بريطانيا بعد تقرير «تشيلكوت»: طوني بلير الابن العاق

برعونته وانتهاكه القانون الدولي عبر المشاركة في اجتياح العراق، اوصل رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، بريطانيا الى الوضع السياسي المزري الذي تعيشه اليوم.

فحالة فقدان الثقة التي يشعر بها الرأي العام البريطاني تجاه الطبقة السياسية، تنبع في الاصل من تلك الحرب اللاشرعية التي تركت بصمة سوداء على جبين المملكة المتحدة وسمعتها العالمية.

والشعب البريطاني الذي نزل مطلع العام 2003 في تظاهرات مليونية محاولاً منع ذلك الاجتياح لا يزال يشعر ببراكين من الغضب تجاه رئيس وزرائه السابق وحكومته، وكل نائب في مجلس العموم أيّدَ تلك الحرب.

وبعد صدور تقرير تشيلكوت الذي اكَّد ان الحرب على العراق والاطاحة بنظام صدام حسين لم تكن مبررة، وان بلير اتخذ قراره بصددها قبل نحو عام من حدوثها متجاهلاً الرأي العام البريطاني تماماً.

ولم يعد هناك ادنى شك في ان تصويت اغلبية البريطانيين لمصلحة انهاء عضوية بلادهم في الاتحاد الاوروبي، الطفل المدلل للولايات المتحدة، ليس فقط قرارا ضد المهاجرين الاوروبيين وسياسة الحدود المفتوحة، انما اتخذ ايضاً كانتقام من المنظومة السياسية العالمية التي تديرها واشنطن، لأن تلك المنطومة بالذات تجرأت على تجاهل راي الشعب البريطاني وجرت المملكة المتحدة الى حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل.

الآن سمعة بلير الذي كان يعتبر حتى الامس القريب، ابرز سياسي انجبه حزب «العمال» البريطاني منذ عقود، اصبحت صفراً مكعباً.

وبالتأكيد لم يطرب رئيس الوزراء السابق لسماع بعض اهالي الجنود البريطانيين (الذين سقطوا في معارك العراق) يهتفون غضبا بعد صدور تقرير تشيلكوت «طوني بلير هو اكبر ارهابي على سطح البسيطة».

ولم تفلح محاولات الزعيم المكروه، خلال مؤتمره الصحافي (الذي عقده عقب صدور التقرير) في استعطاف الراي العام، خصوصاً وانه اصر كما في كل مرة، على انه اتخذ قراره المشاركة في الاجتياح بحسن نية، وانه لا يزال يعتقد انه الخيار الصحيح.

أسر الجنود الضحايا لم تضيع وقتا لسماعه حتى، بل شرعت باجراءات قانونية املاً في معاقبته على جرائمه واكاذيبه، فيما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي الصفحات المطالبة بزجه في السجن، ومحاسبته على جرائم الحرب التي ارتكبها.

تداعيات حرب العراق التي دفع ثمنها اكثر من مليون انسان عراقي واميركي وبريطاني حياتهم، ولا تزال تحصد ارواح العشرات اسبوعيا، لم تؤثر فقط على الصداقة المميزة بين لندن وواشنطن فحسب، بل احدثت زلزالا سياسيا داخل المملكة المتحدة لم تشهد البلاد له مثيلا حتى ابان الحربين العالميتين.

فحزب «العمال» في حالة انقسام داخلي حاد غذاها خيار البريطانيين الخروج من الاتحاد الاوروبي، وشعبية الاحزاب القومية المتشددة مثل حزب «استقلال المملكة المتحدة» المطالب بسياسات مستقلة تماماً عن واشنطن وبروكسل آخذة في الازدياد.

وحتى السياسيين الذين وقفوا سابقا في صف بلير ودعموا الحرب، اعلنوا توبتهم في الايام القليلة الماضية التي تلت تقرير «تشيلكوت»، وكان آخرهم نائب بلير (اي نائب رئيس الوزراء حينها) جون بريسكوت الذي كتب مقالا امس في صحيفة «صانداي ميرور» برّأ فيه ذمته ملقيا اللوم على بلير الذي على حد قوله: «تعمّد عدم اعطاء الفرصة والوقت الكافي للوزراء لمناقشة مدى قانونية الحرب».

واضاف بريسكوت أنه «على الرغم من ان تقرير تشيلكوت لم يقلها بصريح العبارة ان اجتياح العراق كان بمثابة انتهاك للقانون الدولي لأنه ليس من اختصاص لجنة تشيلكوت البت بهذا الامر، الا انني بامكاني ان اقولها صراحة، نعم حرب العراق غير شرعية وهي انتهاك للقانون الدولي».

