استطلاع رأي: جغرافيا التطرف وإلى أي حد يمكن أن تُبرر الهجمات العنيفة على المدنيين؟

تترك الحروب داخل الدولة والعنف السياسي آثارًا مدمرة على حياة المدنيين الأبرياء. وعلى مر القرون الثلاثة الماضية، مثلت الوفيات من المدنيين أكثر من خسائر الحروب. ففي القرن العشرين وحده لقي عشرات الملايين من الناس حتفهم خلال الحربين العالميتين، والحروب الأهلية، والإرهاب السياسي، والاغتيالات السياسية. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، زاد مستوى اندلاع الحروب الأهلية في تلك الفترة. ومنذ مطلع التسعينيات بدأ العنف السياسي يظهر على نحو متزايد، خاصة في شكل هجمات إرهابية.

ويُشكِّل هذا النوع من العنف السياسي أسئلة ملحة وهامة في سياق الطفرة العالمية الحالية في الهجمات الإرهابية، وما يرتبط بها من القتلى المدنيين، وزيادة التكاليف الاقتصادية في الإنفاق على أنشطة مكافحة الإرهاب.

تُركّز الورقة البحثية الصادرة عن البنك الدولي في يونيو من العام الجاري والتي حملت عنوان “من يدعم المتطرفين في البلدان النامية؟”، والتي كتبها كلٌّ من إيلينا إيانتشوفيتشينا ويوسف كيندريبيوجو، الباحثان الاقتصاديان في مكتب البنك الدولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على مسألة ما إذا كانت هناك خصائص مشتركة بين الأفراد المتشددين الذين يبررون الهجمات التي تستهدف المدنيين الأبرياء. ولم تدرس الدراسة عملية التحول إلى التطرف، أو خصائص مرتكبي الهجمات الإرهابية، ولكنها تحاول البحث عن خصائص الأشخاص الذين شملهم استطلاع الرأي، والذين يعتقدون أن الهجمات الإرهابية على المدنيين مبررة.

تبرير الهجمات ضد المدنيين:

استخدمت الورقة البحثية بيانات استطلاع مؤسسة جالوب العالمية لاستطلاعات الرأي بين عامي 2006-2012 والتي تشمل الإجابة على السؤال التالي: إلى أي مدى يُمكن أن تبرر أخلاقيًّا الهجمات العنيفة على المدنيين؟

تكشف الإجابات التي تدرجت من (1) (الذين يعتقدون أن تلك الهجمات لا يمكن تبريرها على الإطلاق) إلى (5) (الذين يعتقدون أن مثل تلك الهجمات مبررة تمامًا)؛ عن مواقف الأفراد من العنف الشديد. وتوضح بيانات المسح الشامل معلومات مفصلة عن مجموعة من الصفات الفردية ووجهات النظر في العديد من البلدان النامية من جميع أنحاء العالم.

عكست العينة الكاملة التي تكونت من 30787 فردًا من 27 بلدًا ناميًا في خمس مناطق جغرافية حول العالم (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، جنوب آسيا، جنوب شرق آسيا، وآسيا الوسطى) مواقفَ الأفراد تجاه التطرف العنيف. وتعتقد الغالبية العظمى من المستطلعة آراؤهم في العينة (تقريبًا 74%) أن الهجمات على المدنيين لا يمكن تبريرها، بينما رأى حوالي 7% أن تلك الهجمات أقل ما يقال إنها مبررة، وحوالي 3.5 % ترى أن تلك الهجمات مبررة بشكل كامل. وتعتبر المجموعة الأخيرة الأكثر تطرفًا لأنها تبرر الهجمات على المدنيين بشكل كامل.

 

المناطق الجغرافية الأكثر تطرفًا:

تفاوتت نسبة المستطلعة آراؤهم الذين يدعمون التطرف العنيف بشكل كبير في مختلف المناطق والبلدان. وتعد منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الأعلى نسبة من حيث الأفراد الذين يدعمون التطرف من بين البلدان النامية؛ حيث إنهم مثّلوا أكثر من 10% من السكان المستطلعة آراؤهم خلال الفترة الزمنية من 2006-2012.

بينما مثّلت منطقة جنوب شرق آسيا ثاني أعلى منطقة لانتشار توجهات تدعيم المتطرفين، وفي كلا المنطقتين زاد انتشار مثل تلك الآراء بعد عام 2007. وفي منطقة جنوب شرق آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انخفضت نسبة الآراء الداعمة للتطرف، ووصلت إلى 2% من عدد السكان، لكنها ارتفعت بعد أحداث الربيع العربي 2011 لتصل إلى 4% .

