المس بمشاعري

عندما يدور الحديث عن المس بمشاعر الآخرين يجب علي أن أكون أول من تتم مراعاة مشاعرهم. ومع ذلك تتم الاساءة لمشاعري يوميا وفي كل المجالات

مثل أي شيء انساني، اليهود فقط في اسرائيل لديهم مشاعر. بل للمتدينين فقط. فقط ممنوع المس بمشاعرهم. أما الباقون فلا مشاعر لهم، أو لا يجب الالتفات اليهم. لا يوجد أمر كهذا، المس بمشاعر العلمانيين، اليساريين أو مجرد ناس عاديين وبالطبع ليس العرب. مسيرة الفخار على سبيل المثال، قد تضر بمشاعر المتدينين، لذلك فهي لن تمر في الشارع الرئيس في بئر السبع، وفي القدس سيقوم رئيس البلدية اليوم بعدم الذهاب الى المسيرة من اجل “عدم المس بالمشاعر”. مسيرة الأعلام في المدينة تضر بشكل كبير بمشاعري في كل سنة، تملئني بالخزي الكبير، لكن مشاعر العلمانيين والليبراليين والعرب لا قيمة لها.
يتبين أن لي ايضا، غير المتدين ولست من الناجين من الكارثة ولا من العائلات الثكلى، توجد مشاعر. وهي تصاب بشكل كبير يوميا. ولا أحد يراعي مشاعري ومشاعر من هم مثلي. صحيح أننا أقلية، ولكن المتدينين ايضا أقلية. وبالتحديد الاقلية يجب مراعاة مشاعرها لأنها لا تملك الكثير، باستثناء مشاعرها.

إقرأ أيضاً: الإرهاب اليهودي ابن شرعي للسياسات الإسرائيلية
مشاعري تصاب بالضرر عندما يتسبب برنامج في الراديو حول شاعر كبير وغالي علي مثل محمود درويش، بعاصفة قومية قبيحة كهذه. أنا أصاب من التفكير بأنني أعيش في دولة، وزيرة الثقافة فيها هي ميري ريغف ووزير الدفاع فيها هو افيغدور ليبرمان.
أنا أُصاب حتى أعماق روحي من كل يوم اضافي للاحتلال وكل يوم اضافي من الحصار على قطاع غزة ومن كل يوم اضافي للاعدامات والاعتقالات والتعذيب والمصادرة والمستوطنات. هذا يلحق الضرر بمشاعري التي لا يراعيها أحد. أنا أُصاب حتى أعماق روحي مما يحدث هنا باسمي. أنا أُصاب كلما أصل الى الخليل وأشاهد حي الفصل العنصري هناك. أنا أُصاب عندما أزور مناطق الكهوف في جنوب الخليل وأشاهد التعذيب هناك. أنا أُصاب بسبب كل مستوطنة. إن كل جندي موجود على الحواجز يضر بمشاعري. إنهم يسببون لي الخجل. لا توجد زيارة لي في المناطق المحتلة دون أن تضر بشكل عميق بمشاعري التي لا يراعيها أحد.
أنا أُصاب من الاجواء الغير ديمقراطية والقومية المتطرفة التي سيطرت على بلادي، فهي تضر بمشاعري. عندما يتحدث يئير لبيد بقومية متطرفة تصاب مشاعري، وحتى عندما يتحدث روني دانييل فأُصاب عادة ولكن بشكل أقل. كل نشرة اخبار في القناة الثانية وكل عدد من صحيفة “اسرائيل اليوم” و”يديعوت احرونوت” هي اصابة لمشاعري. المكارثية في حزب العمل لـ ايلانا ديان أضرت بمشاعري. وأنا أجد صعوبة مع التحريض وغسل الأدمغة والتجاهل وتأجيج الغرائز في وسائل الاعلام الاسرائيلية المجندة. إنها تضر بمشاعري كانسان وكصحفي.

إقرأ أيضاً: الوظيفة اليهوديّة
طقوس الموت ايضا ليست سهلة بالنسبة لي. وتعذيب الافارقة الذين يطلبون اللجوء. التفكير بأن دولة اللاجئين لم توافق في هذه السنة حتى ولا على شخص واحد من بين الـ 15 ألف طلب لجوء، يثير في مشاعر الذنب. الفتك الذي تتعرض له حنين الزعبي يضر بمشاعري. “المعسكر الصهيوني” يضر بمشاعري. واحيانا الصهيونية ايضا. التفكير بأن نافا بوكر وعنات باركو هن عضوات في الكنيست، يضر بمشاعري، وزيرة العدل ايضا هي بمثابة مس بمشاعري، وايضا عند سماع نتنياهو وهو يقول إنه يريد السلام. وهدم المنازل والحصار الذي لا ينتهي على سعير ورؤية جاليات الرعاة في غور الاردن بدون مياه. والتفكير بمن تمت مصادرة خزاناتهم ورؤية المستوطنات المجاورة. التقاء عائلة شاب مريض نفسيا وعائلة شاب يعاني من متلازمة داون وطفل يعاني من الشلل الدماغي، ومعرفة أن الجنود قاموا بتعذيبهم أو باطلاق النار عليهم، كل ذلك يضر بمشاعري.
أنا أحتج على مشاعري. ولكن في المرة القادمة التي سيدور الحديث فيها عن المشاعر، يجب تذكر أن الجميع هنا لديهم مشاعر، حتى اولئك الليبراليين والعرب.

السابق
أي مرحلة تدخلها تركيا بعد «الانقلاب»؟
التالي
أدلّة تثبت وقوف غولن وراء الإنقلاب الفاشل