وثيقة أميركية لروسيا تربط محاربة «النصرة» ووقف النار بالانتقال السياسي

وضع وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمام نظرائه في الدول الأوروبية الرئيسية مسودة الاتفاق الذي حمله إلى الكرملين قبل أيام وتضمن اتفاقاً بالتوازي الثلاثي بين وقف شامل للنار والتعاون العسكري في محاربة «داعش» و «جبهة النصرة» وإطلاق الانتقال السياسي في سورية وحرمان الطيران والجيش السوري من حرية العمليات القتالية بدءاً منذ آب (أغسطس) المقبل، فيما وضع وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا على طاولة كيري وثيقة مبادئ الانتقال السياسي «من دون مستقبل» للرئيس بشار الأسد و «وجوب عدم ترشحه ومساعديه المقربين» في الانتخابات في نهاية المرحلة الانتقالية في منتصف العام 2017.

وبدا في وثيقتي «مبادئ الانتقال السياسي» و «مقاربة عملية للتعاون الأميركي – الروسي ضد داعش وجبهة النصرة وتعزيز (اتفاق) وقف العمليات القتالية» المنجز في شباط (فبراير) الماضي، اللتين حصلت «الحياة» على نصهما، وجود ما يشبه مقايضة، تضمنت دعم الدول الأوروبية للتعاون بين واشنطن وموسكو في الحرب ضد الإرهاب مقابل البحث الجدي بينهما لإطلاق عملية الانتقال السياسي بموجب «بيان جنيف» والقرار 2254.

وكان لافتاً أن وزير الخارجية البريطاني الجديد بوريس جونسون التزم الموقف التقليدي لبلاده، إذ قال عشية وصول نظرائه الأميركي والأوروبيين إلى لندن: «سأكون واضحاً في التعبير عن رأيي بأن معاناة الشعب السوري لن تنتهي ما بقي الأسد في السلطة. يجب على المجتمع الدولي بما في ذلك روسيا أن يكون متحداً في هذا»، لافتاً إلى «دور فريد» لموسكو في هذا السياق.

وكان جونسون، الذي استضاف عندما كان عمدة لندن احتفالاً لوضع مجسم لقوس النصر التدمري في العاصمة البريطانية، كتب في مقال صحافي بعنوان «برافو للأسد» في آذار (مارس) أشاد جونسون بالرئيس السوري لإنقاذه مدينة تدمر الأثرية التي تصنفها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) على أنها موقع للتراث العالمي، من أيدي «داعش». وكتب: «بصرف النظر عما إذا كان نظام الأسد بغيضاً -وهو كذلك- فإن معارضيه في داعش أسوأ بكثير جداً».

وبعد الاجتماع الوزاري أمس الذي شارك فيها وزراء خارجية إيطاليا وفرنسا وألمانيا ومسؤولة العلاقات الخارجية الأوروبية وتناول أزمتي سورية واليمن، قال: «على الأسد أن يرحل وهذا متفق عليه بين جميع القوى الغربية». وبارك ورقة عمل أنجزها كبار مسؤولي وزارات الخارجية في بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وتضمنت مبادئ الانتقال السياسي في سورية، أكدت «ضرورة إحداث تغيير جوهري في سورية من دون أن يكون للأسد أي دور في المستقبل وتأكيد على بقاء تركيبة الدولة على حالها، على رغم ضرورة إصلاح بعض المؤسسات المضطلعة في أعمال القمع»، إضافة إلى التأكيد على أنه «لن يكون هزم داعش ممكناً إلا ضمن إطار عمليّة انتقاليّة سياسيّة -تفاوضية عليها وإعلان نهاية الحرب الأهليّة».

 

«الأسد وكبار مساعديه»

وجرى الـتأكيد على مبادئ لسورية المستقبلية مستمدة من «بيان جنيف» والقرار 2254 بينها «سيادة سورية واستقلالها ووحدتها الوطنية ووحدة أراضيها» وأن تكون «ديموقراطية وتعدّديّة ولا طائفيّة» بموجب بيان «المجموعة الدولية لدعم سورية»، إضافة إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية من «الحكومة السورية الحالية والمعارضة ومجموعات أخرى» مع ضمان «بقاء المؤسسات الحكومية، بما يشمل القوات العسكرية والدوائر الأمنية مع إصلاحها لتعمل محترمةً حقوق الإنسان والمعايير المهنيّة، وتكون خاضعة لقيادة عليا تكون منبع ثقة للعموم. لكن عدا رحيل الأسد ومساعديه المقرّبين، لن تُفرَض أيّ قيود إضافيّة على تركيبة القيادة العليا».

