليمي من خلال كلامه عن «ان الجمهورية الإسلامية تولي عناية خاصة لدعم الوحدة الوطنية اللبنانية بين كافة مكونات وأطياف المجتمع اللبناني العزيز(…) ونأمل أن نشهد في المستقبل القريب إن شاء الله المزيد من المساعي السياسية الحميدة التي من شأنها أن تساعد على حلحلة كافة الملفات والأزمات السياسية التي ما زالت عالقة على المستوى الإقليمي عموماَ»، وملاحظاً «التطورات الإيجابية الميدانية التي نشهدها في هذه الفترة على صعيد المنطقة ان كان على صعيد الساحة العراقية أو على صعيد الساحة السورية (…)».

إقرأ أيضاً: كاتبة إسرائيلية: على ماذا يدل هجوم نصر الله على السعودية؟

وجاءت زيارة بروجردي الذي عبّر عن «الاعتزاز بأن الزيارة الرسمية الاولى لي خارج البلاد بعد الانتخابات النيابية الايرانية هي للبنان الذي يمثل قلعة للمقاومة في المنطقة»، في غمرة المحاولات الداخلية لاحتواء «الأضرار» التي أحدثها هجوم نصر الله على السعودية والردّ العنيف عليه من الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري، وهو التطور الذي اعتُبر مؤشراً لا لبس فيه الى ان كل التحركات الداخلية في ما خص الاستحقاق الرئاسي محكومة بأن تعلق في «عنق الزجاجة» الاقليمي بالارتكاز الى معطييْن: الاوّل ان الاندفاعة الكلامية المتفلّتة من كل الضوابط للأمين العام لـ «حزب الله» أصابت في الصميم محاولات مرشح الحزب الى الرئاسة العماد ميشال عون لاستمالة «المستقبل» لانتخابه وطمأنة السعودية. والثاني تأكيد المرشّح الآخر سليمان فرنجية، الذي يؤيّده الحريري، انه ماضٍ حتى النهاية في السباق الرئاسي من على منبر الرئيس نبيه بري بما أوحى بثبات الأخير على تأييده فرنجية من فوق التفاهم النفطي الأخير بينه (اي بري) وبين عون.

وشكّلت الزيارة التي قام بها الرئيس الحريري مساء الاحد للرئيس بري (وتخللها عشاء) إشارة متقدّمة الى رغبة الجانبين في تفادي ان يؤدي المناخ المتوتر بين «حزب الله» و«المستقبل» بوصْفه انعكاساً لاشتداد الاشتباك الاقليمي في المنطقة الى تفجير طاولة الحوار الوطني التي دعاها رئيس البرلمان الى «خلوة ثلاثية» ابتداءً من اليوم وحتى الخميس لمناقشة حلّ للأزمة الرئاسية على قاعدة سلة متكاملة تشمل الرئاسة وقانون الانتخاب والحكومة الجديدة رئيساً وتوازنات وبياناً وزارياً الى جانب بعض التعيينات الحساسة وضوابط لإدارة السلطة.

إقرأ أيضاً: أموال بلدية صير الغربية لخدمة حزب الله حصراً

ورغم ان هذه الثلاثية محكومة بأن تخرج بلا تحقيق اي اختراق في ضوء تمسك قوى «14 آذار» وبينهم «المستقبل» باعتبار انتخاب رئيس مدخلاً لحل سائر الأمور العالقة بمعزل عن أعراف تشكل تعدياً على الدستور واتفاق الطائف، فإن ثمة رغبة داخلية واضحة في عدم بلوغ مرحلة «نعي» طاولة الحوار بل مدّها بـ «اوكسجين» يكون كفيلاً بشراء الوقت ريثما تنقشع الرؤية اقليمياً وتدق ساعة الحلّ لبنانياً سواء على البارد او «على الحامي». علماً ان تقارير صحافية اشارت الى ان الحريري أبلغ الى بري ان «المستقبل» متمسك أكثر من أي وقت باتفاق الطائف والدستور، وانه لن يقبل تحت أي شكل من الاشكال بالبحث لا بمؤتمر تأسيسي ولا بأي تعديلات أخرى، وهو ما شكّل جوهر العريضة الوطنية التي أطلقها الامين العام لـ «14 آذار» فارس سعيد «رفضاً لأي تعديل في النظام اللبناني المرتكز الى الطائف»، واضعاً إياها في إطار «النداء التحذيري للمشاركين في الحوار الوطني كي لا ينزلق أحد نحو المطالبات بتغيير النظام السياسي اللبناني».

السابق
عن لمسة الحنان لـ «أسماء الأسد»
التالي
هناك نوع من التوتر لبعض الأبراج وهذا ما عليها أن تفعله..