من صَنَع «القاعدة» و«داعش»؟

لم تكن العملية الإرهابية التي نفذها «داعش» في الحرم النبوي في المدينة المنوّرة، هي الأولى من الجهة المذكورة ولا من الحوثيين، ولا من «القاعدة». ونذكر هنا أن أولى الضربات التي نفذتها «القاعدة» عام 1991 (عندما انتقل بن لادن إلى السودان). كانت في أفريقيا، وفي السعودية، وليست في أوروبا أو أميركا… فهناك إذن ثلاث جهات معادية للمسلمين العرب وللسعودية، وكلها مرتبطة بالنظام الإيراني، مباشرة أو غير مباشرة (بعض قادة «القاعدة» يقيمون في إيران بصفتهم معتقلين!). وحول هذه الجماعات الإرهابية يلتفّ بإعلامه وسلاحه ومرتزقته نظام ولاية الفقيه «الإلهي»، وكلنا مطلع على الحملات التحريضية التي تتولاها إيران، وحزبها «الإثيري» بقيادة السيد حسن نصرالله على المملكة، التي صارت بالنسبة إليهم «إسرائيل» وأدهى، وأفدح! فالعمليات الإرهابية التي تضرب المملكة تمهّد لها حملات تلفزيونية وصحافية وحزبية وسياسية، إنها الجبهة الأخرى التي تمهّد للعنف ليس ضد السعودية فقط وإنما ضد العرب والعروبة والأكثرية الإسلامية. وهل ننسى مواقف بعض الدول الغربية وتفسيراتها وتذبذب أوباما وانحيازه ضد العرب والمسلمين والمملكة (كأنه نسي خطاب القاهرة الذي ألقاه في بداية ولايته الأولى)، ورفضه التدخل للحد من استفراس «الحرس الثوري«، و«حزب الله«، والنظام السوري في الثورة السورية في انطلاقاتها السلمية الأولى وتظاهراتها! رفض أوباما ذلك قبل ظهور «داعش« وبعده… وحتى الآن مدفوعاً بكراهية معلنة في أكثر من مناسبة عن مواقفه السلبية من الثورة السلمية و«الجيش الحر«… والمعارضة وإرادة الأكثرية السورية، ليفسح بذلك المجال لتظهير «داعش»… الذي بدأت طلائعه بالظهور بعد عامين ونصف العام من بداية الحرب على الشعب السوري. «فالقاعدة» و»داعش» والحوثيون… و«حزب الله« هي من صنائع الغرب أولاً (القاعدة)، وإيران وآل الأسد لكي لا ننسى إسرائيل.

لكن على الرغم من كل هذه الإثباتات الدامغة، فالجوقات الأميركية والأوروبية، ومعها دولة الملالي وحزبها وبشار وشبيحته، ما زالوا، وبمنهجية «غبية» هنا، وخبيثة هناك، وفاجرة هنالك، يتهمون السعودية بأنها وراء «القاعدة» و»داعش»… والإرهاب العالمي.

ومن لا يعرف في العالم من «صنع» القاعدة؟ أوليس الأميركيون هم الذين استخدموها، كحركة جهادية إسلامية ضد الجيش الأحمر السوفياتي في أفغانستان؟ أوليس الأميركيون، والسي.آي.إي، وبعض المخابرات الأوروبية من دربوا وموّلوا هذه الحركة، لكي تقاوم «الكفر» الإلحادي السوفياتي في وجه «الإيمان»، الأميركي الأبيض والإسلامي؟