وأكدت الدول الثلاث على التزام البرنامج الزمني للقرار 2254 للمرحلة الانتقالية لإجراء «انتخابات حرّة ونزيهة تشارك فيها أحزاب متعددة، وبعد وضع الدستور الجديد، لا بد من إجراء الانتخابات خلال 18 شهراً» أي بحلول منتصف العام المقبل. وأضافت أنه «خلال العملية الانتقاليّة، سيتم تحويل جميع السلطات التنفيذيّة إلى حكومة انتقالية. ومن بين الخيارات الأخرى للقيام بذلك، يمكن اتخاذ تدابير دستورية مرحلية لنقل السلطات من الرئيس إلى الحكومة الانتقالية» التي ستعمل مع المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب وأنه «لا بدّ أن يكون جميع عناصر الجيش وقوى الأمن خاضعين بالكامل لسيطرة السلطات الانتقاليّة الجديدة وأن يتم إصلاح القوى التي تُعتبَر الأكثر مشاركةً في أعمال القمع». وأضافت: «لا يمكن للأسد أن يشارك في انتخابات خاضعة لرقابة دوليّة، وبالتالي أن يرحل عن طريقها».

وبحسب مسؤولين غربيين، فإن هذا الموقف المشترك من الدول الأوروبية استهدف ضبط المفاوضات الأميركية – الروسية خصوصاً أن موسكو ترفض انخراط دول أخرى بما فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى وجود «قلق أوروبي من استعجال البيت الأبيض الاتفاق مع الكرملين قبل نهاية ولاية الرئيس باراك أوباما». وقال أحدهم: «الأشهر الأخيرة شهدت دائماً اقتراب الموقف الأميركي من موقف روسيا»، إضافة إلى تكرار موسكو أنها «لن تضغط على دمشق وأن تنحي الأسد يعني انهيار ما تبقى من المؤسسات». ونقل مسؤولون زاروا دمشق عن مسؤولين سوريين شعورهم بـ «الانتصار والتمسك على أن الميدان هو الذي يحسم المعركة. وبعد تطويق حلب وبعد زيارات لمسؤولين أمنيين غربيين، هم ليسوا في وارد تقديم أي تنازلات صغيرة ما بالك بتنحي الأسد، وهم لم يقدموا هذه التنازلات في ذروة الضعف في السنوات الماضية».

وخلال وجوده في لندن، تحدث كيري هاتفياً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف لاستكمال المحادثات في شأن الاتفاق العسكري الذي سلم مسودته إلى الكرملين الجمعة الماضي بالتزامن مع محادثات روبرت مالي مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي وألكسندر لافرينييف في سويسرا. وبحسب مسودة الاتفاق التي تقع في سبع صفحات وحصلت «الحياة» على نسختها الأخيرة أمس بعد نشر مسودة سابقة في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية قبل أيام، أن موسكو وواشنطن تبحثان في رفع مستوى التعاون أكثر من «إجراءات حماية الطيران» في الأجواء السورية ليصل إلى مستوى «التعاون المباشر» بين الجيشين وجهازي الاستخبارات ضد «النصرة» و «داعش».

اقرا ايضًا: طائرة الجولان التي لم تتجرأ «الممانعة» على تبنيها أو الاشادة بها

«مجموعة التنفيذ»

وتتضمن المسودة تفاصيل تشكيل «مجموعة التنفيذ المشتركة» في عمان وتركيبتها وعدد الضباط ومسؤولي الاستخبارات واللغة المستخدمة وأمور فنية. لكن كان لافتاً ربط الجانب الأميركي هذا التعاون بالدفع لإطلاق عملية الانتقال السياسي في سورية، إضافة إلى وضع عمليات الجيش السوري تحت «إمرة» مجموعة العمل بحيث تحصل على تفاصيل تحركات الجيش والطيران السوري قبل يوم على الأقل وأي تغيير يحصل على البرنامج اليومي للعمليات البرية والجوية. وجاء في المسودة: «(طيران) النظام (السوري) ممنوع من التحليق فوق المناطق المحددة التي تتضمن مناطق النصرة أو مناطق بحضور قوي للنصرة أو مناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة أو تضم بعض عناصر النصرة» باستثناء عمليات الإخلاء الطبي والعمليات الإنسانية.

كما تضمنت المسودة ملحقاً بعنوان: «مقاربة للتعاون العملي بين الروسيين والأميركيين ضدّ داعش وجبهة النصرة وترسيخ وقف الأعمال العدائية» وضع أولى الأولويات «تحديد الأراضي الواقعة تحت سيطرة داعش وجبهة النصرة وقوى المعارضة المعتدلة، بحيث لا تجد النصرة لنفسها ملاذاً آمناً في أي مكان داخل الأراضي السوريّة»، إضافة إلى تعهد روسيا وأميركا «العمل بالتوازي لإنفاذ العملية الانتقالية السياسيّة التي نصّ عليها قرار مجلس الأمن رقم 2254».

