إبتلعوا الحبة المرّة لـ«داعش»

ثلاثة اعوام على بداية الحرب ضد “داعش” الذي أعلن قيام دولته في بداية حزيران من عام 2014، هذا يعني ان ما يجري منذ ذلك التاريخ، يشبه حرباً عالمية تنخرط فيها عشرات من الدول ولكن دون التوصل الى حسم أو إنتصار حتى الآن!
بالعكس مع إنتشار الداعشية حول العالم، ووجود مئات وربما آلاف ممن يسمون “الذئاب النائمة” في كل المجتمعات تقريباً، ومع حقيقة ان هذه الذئاب باتت تتحرك تلقائياً لتنفيذ جرائمها، من المستحيل فحص رؤوس كل هؤلاء الإرهابيين، الذين أثبتت السوابق ان بعضهم كان مواطناً دمثاً ومسالماً ثم فجأة تحرك الذئب في داخله، أمام هذه الوقائع الصادمة لا يتردد المرء في القول إننا أمام حرب عالمية مستدامة لن تنتهي غداً.
الحربان العالميتان الاولى والثانية كانتا بين دول وجبهات وجيوش وإستغرقتا معاً ثمانية أعوام، والحرب ضد “داعش” قد تستغرق أكثر من الحربين العالميتين وقد تستمر عقوداً لأنها تشن على مجموعة من الأبر القاتلة في اكوام هائلة من التبن الذي هو المجتمعات.
على صعيد حسابي صادم طبعاً أقول، سيبقى عدد الضحايا الذي يقتلهم الارهاب أضعاف عدد الارهابيين الذين تقتلهم الأنظمة والدول، فالذي دهس 84 مواطناً في نيس كان واحداً، والذي يدخل بحزام ناسف الى مجمع ويقتل العشرات يبقى واحداً أيضاً، ولهذا فإن طقوس ومتطلبات الحرب على الإرهاب ستدفع الحضارة الانسانية وأنظمة الديموقراطيات، الى التراجع نسبياً على صعيد مساحة الحريات ومساحات الانفتاح بين المكونات الاجتماعية وحتى بين الدول، وهذا نزول ولو جزئياً عن قمة سلم الحرية والحضارة في اتجاه نوع من الظلامية.
انا لا أقول إن أبو بكر البغدادي سيدعوش العالم والحضارة الانسانية، لكنني أحاول القول إن مستلزمات وشروط قتال عدو مجهول يكمن في داخل النسيج الإجتماعي، ستفرض بالضرورة تغييرات غير مريحة في نمط حياة المجتمعات.
وفي هذا السياق، إن انزال عشرة آلاف من الجنود الفرنسيين إضافة الى اعداد رجال الشرطة في باريس، لن يبقي حرية الحركة وإنتقال الباريسيين كما كانا، وإن الحصول على تأشيرة لدخول أي بلد بات يتطلب جهداً مضاعفاً في التدقيق من هذا البلد ويزيد معاناة المسافر.
ولا أغالي اذا قلت إن التحدّث باللغة العربية في أي مطار أو منتجع غربي بات نوعاً من المغامرة التي تستوجب التدقيق، ولا أكشف سراً اذا قلت إن كاهناً عربياً أوقف ثلاث ساعات في أحد المطارات لمجرد أنه ملتحٍ!
الحرب على “داعش” ستطول جداً، وستترك بصمات داعشية سوداء على صفحة الحريات والديموقراطية، انها كما قال وزير الخارجية الالماني توماس دو ميزيير حبة مرة وعلى العالم ان يتجرعها!

(النهار)

السابق
نصرالله : بعد حلب مكة
التالي
البرازيل تعتقل لبنانيا مرتبطا بحزب الله متهم باتجار المخدرات