تموز 2006.. يا فرحة ما تمّت

مشهدية الإنتصار التي دبّرها “حزب الله” في نهاية حرب تموز 2006، من سيارات حاملة علامات النصر عائدة إلى الجنوب، إلى صراخ “النصر الإلهي الإستراتيجي التاريخي” في مهرجان حسن نصر الله بعيد هذه الحرب، والتطبيل والتزمير الإعلامي بهذا الانتصار، فضلاً عن الموجة الشعبية العربية العارمة، المتعاطفة، المبهورة، بأن اسرائيل لم تسحق “حزب الله”… كل هذه “النتائج” المبهجة لبطولات الحزب، والزلْغطة والتصفيق والرقص على أنغام إلهية الإنتصار وتاريخيته… كل هذا لم يكن مقنعاً. كنتَ إذا أردت ان تقتنع بأننا فعلاً انتصرنا على إسرائيل.. نحن، أي الشعب اللبناني، كان عليك أن لا تفرق بين لبنان وبين “حزب الله”. فالذي انتصر في هذه الحرب انما هو “حزب الله”؛ أي انه حافظ على كيانه السياسي-العسكري، ولم يُصَب بالإنهيار. لكن، أيضاً، لم يكن ممكناً لك ان تحرم أذنيك من سماع تصريحات الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، بُعيد هذه الحرب، ومعه مسؤولون من “الحرس الثوري”، يعلنون بشموخ واعتزاز بأنه صارت لهم “أذرع” في جنوب لبنان تطاول اسرائيل، وبأنهم، بذلك أيضاً، اقتربوا من مياه البحر المتوسط.

اقرأ أيضاً: تموز 2006: آخر حروبنا العمومية

فإذا كان صحيحاً وقتها بأنه ثمة انتصاراً، فهو بالمعنى المشار اليه وحسب، ومنذ الأيام الأولى لوقف النار بين اسرائيل و”حزب الله”. انه انتصار إيران الإسلامية “المناضلة ضد الإستعمار والصهيونية”. وما أكد على هذا الإنتصار، بعد خمس سنوات على حصوله، هو انخراط “حزب الله” في سوريا وبعد ذلك في العراق واليمن والبحرين… حيث بات لإيران اليد الأخطبوطية في المنطقة، فتعزّزت “مكانتها” الدولية، ما سمح لها بالخروج من الإختناق الاقتصادي وتوقيع الاتفاق النووي مع “الشيطان الإمبريالي الأكبر”.

حرب تموز بنت جبيل

ولكن يا فرحة ما تمت! فروسيا لم تنتظر أن يجفّ حبر هذا الإتفاق، حتى غزت سوريا وباتت شريكاً مضارباً لإيران في الحصة التي يمكن ان تحصل عليها من هذا البلد المذبوح. حتى هذه اللحظة، كان يمكن ابتلاع السمّ الروسي، على اساس “شراكة استراتيجية”، ونوع من الإنجذاب المتبادل، ومن الخطابية المشتركة بخصوص “الجوكر” الفلسطيني، و”مقاومة المشروع الأميركي في الشرق الأوسط”.

أما أن تأتي إسرائيل، فتعقد إتفاقات مع هذه الروسيا نفسها، وتنظم معها مناورات مشتركة، وتتفق معها على تنسيق عسكري واستخباراتي في سوريا… فهذا ما لا يُبلع بسهولة لمن خرج منتصراً عليها منذ عشر سنوات. لم تعد إيران المستفيدة الوحيدة من الخراب العربي، ولا صاحبة الحصة الأكبر من حروبه الأهلية والإرهابية. فكما أن السلبيات تأتي دفعة واحدة، كانت تركيا البلد الثاني الذي يطرق أبواب اسرائيل بمصالحة حول عملية سفينة “مرمرة”، واستعادة العلاقات الطبيعية، مع ابقاء “الجوكر” نفسه في فلسطين، وطموح بإقامة نوع من الوصاية على غزة، إذ نصّبت تركيا نفسها بطلة أخرى في التكلم عن مصالح أهل فلسطين وحياتهم.

عند هذا الحدّ، يمكن لإيران إبتلاع الجرعة. أما ان تخرج اسرائيل بعد ذلك نحو أفريقيا، فتعقد اتفاقات مع اثيوبيا بالذات، التي تعتبر بالنسبة إلى مصر سارقة مياه نيليها… فهذا ما لا يحتمله عبد الفتاح السيسي، الغارق في فراغ سياسي رهيب. فما كان منه إلا أن أرسل وزير خارجيته، سامح شكري، يتكلم مع الإسرائيليين بخصوص مفاوضات ودولة فلسطينية (“الجوكر” نفسه) و”سدّ النهضة” الاثيوبي، بعدما كان يتعاون معها في “محاربة الإرهاب”. فكان التهليل الأكبر لإسرائيل، بمسؤوليها وصحافتها، ترحيب بالإنتصار على إيران، من انها لن تكون لها الحصة التي تصورتها في بداية دخولها هي وميليشياتها إلى سوريا لقتل الشعب السوري باسم محاربة الارهاب.

ما كان لإنتصار إيران ولذراعها العسكري اللبناني في نهايات حرب تموز 2006، أن يسيل لعابها للسيطرة على أراض عربية توصلها الى مياه المتوسط؛ ما كان لهذا الانتصار ان يدوم، ولم تعد هي اللاعب الوحيد، المحتكر الوحيد للعبة. إسرائيل، منافستها الرئيسية في الهيمنة على المنطقة وتدميرها، باتت الدولة المشرقية الوحيدة الطبيعية المتنعّمة بالسلام والإستقرار، رغم حرب السكاكين. فوق انها خرجت من عزلتها السابقة، وتمكنت من نسج كل العلاقات المفيدة لمزيد من إزدهارها وأمنها. بل صار لإيران منافسون جدد-قديمون للقضية التي درّت عليها أنهاراً من العسل والخمر. فبات عليها الإقرار بتقاسم النفوذ على دولنا المنهارة، مع روسيا، مع تركيا، مع مصر؛ وربما لاحقاً مع إثيوبيا، التي ستتحول بعد تشغيل الكهرباء عبر “سدّ النهضة” إلى قوة إقليمية أفريقية أولى.

وسط كل هذه التبدلات، المحمولة طبعاً على حروب سبقتها، هل ما زال ممكناً التصديق بأن حرب تموز 2006 كانت نصراً “إلهياً، و…، و…”؟ هل ما زال الممانعون الغاطسون في حروب العراق وسوريا يصدقون بأنهم، نتيجة هذا الإنتصار، قاب قوسين أو أدنى من “محو إسرائيل عن الخريطة”؟

ثم بأي ذنب زُجّ لبنان في هذا “الإنتصار”، فدفع ثمنه باهظاً في كل شيء؟ بحيث بلغ أبواب غرفة الموت، يترقب حكم إعدامه، كما أُعدمت شقيقاته المشرقيات السورية العراقية؟

(المدن)

السابق
من اغتصب طرابلس؟
التالي
تظاهرة في عمشيت احتجاجا على توقيف عناصر من شرطة البلدية