الحضور المسيحي ضمانتي كمسلم

هاني فحص

إني على اقتناع بأن الإرشاد شأني كمسلم أولاً او ثانياً. وربما هو شأني الأول، لأن الحضور المسيحي والشراكة معه هي ضمانتي كمواطن مسلم، شيعي أو سنّي، أو كمسلم مواطن، وهو ضمانتي المعرفية في معرفتي لذاتي المشروطة بمعرفة الآخر، وهو ضمانتي الوجودية أي سلامة وجودي وكمالاته.

اقرأ أيضاً: الخوف على الأقلية والخوف على الأكثرية

وبناء على ذلك، دعوتُ إلى شراكة إسلامية – مسيحية لحمل الإرشاد وتفعيله، تُشبِه وتزيدُ عن الشراكة في إعداده الذي تُوِّج بحضور ممثلين مسلمين في جلسات السينودوس الصادر عنه الإرشاد في روما، مشمولين برعاية قداسة البابا وفرحه بوجودهم.
وتماديت في التعبير عن غبطتي بالإرشاد إلى حدِّ أني كاشفت بغيرتي، من خلال دعوتي إلى إرشاد إسلامي لبناني يُتمِّم الإرشاد بالمعنى الموضوعي والعملي، أي إبداء الاستعداد لتحمُّل المسؤولية بالشراكة والمحبة من أجل العدالة. فهل صحيح أن المسيحيين العرب، الذي كانوا أساتذة في تعليم الحرية والحداثة إلى حدّ اتهامهم بالتغرّب ظلماً، هم منحازون إلى المستبدِّ والاستبداد، لأنه يضمن سلامتهم؟

اضطهاد المسيحيين
هذا كان يمكن أن يكون مأخذاً إسلامياً عليهم، ومنّي أيضاً، لو كان واضحاً للجميع أو للأكثرية، أو لي على الأقل، أن الآتي بعد الاستبداد هو ديمقراطية حقيقية وعميقة ودول حديثة وقانون وحريات وحقوق الإنسان. علماً بأن دولة الشريعة الإسلامية الموعودة لا تطمئن المسلم إلى شرعيتها، بل يمكن – كما في ذاكرة المسلمين – أن تكون شرعيتها ذريعة لاستبداد ديني أو مذهبي، هو في التجربة أسوأ أو أشرس وأبشع من أي استبداد. والمسيحيون يعرفون ذلك أيضاً، لأنه جُرِّب فيهم وباسمهم تاريخياً، وتورَّطت فيه الكنيسة ثم تحرَّرت وحُرِّرت بالدولة المدنية، دولة الحق والأفراد، على أساس المواطنة. ومن يضمن، أمام أسباب ضعفنا وتخلفنا، ألا يعود الغرب، بإملاء من مصالحه وضروراتنا، إلى مشاركتنا في إنتاج الاستبداد بالديمقراطية وإلغاء الحرية بالحرية؟
أعتقد وأرجو ألا أكون مخطئاً بالقول إن شعوبنا، والأجيال الأكثر تنوُّراً من هذه الشعوب، إذا ذاقت حلاوة إسقاط الاستبداد فسوف تستمر في الاعتراض والاحتجاج لإسقاط المستبدين الجدد. ومن هنا، قد تطول المسيرة وتكثر الخسائر، ولكن ما حدث لم يكن مفاجئاً إلا لمن لا يرون ما خلّف القهر في قلوب المواطنين من غضب ينتظر لحظته.
لقد أطلْتُ في هذا الأمر. ولكني كمسلم يقرأ قلق الإرشاد على الحضور المسيحي، القلق الوقور والمسؤول، أعلن أن قلقي على الإسلام والمسلمين من غياب أو تراجع المسيحي في بلاد العرب والشرق الأوسط والمشرق عموماً، يعادل قلقي على المسيحيين.

اقرأ أيضاً: لتشكيل ورش للمصالحة بين المواطنين

لقد أنتج التاريخ لوناً من التشارك في الكينونة والصيرورة بيننا، بحيث أصبحت المعادلة في أن نكون معاً أو لا نكون. وليس الكينونة هي مجموعات الأجساد والأعداد. إنها المعنى أيضاً أو الروح، بل هي الروح أي المعرفة والإبداع والحياة أيضاً، لا بل أولاً.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
المعارضة السورية توحّدت وهجمت… وحلب خط أحمر تركي
التالي
أموال بلدية صير الغربية لخدمة حزب الله حصراً