كما تتفاوت الآراء ووجهات النظر حول التطرف في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والتي تتدرج من أقل من 0.5% في المغرب، إلى ما يقرب من 34% في جيبوتي، وبمتوسط يقارب 6% في جميع أنحاء العالم. وبالتالي، فإن انتشار توجهات الأفراد المتطرفة على الصعيد العالمي هو انتشار منخفض.

تحليل النتائج:

توصل التقرير إلى عددٍ من النتائج المهمة التي تحلل الخصائص المشتركة للأفراد المتشددين الداعمين للتطرف:

1- إن الأفراد ذوي التوجهات المتطرفة أغلبهم من فئة الشباب؛ حيث يزداد احتمال أن يحمل الشخص معتقدات متطرفة مع التقدم في السن خلال مرحلة الشباب، وتصل إلى ذروتها في سن 33، ثم تنخفض حدة تلك التوجهات وتطرفها بعد ذلك.

2- كما توصل التقرير إلى أنه يمكن تصنيف هؤلاء الأفراد الذين يحملون أفكارًا ومعتقدات متطرفة بين فئة العاطلين عن العمل، أو الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم الشخصية بالكاد، وغير المتعلمين، والأفراد غير المتدينين، حيث لا يلعب الدين بالضرورة دورًا هامًّا في حياتهم.

3- كما وجد التقرير اختلافات هامة، فخلافًا لمنطقة الشرق الأوسط، يُعتبر الأفراد ذوو التوجهات المتطرفة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا هم الأكثر فقرًا والعاطلون عن العمل، والأقل تعليمًا في بلدانهم أيضًا. وليس من المستغرب، أن تكون الجماعات الإرهابية قادرة على إقامة وجود دائم في هاتين المنطقتين الأكثر حرمانًا وفقرًا.

4-كما تثير النتائج التي توصلت إليها الدراسة الدهشة، حيث وُجد أن النساء مثلهن مثل الرجال لديهن وجهات نظر مؤيدة للتطرف العنيف الذي يستهدف المدنيين، وذلك يعني أن الاعتقاد نحو التطرف العنيف لا يختلف باختلاف النوع. كذلك المواقف تجاه التطرف العنيف لا تختلف كثيرًا بين الأفراد المتزوجين وغير المتزوجين، ما عدا في آسيا الوسطى، والتي زادت فيها توجهات التطرف بين الأفراد غير المتزوجين.

5-انتشار التوجهات المؤيدة للتطرف العنيف الذي يستهدف المدنيين كانت منخفضة نسبيًّا في بلدان الشرق الأوسط حتى عام 2011.

6- تُبدد نتائج الدراسة أسطورة أن المتدينين بشكل عام هم أكثر عرضة للموافقة على العنف ضد المدنيين. لكن الدراسة قد وجدت أن من المرجح أن يزداد أعداد الأفراد المؤيدين للتطرف بين الناس المتدينين في آسيا الوسطى (طاجكستان، أذربيجان، قيرغيزستان). كما توصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الأفراد الذين على استعداد للتضحية بحياتهم من أجل معتقداتهم على اختلافها -سياسية، اقتصادية، اجتماعية، أو دينية- هم بشكل ملحوظ أكثر عرضة من غيرهم ليكونوا متطرفين في مواقفهم تجاه العنف.

7-والأفراد الذين هم على استعداد للمخاطرة بحياتهم من أجل حماية المدنيين الأبرياء هم الأقل عرضة لتبني مواقف متطرفة تجاه العنف، ومن بين هؤلاء ضباط الشرطة ورجال الأمن في بلدان العالم النامي.

ويلائم هذا التحليل ارتفاع الحوادث الإرهابية في جميع أنحاء العالم بوتيرة متسارعة، والتي تشير إلى أن هناك حاجة إلى تعميق فهمنا للمشاكل المعقدة المتعلقة بالعنف الشديد، وضرورة تكريس الجهود لجمع بيانات جديدة حول هذه القضايا.

 

المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية

 

السابق
ما هي قصة الوزراء الذين اعتذروا عن حضور قمة موريتانيا؟
التالي
ريفي اكد رفض ترشيح عون وفرنجية