هكذا كان إيماننا قبل إيمان الظلم ومصادرة الحقوق

الايمان
عندما كنا صغاراً كان الدين الذي تعلمناه في سلوكيات أهالينا أنهم كانوا يقيمون الصلاة في أوقاتها ويصلون من أجل أرواح أهاليهم ومن أجل كل من غادر هذه الفانية من الأحباء! كانت مخافة الله التي علمونا إياها هو أن لا نكذب وأن لا نسرق وأن لا نؤذي وأن ولا نمارس فعل النميمة ضد أي من الناس حتى ولو كان يعتبر نفسه من الأعداء ويعتبرنا أعداء!

كان رمضان شهر الصوم يصومه من أراد إلى ذلك سبيلاً ولم يكن هناك أي أساليب أو ممارسات على إكراه أي كان! كان فطور رمضان يتكون من نوعٍ واحدٍ من الطعام يصادقه الفتوش صيفاً وفي الشتاء تكون الصداقة لنوعٍ من الحساء! كان شراب قمر الدين زينة المائدة وكانت النمورة أو صينية البطاطا الحلوة المحشوة بالجوز أطيب الطيبات! كان علينا قبل الفطور أنا وأخوتي أن نحمل الصحون إلى الجيران العجائز الذين يعيشون وحدهم ونطمئن عليهم قبل أن نُقبل على الطعام! كان والدي يجلسنا حوله بعد العشاء ليقرأ لنا دعاء كُميّل وكنا نجد ذالك من أجمل ما يمكن أن يحدث في الأمسيات! كان السحور لبنة مكبوسة في الزيت في قوارير الفخار وزعتر وزيت وزيتون وشاي!

كانت ضيافة العيد سدور المرشوشة المحشوة بالجوز من يدي الحاج زينو وزوجته التي لم يكن لها مثيل، إضافةً إلي المُشبك والنمورة الذين لم يأت بعدهم مثيل والذين لم يستطع أحد أن يقلدهم بعد بالرغم من محاولات الأبناء والأحفاد!

كانت تسلية السهرات الكستناء المشوية على “الصوبا” شتاءً والحمص المبلول المملح والمشوي بالمقلاة صيفاً! كانت أمي تصنع كل شيء بيديها وتجلس تخبز الخبز المرقوق من منتصف الليل حتى الصباح وكانت تتعوذ من أكل السوق وتعتبر أن في الأمر مهانةً من نوعٍ ما!

لم تكن قد درجت بعد الخيم الرمضانية ولا الدليفري ولا كل المظاهر الفارغة التي أفرغت كل شيء من محتواه!

شهر رمضان

لم يحدث يوماً أن أجلسنا أهالينا ليبينوا لنا أن هناك فروقات بين هذا الدين وذاك وكان لنا دائماً أصدقاء أحباء جداً وما زال من مختلف الأديان! أرسلنا أهالينا نحن أولاد الإسلام إلى مدارس الراهبات والرهبان لأنهم بحسب رأيهم وقناعاتهم كانت مدارس جيدة للتعليم والتربية ولتهذيب نفس الإنسان!

في المدرسة كنا ننضم نحن والآخرين من الطلاب الإسلام إلى زملائنا المسيحيين في صلاة الأحد ونشارك زوار الكنيسة في القداس!

كان الإيمان يعني أن نُقيم احتراماً خاصاً ومميزاً للبسطاء والمهمشين والفقراء من الناس وأن لا نتكبر وأن لا نتذمر وأن لا ننظر إلى ما يملكه غيرنا وأن لا نحسد وأن لا نغار! كانت عاشوراء قراءات روحية وراحة وبسكوت وفي نهايتها هريسة يسهر عليها الجميع طوال الليل ونحن نشارك في شوي البطاطا تحت نار حلل النحاس الضخمة ونقضي الليل في أكل ابطاطا المشوية حتى يغلبنا النعاس وننام لنستقيظ عند الصباح بعد ما يعرف “بالفلة” أي نهاية عاشوراء ولنشارك في توزيع الهريسة وكانت عاشوراء فقط عشرة أيام!

اقرأ أيضاً: ماذا بعد التحريض على مخيم «عين الحلوة»؟

الحمد لله أننا عشنا مع أهالينا الذين غادرونا قبل أن يكونوا شهوداً على ما وصل إليه هذا الزمان، في زمنٍ لم يكن فيه الفجور والظلم والقتل والإستبداد ومصادرة حقوق وحريات وكرامات الناس تعاليم كما يدعي المزورون والتجار من تعاليم دين الله…

 

السابق
بالصور: إنتحار عاملة أثيوبية في الجديدة..
التالي
السفارة المصرية في تل أبيب تختار نتنياهو ضيف حفلها للاحتفال بـ 23 يوليو