حركة سياسية

اليوم نسمع، وأمس، وبعد ارفضاض «الأسرار»، وانسحاب الجيش الأحمر السوفياتي من أفغانستان، أن هؤلاء الذين «ألفوا» «القاعدة»، فسّروا ظاهرتها بأنها مكوّنة من «مجانين الله» تفسير «خنفشاري»، لا هو علمي ولا هو بحثي: فكأن الذين أطلقوا هذه التسمية هم مجانين! وهم لاعقلانيون كما يقول الباحث علي بعيد. فالقاعدة حركة سياسية محددة وليس دينية، انطلقت بأهداف سياسية كحليف للغرب. والذين يفتحون بعض الأراشيف السابقة المتصلة بتلك المرحلة يكتشفون مدى إعجاب النخب الثقافية والسياسية والإعلامية الغربية بـ»القاعدة». فالفرنسيون كانوا يسمونها «المقاومة» والمقاومين «Resistants»، والانكلو أميركيون يسمون مجاهدي القاعدة «المقاتلين من أجل الحرية» (Freedom Fighters). وكان بن لادن على علاقة وثيقة بكل هذه الجهات، أي كل الذين حاربوا «الجيش الأحمر» السوفياتي باسم الدين باعتبار هؤلاء شيوعيين، كَفَرَة، وأعداء الله والإسلام! وهنا بالذات نشير إلى أنه بين عام 1989 (سقوط جدار برلين، وتأسيس القاعدة)، احتفل بن لادن والظواهري بانتصارهما في العالم العربي وراحا يجولان على المساجد، والجامعات، والمدارس، ليشرحوا لهؤلاء الناس والشبان «معاني الجهاد الإسلامي ضد العدو السوفياتي الملحد والكافر»! إلى درجة أن هذه الحركة التي ولدت في المصانع الأميركية والأوروبية اكتسبت شعبية عارمة في العالم العربي والإسلامي، ليصبح بن لادن الرمز الجهادي الإسلامي، المدافع عن المسلمين من أفغانستان، إلى باكستان… وصولاً إلى السعودية، التي أدرجتها «القاعدة« في خانة «الأعداء»، والتي كانت بواكير عمليات القاعدة الإرهابية ضدها عام 1991 (عام احتفالها بالنصر). وكما يقول الباحث علي بعيد «هناك تاريخان: 1989 (سقوط جدار برلين)، و1991 (تأسيس القاعدة كما هي عليه اليوم أو أمس)، وهما تاريخان لا يمتان إلى الدين بصلة… «فهما من هذا العالم الذي ولد بعد سقوط جدار برلين».

الإعلام الغربي

وعلى الرغم من كل هذه الحقائق التاريخية و»الجيوسياسية» فما زال الإعلام الغربي (راعي القاعدة)، يعتبر أن السعودية هي التي كانت من مفبركي «القاعدة»! والغريب أن عمى بعض المثقفين (والفلاسفة الأوروبيين، خصوصاً الفرنسيين)، يقودهم باستمرار ممزوجاً بجهل مطبق، أن السعودية وراء «القاعدة«!… وأنها تؤويها! أي أن السعودية باعتبارها «أم» القاعدة… تخطط لضرب بلدها السعودية. وقد ورثت أجهزة «ولاية الفقيه« والنظام السوري ومرتزقتهما وأبواقهما هذه الأكاذيب وراحت تروّجها، لحرف الأنظار عن الراعي الحقيقي اليوم للقاعدة وهي إيران. (الغريب أن «القاعدة» ضربت السعودية وأميركا (ربيبها السابق) وسواهما، ولم ترشق إيران ولو بوردة! مع هذا، فهؤلاء المثقفون يتغابون عنها، باعتبارها «ثورة»! والفرنسيون وخصوصاً مثقفيهم «العميان» أيدوا الثورة الخمينية المذهبية كميشال فوكو… وناصروا قاتل شعبه ماوتسي تونغ في ثورته الثقافية الإرهابية، وقام بعض رموزهم بزيارة الصين تأكيداً على دعمهم لتلك الثورة التي قتلت ملايين المواطنين، والمثقفين، والمعارضين الصينيين، ومنهم الأخ ميشال فوكو، وسارتر وعشيقته سيمون دو بوفوار، والفيلسوف ألان باديو، والكاتب فيليب سولرز!… والله! مثقفون متبصرون، مستبصرون! ذلك لأن هؤلاء مهووسون بكل ما يسمى ثورة، ومنها الثورة الخمينية.

ملحقات الإعلام الغربي

من هنا نستبشر: فهؤلاء الذين ما زالوا يتهمون المملكة بمناصرة «القاعدة» ينسبون «غباءهم» أو «تواطؤهم» إلى «داعش»! فالسعودية التي صنعت «القاعدة« متهمة اليوم وأمس «بخلق» داعش، وذلك على الرغم من العمليات الإرهابية التي قام بها هذا التنظيم ضدها، وآخرها العملية التي ضربت الحرم النبوي في المدينة المنوّرة. تماماً كما ضربت السعودية نفسها عبر «القاعدة» فها هي تضرب نفسها مع «داعش»! حسن نصرالله، والذي يستنبت مواقفه من خامنئي اعتاد أن يلصق تهمة الإرهاب الداعشي بالسعودية، وعلى غراره الصحافة الغربية وكتّابها… حتى بعد الجريمة الأخيرة التي ارتكبها هذا الأخير!