وذكر بريسكوت بأن «الامين العام للامم المتحدة حينها كوفي انان، قال ان «الاجتياح غير شرعي، وان الهدف الاساسي من الحرب هو الاطاحة بصدام حسين وتغيير نظام الحكم في العراق. الآن انا اصدق كل كلمة قالها». واعرب السياسي البريطاني عن غضبه الشديد واسفه على دعمه قرار شن الحرب، واعتبر ان «عليه الآن ان يعيش مع ذنب قراره السيء هذا وتداعياته طيلة ما تبقى له من العمر«.

أما زعيم حزب «العمال» جيريمي كوربن الذي صوت ضد تلك الحرب، فقد اعتذر رسميا من الشعب البريطاني بإسم حزبه على انتهاك القوانين الدولية الذي ارتكبته الحكومة العمالية السابقة ورئيسها طوني بلير عندما شاركت في حرب عرّضت سمعة بريطانيا وامن البريطانيين الى مخاطر لا تزال تظهر تباعا حتى اليوم.

وتعقيبا على اعترافات بريسكوت، اعلن النائب المحافظ دايفيد دايفيس مدعوما من نائب «القومي الاسكتلندي» اليكس سالموند، انه سيطرح الخميس المقبل مذكرة امام مجلس العموم من اجل مناقشتها والاعتراف بأن بلير خدع المجلس وضلله بخصوص اسلحة الدمار الشمال ووجوب التحرك سريعا ضد صدام حسين.

وفي حال وافق متحدث المجلس جون بيركو على طرح هذه المذكرة، فقد يتم البت بها قبل اقفال المجلس ابوابه بسبب العطلة الصيفية.

صحيفة «المستقبل» ستغوص في تفاصيل تقرير تشيلكوت الاسبوع المقبل، بغية الوقوف على ابرز ما ورد فيه، وقياس مدى قدرة الراي العام على ملاحقة بلير قضائيا وادانته. اما اليوم فتكتفي برأي اسرة تحرير صحيفة «الغادريان» في تقرير تشيلكوت،

وقد نشرت الصحيفة منتصف الاسبوع المنصرم متعمدة نسخة بالعربية من مقالها لكي يتسنى للعراقيين والعرب قراءته.

وتحرص «المستقبل» على نشر رأي «الغادريان» بالذات لأنها الصحيفة البريطانية ذات الهوى اليساري عموماً و»العمالي» خصوصا، فماذا يقول اهل البيت عن ابنهم الضال طوني بلير؟

رأي الغارديان

عنونت «الغادريان» رأيها في تقرير تشيلكوت كالآتي: «بلد مدمر، ثقة محطمة، وسمعة الى الحضيض»، وضمنته النص التالي: «كما هو الحال دائما في حالات العدوان العسكري، فإن النظرة إلانسانية لا بد أن تبدأ من الضحايا. فمنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق، مدعومة من المملكة المتحدة في عام 2003، تفاوتت تقديرات الخسائر في الأرواح بسب العنف، من ربع مليون إلى 600 الف قتيل. لكن بالتأكيد إن عدد الضحايا والمصابين اكبر عدة مرات من هذا العدد. ويتراوح عدد الرجال والنساء والأطفال الذين نزحوا من اماكن سكنهم ما بين الى ملايين نازح، بنسبة فرد نازح لكل 10 اشخاص او لكل 6 اشخاص من سكان العراق.

ولا يوجد خلاف على الوحشية الصارخة التي كان النظام العراقي السابق يدير بها البلاد آنذاك، ولكن في نفس الوقت لا يوجد خلاف كبير على أن معاناة الأسر العراقية كما هو موثق في إحصائيات الحرب هي اكثر مرارة من أي شيء حصل في زمن الحكم المستبد.

وبعد 13 عاماً من غزو العراق، يتضح من جديد، كما في الانفجار الهائل الذي هز بغداد نهاية الأسبوع الماضي، ان المأزق الذي يعانيه الشعب العراقي ما زال بلا نهاية.

ان فوضى تسويغ تغيير النطام راساً علي عقب بعد الحادي عشر من ايلول 2001 من قبل الشوفيني، ذو التفكير المحدود، والذي يفتخر أحيانا بجهله، رجل البيت الأبيض جورج بوش الإبن، قد ادى كما كان متوقعاً، الى نتائج عكسية.

