دمشق والدمشقيون

على مسؤوليتي، دمشق قد لا تعود كما كانت واسعة. نسأل الله أن تعود.
يقول عبد الرحمن السامي عن دمشق: “الهيئة الاجتماعية في هذه المدينة على حالة حسنة رضيّة، فإن الناس على اختلاف مذاهبهم وشدة تمسكهم بأديانهم، يعيشون مع بعضهم بالتودّد والألفة. ويطبّقون سلوكهم على مبادئ الحب والسلام، ويتعاملون بالحُسنى. وقد ازداد ذلك بينهم توثّقاً بعد حوادث سنة 1860”.

اقرأ أيضاً: وباء العصبية

وإن شاء الله، تعود التجربة كما كانت، بعد هذه الانتكاسة التي تحصل في سوريا الآن. لقد كانت حوادث 1860 نقطة سوداء في تاريخ مدينتهم. لكنهم لم يعودوا الآن ينظرون إلى اختلاف الدين، بل إلى جامعة الوطن ووحدة التبعة. وكلهم عالم بأن سعادته وراحته موقوفتان على إخلاصه لدولته وأخيه في الوطنية. ولذلك كنا نرى لسان حال كل منهم يقول: “إذا اختلفت مذاهبنا، فإن الحب جامعنا”.
واما في مجتمعاتهم العمومية والخصوصية، فلا ترى الناس إلا برباط الوداد و + ة، يحترمون بعضهم بعضاً. وكل يراعي أحاسيس أخيه بما يدل على أدب صحيح وتمدّن اكيد. ولذلك لا ينجم عن اجتماعهم، حتى ولو اجتمع ألوف من الخلق، مخاصمات وقلاقل، وإن حدث في بعض الأحيان شيء، فذلك إفرادي لا عبرة له. وهو مما لا تخلو منه مدينة من أعظم مدن العالم تمدّنا وحضارة.
يتفاوت الناس في دمشق ثروة ومعرفة، إلا أنهم يتساوون جمالاً وظرافة. فالجمال وُزّع بينهم توزيعاً عادلاً، فكان في جميع مراتبهم وطبقاتهم على السواء. وقد زاد رونق جمالهم في نظافتهم ولطف طباعهم.

دمشق
دمشق

وفي الإجمال، إنهم يُحسبون بطبقة عالية من الجمال بين الشرقيين. وقد حسبهم أهل السياحة مثال الجمال الشرقي، حيث قالوا: ونساؤهم أجمل من رجالهم. وكثيرات من غير الفتيات منهن يشتغلن في مهن النساء لمشترى ملابسهن، بدليل ما كان مكتوباً على باب البريد، وهو من أشهر أسواق دمشق:
عرّج ركابك عن دمشق فإنها بلد/ تذلّ له الأسود وتخضعُ
ما بين جابيها وباب بريدها/ قمر يغيب وألف بدر يطلعُ
أما أخلاق الدماشقة بالإجمال فحسنة رضيّة. وهم يوصفون بالكرم واللطف ويميلون إلى السلامة والتودُّد، ويحبون الانشراح والسرور. وهذه الميول نجدها بكل طبقاتهم ومراتبهم متأصلة.
ولذلك نجد الوقائع قليلة في هذه المدينة. ومعظم حوادثها تجري خارج المدينة، بين بعض الرجال الطُغمة الذين يسمونهم (معتَّرين). وهؤلاء الرجال، فوق ما عليهم من الشدّة، يتصفون بالمروءة والإنسانية.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
اسرائيل في احسن حالتها
التالي
وسقطت مقولة «حزب الله لا يترك أسراه» في القلمون