حتى لا ينصدم العونيون

لم يكن ليفاجئ البيان الصادر عن بلدية جبشيت بنقاطه السبع من هم على دراية بالعمق الايديولوجي والركائز الثقافية التي نشأ عليها حزب الله، ولا يزال يتمسك بها منذ اللحظات الاولى لانطلاقته والتي تشكل جزء اساسيا من تكونيه الفكري وبنيته العقائدية الاسلامية والتزامه المعروف بأحكام الاسلام وفتاوى الفقهاء إن على مستوى السلوك الفردي ووصولا لاهدافه الاستراتيجية الكبرى بالسياسة .
فبيان بلدية جبشيت، بالخصوص اذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما تمثله هذه القرية الجنوبية من تاريخ أهلها المحافظ وما شكلته وتشكله حتى اللحظة من قلعة حزبية منذ فترة الاحتلال الاسرائيلي للجنوب، ولا بد من التذكير ها هنا أن جبشيت هذه هي قرية شيخ الشهداء الشيخ راغب حرب، لنعرف حينئذ أن البيان آنف الذكر هو بيان طبيعي جدا وموافق للمواصفات البلدية الحزب اللهية تماما، ولا يشوبه اي شائبة، حتى أنني أتصور أن أهالي جبشيت لم يدركوا بعد سبب الضجة الاعلامية التي اثيرت حول ما جاء في متن بيانهم الى اللحظة !
فالطلب من محلات التسلية والكمبيوتر الاقفال لمدة نصف ساعة في اوقات الصلاة وكذلك الاقفال يوم الجمعة ( حيث تقام بجبشيت فقط صلاة الجمعة على غرار التي تقام بطهران وقم والمدن الايرانية ) يكاد يعتبر من صلب مهام بلديات حزب الله ان في جبشيت او حيثما وجدت، وهذا هو المعنى الحقيقي للامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا هو المصداق الحقيقي ( بحسب الفهم الديني السائد ) لنص الاية الكريمة “الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر” ، وهل سعي حزب الله بالامساك بأعناق ما يستطيع اليه سبيلا من بلديات الا لتحقيق هذه الغايات ؟؟
طبعا لست انا هنا في وارد التقييم لهذا الواقع او مناقشته حتى، وانما فقط في محل السرد والتوصيف منطلقا بعد ذلك لطرح سؤال فرض نفسه ان على قسم كبير من البيئة الحاضنة للحزب او على المندهشين من هذا السلوك الحزبي بسبب عدم درايتهم لواقع الحال .
وقبل طرح التساؤل عن سبب هذه الضجة التي اثيرت حول البيان الجبشيتي او حول ما يجري في داخل الكثير من القرى من سلوكيات يعتبرها البعض ( من جمهور الممانعة ) غريبة ودخيلة على الساحة الجنوبية لا بد من الاشارة الى وجود اشكالية ضخمة حول فهم حقيقة الخلفيات الفكرية للحزب، وقد ساهم الحزب نفسه بهذا الارباك وغموض الرؤية والالتباس في المقاربة، فقد اعتمد الحزب سياسة الازدواجية وثنائية الخطاب، ففي الوقت الذي يحافظ فيه على كل الادبيات والفهم الديني ضمن الاطر الداخلية وفي دوائره الضيقة من دون اي عملية تطور او مراجعة نقدية لمنظومته الفقهية والثقافية من بداياته الاولى على عكس ما يحاول ان يظهره في العلن، اللهم الا بعض السلوكيات القشرية البسيطة بخلفية اخفاء ما هو مستور فقط كتبني الخطاب الوطني او الاعتراف بالدستور اللبناني او حتى تغاضيه عن بعض السلوكيات ” المنكرة ” في اماكن نفوذه ويأتي هذا ليس عن تحول في البنية الفكرية وآلياته المنهجية وانما كفعل تكتيكي مرحلي تجنبا لحساسيات لبنانية يمكن ان تثار حوله وتحرج حلفاء له هو بالغنى عنها.

إقرأ أيضاً: قواعد السباحة في احكام الشريعة… «عيترون» أنموذجاً

طبعا فان حزب الله لا يخفي هويته الدينية ولا بنيته الفقهية وهو يجاهر حتى بانتمائه الفقهي لفكرة ولاية الفقيه وما لها من تشعبات قد تصل من خلالها لضرب كل مفهوم وطني بالمعنى الحديث للمصطلح، وبنفس الوقت فقد نجح الى حد بعيد في اضفاء حالة من اخفاء حقيقة معتقداته والتستر على ما يفكر فيه بالعمق، من خلال الاضاءة والتركيز على مشتركات لبنانية لا تتناقض بالظاهر مع حقيقة موقفه الديني ليس الا، ( فيمنع مهرجانات بعلبك مثلا تحت حجة الاوضاع الامنية وليس كونها فعل منكرات، ويسمح به بعد ذلك لضرورات سياسية وليس بسبب قناعته بحليتها ) حتى اذا ما جاءت ساعة الحقيقة واستتب له الامر اشهر حينها ما يضمره من دون الوقوع بحسب رأيه بجرم الكذب او الخداع والنفاق وقد نجح بهذه الثنائية الى حد بعيد حتى امام شريحة كبيرة من جمهوره وحلفائه .
ان ما جرى في جبشيت وعيترون والخيام، وما يجري بالضاحية والهرمل وبعلبك وكل مناطق نفوذ الحزب ليس جديدا ولا هو مستهجنا، بل هو منسجم تماما مع عقلية الحزب وما يريده، والاشكالية الحقيقية انما تكمن فقط بتسليط الضوء على هذه الاحداث ليس الا ولعل العتب هنا او الفضل لا ادري هو حصرا للسيد مارك زوكربيرغ والسوشل ميديا .

إقرأ أيضاً: عندما تتحوّل بلديات حزب الله إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!
ان البلدية بما تمثل من سلطة محلية بحسب التعريف القانوني توجب ” شرعا “على رئيسها الملتزم دينيا ان يمارس ما يعتقده وما يمليه عليه فهمه الفقهي وشأن حزب الله في ذلك هو شأن كل الحركات الاسلامية ، اظهر ذلك من خلال بيان او تستر عليه وهذا يعتبر من البديهيات الواضحات، وما يجري ضمن السلطة البلدية سيجري حتما على نطاق اوسع ابتداء باتحاد البلديات ووصولا حتى الى الامساك بكامل الجمهورية، هذه الحقيقة يجب ان لا تكون خافية على اللبنانيين وبالخصوص على حلفاء الحزب، بالاخص هنا على التيار الوطني الحر وجمهوره من “اهل الكتاب” ، فان من غير المسموح على العونيين ان ينصدموا في يوم من الايام اذا ما استطاع حزب الله السيطرة الكلية على لبنان وباشر ايضا العمل بمضمون الاية القرانية ” .. حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ” , من غير المسموح في ذلك اليوم على العونيين ان ينصدموا .

(لبنان الجديد)

السابق
كلنا مفتون…
التالي
علم الجينات يوجه الضربة القاضية لإسرائيل