وإذا كنا سنقف على «كيمياء» اللعبة الداعشية، يمكن أن نعود إلى «فتح الإسلام» بقيادة أميرها «المفدى» شاكر العبسي: النظام السوري وإيران وضّبا هذه الحركة الإرهابية وأرسلاها إلى نهر البارد، لتمارس التخريب أولاً، ولتقيم «إمارة سُنية» في الشمال تشبه إمارة «حزب الله« في الضاحية: إمارتان شيعية في ضواحي بيروت، وسُنية في ضواحي طرابلس وامتداداتها. وكلنا يتذكر «المُحرّم» (ربما الشرعي) الذي وضعه حزب سليماني على الجيش الذي أراد أن يواجه تلك الحركة «نهر البارد خط أحمر»! لأن حليفه هناك! أي شاكر العبسي. وقد خيّب الجيش آمال الحزب والنظام السوري… بدحره هذه المؤامرة الإرهابية. مع هذا، وكلنا يذكر أن إعلام إيران (وفي مؤخرته حزبها)، والأسدي اتهما سواه بخلق تلك الحركة وتمويلها: تيار «المستقبل« و»الحريرية»! (هكذا فعلوا بعد اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري عندما اتهموه بالعمالة لإسرائيل ثم اتهموا هذه الأخيرة بقتله، ثم وصل الدور إلى ابنه سعد حيث لم يتورّعوا عن اتهامه بقتل والده).

هوية «داعش»

وعلينا أن نتحرى عن دور «داعش» المرتقب والمربك والمنشود (من قبل هؤلاء) لكي نفهم «ماضيه» وهويته: دخل الحرب بعدما سبقه إليها «حزب الله«، والحرس الثوري تحت يافطة مذهبية. وفي ظل «تعددية» المعارضة السورية، من «نصرة» و»جيش حر»، وسواهما، وتحت ضغط المفاوضات التي كانت آنئذ ترى الحل برحيل الأسد، فقد أراد هؤلاء أن يكون «داعش« المعادل الأول للنظام: نظام إرهابي صعد كالصاروخ واستولى على أراض، وحقق انتصارات خاطفة وصاعقة، بتواطؤ «حزب الله« والحرس الثوري وجيش النظام. وما رافق ذلك من مذابح فظيعة مصوّرة، ليقول للغرب، هناك «داعش« الإرهابي… ونحن الدولة «السلمية» الحضارية، فمن تختارون! إما الأسود أو الأبيض. ولتحقيق هذه المعادلة، وجّه «داعش« وجيش النظام و«حزب الله«… ضرباته إلى الجيش الحرّ لأنه يمثل الجناح الديموقراطي والسلمي، في الثورة السورية. «فلندمره!». فلنلغ كل اعتدال، ونبرز «داعش» ونقويه ونسلمه تدمر تسليم اليد، ثم نستعيدها تسليم اليد، وهكذا دواليك. لكن الخطة فشلت.. وانتكست رايات الحزب في هزائمه المدوية، وتراجع النظام الذي جاء الحزب «لينقذه« فغرق معه في وحول الدماء، والدمار، والتخريب، والقتل. ألم يكن يمر مسلحو «حزب الله« قرب «داعش« من دون التعرض له ليسهل هذا الأخير الممرات له في طريقه لمحاربة «الجيش الحرّ«؟ ألم يتجنب النظام ضرب «داعش» بالبراميل المتفجرة، والكيماوي، والقصف الطيراني، ليضرب المدنيين، ويدمر المدن؟ّ فشل الاثنان النظام والحزب، وهذا ما جعل بوتين يُنجد الاثنين، فجاء بطائراته السوخوي تحت شعار «محاربة الارهاب» لكن ليقصف «الجيش الحر« لا «داعش«! الخطة محكمةّ وشغالة: تصفية الطرف الديموقراطي، وإبقاء المعادلة بين «داعش« والنظام!..