وتضمن الاتفاق بنوداً بينها «إعادة العمل بوقف الأعمال العدائية وتحديد هدف بتحقيق المستوى الذي تمّ التوصّل إليه في أواخر شباط الماضي واستمراره لمدّة أقلّها سبعة أيّام، على أن تشكّل الولايات المتّحدة وروسيا فريقاً مشتركاً لتنفيذ الاتفاق، يضم خبراء متخصصين بسورية ومحترفين يملكون خبرة في مجال الاستهداف». وسيتم إنشاء الفريق المشترك لتنفيذ الاتفاق في موعد محدد لتحقيق مهام بينها «العمل قدر الإمكان، خلال فترة لا تزيد على خمسة أيام على إنجاز خريطة مشتركة للأراضي التي تكثر فيها تكتّلات جبهة النصرة، بما يشمل مناطق تكتّلات جبهة النصرة القريبة من تكتّلات المعارضة، بهدف تطوير أهداف محددة» وتبادل «معلومات استخباراتية وتطوير أهداف عمليات عسكرية قابلة للتنفيذ ضدّ جبهة النصرة، بما يشمل، على سبيل المثال لا الحصر، أهدافاً قيادية، ومخيّمات تدريبيّة، ومخازن لوجستيّة، وخطوط إمدادات، ومقرّات رئيسيّة».

كما تضمنت «تحديد مجموعة أهداف للغارات الجوّية التي ستشنّها القوّات الجوّية الروسيّة و/أو القوات العسكرية الأميركية: تكون على صلة بعمليّات جبهة النصرة في المناطق المحدّدة» وأنه قبل إنشاء الفريق المشترك لتنفيذ الاتفاق، سيعمل خبراء تقنيّون قادمون من الولايات المتّحدة وروسيا على تسجيل الإحداثيات الجغرافيّة للمواقع التي تمّ تحديدها، بحسب ملحق المسودة. ونصت أيضاً على «استحداث آليّات لمراقبة وتنفيذ وقف الجيش السوري لأي نشاط جوي عسكري فوق المناطق المحدّدة… وإيقاف جميع النشاطات العسكرية الجوية السوريّة – قاذفات ومروحيات – في المناطق المحدّدة التي تمّ التوافق عليها، مع بعض الاستثناءات المناسبة لغايات غير قتاليّة» وأنه «في حال تسجيل نشاط عسكري سوري يتعارض أو غارات جوية تتعارض مع ذلك سيتم إخراج أي طرف مشارك من الفريق المشترك لتنفيذ الاتفاق». لكنها أوضحت أنه «باستثناء التهديدات المحدقة التي تواجه الولايات المتحدة أو روسيا عن كثب، التي يستحيل فيها التوافق مسبقاً على هدف، لن تتصرّف روسيا والولايات المتّحدة إلاّ ضدّ أهداف جبهة النصرة المتّفق عليها مسبقاً وفي أعقاب إجراءات مناسبة تتم عبر قنوات إزالة التضارب القائمة» على أن يعمل الطرفان لاحقاً لـ «تعزيز الجهود المستقلّة والمتزامنة ضدّ داعش».

ووضع الجانبان 31 تموز (يوليو) موعداً، أي عشية موعد بدء المرحلة الانتقالية بموجب القرار 2254، لـ «حلّ المسائل المترابطة الثلاث» وتشمل «تعاوناً عسكرياً واستخباراتياً لهزم داعش وجبهة النصرة وترجمة وقف الأعمال العدائيّة إلى وقف إطلاق نار مستدام على نطاق الوطن كلّه، يُطبّق على مراحل خلال العمليّة الانتقالية السياسيّة، ويشمل تدابير حول مواقع القوّات وفصلها، والتحكّم بالأسلحة الثقيلة، وتنظيم تدفق الأسلحة إلى سورية، والإشراف والتأكّد المستقلّين، والتنفيذ»، إضافة إلى «وضع إطار عمل للعملية الانتقالية السياسية يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، على أن يشمل تدابير حول كيفية وموعد تشكيل حكومة انتقاليّة ذات سلطات تنفيذية كاملة، يتم تشكيلها على أساس التوافق المتبادل، وإصلاحاً للمؤسسات الأمنية والاستخباراتيّة، وتنظيم عمليات دستوريّة وانتخابيّة».

ولا تزال واشنطن تنظر رد موسكو على هذا الاقتراح الذي يتطلب مشاورات بين مسؤولين روس والحكومتين الإيرانية والسورية لتعلقه بنشاط القوات النظامية السورية وأنصارها، إضافة لتعلقه في بحث الانتقال السياسي واحتمال استئناف مفاوضات جنيف في الشهر المقبل.

(الحياة)

السابق
سرقة «البوكيمونات» تشغل الشرطة البريطانية!
التالي
الأهوار العراقية الخلابة… عادت من جديد