الوقائع والنقائض

انها وقائع، ويمكن كل إعلامي أو صحافي موضوعي بلوغها، ومعرفتها. مع هذا، فقد استمرت بعض الأقلام الغربية، من أميركية (مؤيدة لأوباما)، وفرنسية وانكليزية، من اتهام السعودية بأنها وراء «داعش«. كل الوقائع موجودة، وكل التواريخ موجودة، وكل الحقائق تنبئ بأن الذين خلقوا الوحش الداعشي هم الذين سبق وخلقوا وحش «فتح الاسلام» في نهر البارد! عبثاً! فالرؤوس الثقافية لم تعد ثقافية بالمعنى المعرفي الناقد، بل غرقت باللاعقلاني، أو بالتواطؤ: تيار «المستقبل» وراء «داعش» (كما اتهموه بأنه وراء شاكر العبسي)، فلا الميادين أوحت لهم العكس ولا التصاريح، ولا المناحي التي سلكها داعش: «عنزة ولو طارت».

أما ظهور «داعش» في العراق في معركة الموصل وكيفية انتصاره مع انسحاب مدبر للجيش العراقي في عهد نوري المالكي الموالي لإيران يثير الشكوك. انها السعودية، أي السّنة. فالسنة العرب خلقوا «القاعدة« (وليست المخابرات الأميركية والأوروبية)، وهم ذاتهم اليوم، يدعمون «داعش«! ويكفي ان نكرر ما سبق أن أوردناه. فداعش ضربت السعودية (كالحوثيين)، وأخيراً لبنان، وفرنسا، وأميركا… ولم ترشق إسرائيل ولا إيران بوردة! فكيف يمكن ان نفسّر موقف «الغرب» الاعلامي، وكذلك الفرنسي، وسواه، في الاستمرار على نسيانه دور إيران، والتركيز على السعوديةّ؟ عباقرة!

اقرا ايضًا: داعش… الوحش المفيد؟

وفي المناسبة نتساءل: هل سمعنا تنديداً أميركياً أو إسرائيلياً مثلاً، بتدخل «حزب الله« وإيران في الحرب السورية؟! هل سمعنا تنديداً بتدخل روسيا؟ لا! هل سمعنا من إيران وحزبها المهزوم ونظام آل الاسد (وهم من «الممانعة» ومقاومة العدو الصهيوني) سوى مجرد انزعاج من التنسيق بين حليفهم الروسي ونتنياهو؟! هل اتخذوا ولو موقفاً من باب رفع العتب، ينتقد هذا التنسيق مع «عدوهم» (الحليف طبعاً). ربما نعم! صرح السيد حسن نصر الله من باب لزوم ما يلزم «ان صديق صديقنا ليس صديقنا». هكذا. بدون اسماء. فقط مجازات وحزازير وفوازير! كل ذلك لم ينفع! لا بروسيا ولا من دون روسيا! ما زال الوضع بين كر وفر.. والميادين طويلة النفس! وما زال بشار على لائحة «الراحلين». وها هو «حزب الله« في قعر قعر الحضيض. وها هي إيران تفقد حضورها في سوريا، بعدما خطف بوتين دورها! لكن، إذا كان إعلام الحزب قائماً على المنطق «الغوبلزي» ومعه اعلام بشار… فلماذا ما زال بعض الكتاب والصحف والمجلات والمنابر الغربية، معانداً في مواقفه «الثابتة»: السعودية وراء «داعش»! كل هذه الوقائع التي باتت معروفة من القاصي والداني، وكل هذه الاحداثيات التي يتناقلها الناس العاديون، لا تشفع بأن يغير هذا الغرب وخصوصاً الاعلام الفرنسي (والاوبامي)، موقفه، ويحدد دور إيران الارهابي، في سوريا واليمن، والعراق، والكويت، والسعودية! غريب! كأن عماء الأمس الذي اصاب هؤلاء المثقفين الغربيين ما زال يسدل سُتره على عيونهم المغشية.

وأخيراً هل ننسى، والشيء بالشيء يذكر كيف آزر عدد من الاعلام الغربي ومثقفيه دعم الولايات المتحدة للأنظمة الدكتاتورية العسكرية امثال فرانكو في اسبانيا، والعسكري التشيلي ونورييغا، والخمير الحمر، وبول بوت وصدام حسين وحافظ الأسد وبن علي في تونس، من دون ان نغفل رعايتها للأخوان المسلمين في الخمسينات بعد ان دعمتهم انكلترا والنازية الالمانية في بداياتهم.. وصولاً الى أوباما، الذي أراد أن يخطف مرسي و«أخوانجيته« الثورة المصرية… ويحكموا بها! تاريخهم شاهد عليهم! وموبقاتهم ما زالت تفوح في كل مكان.

(المستقبل)

السابق
نجل بن لادن يهدد أميركا بثأر لمقتل أبيه
التالي
عون ممنوع من دخول النادي