وكانت هذه الصورة العامة واضحة بشكل كبير بعد وقت قصير من المباهاة بشعار الحرب وان المهمة قد انجزت. ومن المؤكد أن تحقيق تشيلكوت الذي بدأ بعد 6 سنوات من الحرب، وتم نشره اليوم بعد سبع سنوات أخرى من العمل، لم يتناول هلوسة تحقيق الفوز الساحق في وقت قصير في ذلك الحين.

وعلى الرغم من اللجان المختصة المتعددة، وتحقيقات هاتون وباتلر، والان يأتي هذا التحقيق الإضافي، يبقى السؤال المطروح: لماذا كان من المستحيل تجنب هذه الكارثة البشعة؟. لم يقدم أي من التحقيقات الاخرى إجابة رسمية للسؤال المحوري، عن كيفية تورط المملكة المتحدة في هذه المغامرة الفاشلة في المقام الأول.

وبعد القراءة المقتضبة للورد هاتون، وهجوم باتلر على النظم والعمليات والتي ذهبت الى حد بعيد ونطاق واسع لإعفاء الأفراد من اللوم، كانت هناك مخاوف مفهومة أن المسؤول الكبير، السير جون تشيلكوت سوف يكون اقل قسوة، او ينزلق الى نثر رسمي منمق. ومع ذلك، قدم السير جون بيانا سريعا لمدة نصف ساعة، ذكر فيه اسم بلير مرة واحدة تقريباٍ لمدة دقيقة.

وبالتأكيد ان التقرير النهائي الذي يحتوي على مليونين و600 الف كلمة، سيستغرق وقتاً اطول لاستيعابه، ولكن النقطة الحاسمة صاغها طوني بلير بنفسه في ست كلمات، في رسالته للرئيس بوش في تموز عام 2002 التي قال له فيها «سأكون معكم، مهما كانت الظروف».

ففي الاساس، كان هذا الوعد الخاص من بلير لبوش الذي نتج عنه كل استخدام سيء للمؤسسات العامة، فضلا عن تفشي الشعور المسموم، أن الحكومة البريطانية لم تكن واضحة بما فيه كفاية، ولم يكن رئيس الوزراء في غير وعيه، فقد حذرت رسائله إلى الرئيس الاميركي من شكوك عميقة من جانب أعضاء البرلمان البريطاني وعامة الناس، وتوقع بدهاء صعوبة كبيرة في جر أوروبا بالقوة الى هذه الحرب. لكنه الغى قيمة هذه الرؤية العميقة، واختار على نحو مهلك بناء مسار آخر للحرب تباركه الأمم المتحدة واستباق كل ذلك بتعهد قوي أن بامكان واشنطن الاعتماد عليه.

وكان تغيير النظام الهدف الواضح والغير مشين للبيت الأبيض، ومن خلال رهن نفسه الى واشنطن بدون أي بند للخروج، جعل بلير سياسته مطابقة لذلك الهدف بشكل فعال جدا. كان خطأ مروعا، أولا وقبل كل شيء، لأنه ينطوي على الزام البلاد بحرب اختيارية لم يكن هناك مبررات حقيقية لشنها، إلا دفعة من الغضب للانتقام من تفجير البرجين في نيويورك من دون التفريق بين المتشدديين الإسلاميين والبعث العلماني.

وحالما اعلن التزامه، ابطل بلير عمل المؤسسات الناقدة لسياسته واوكل بها مهاما أخرى، وصم أذنيه عن سماع تحذيرات الخبراء حول الصعوبات التي يمكن أن تتبع الغزو، وشكوكا كبيرة حول الادعاء بان العراق يشكل تهديدا وشيكا بعيدا عن المألوف.

كما ان هذا الفائز في الانتخابات الذي اصر دائما على أن الشعب البريطاني صاحب القول الفصل، صم أذنيه عن سماع طبقات كبيرة من البلاد، من اليساريين الراديكاليين إلى بعض المحافظين، خليط من الصعب جمعه كان يفكر في بريطانيا ومن ضمنهم صحيفة «الغارديان«. كنا جميعا نشعر بأن هناك رائحة شي مقزز يتم طبخه بين بلير وبوش.

اقرا ايضًا: تقرير تشيلكوت أدان الحرب على العراق…وبلير لم يعتذر

ونزلت اعداد كبيرة من الناس للاحتجاج لم يشهد البلد مثلها من قبل. ولكن بلير للأسف تجاهل هذه الاعداد الهائلة، ولم يعتبر ان الشعب البريطاني هو صاحب القول الفصل بل الرئيس الاميركي.

خيار بلير بالتأكيد لم يكن امرا سائغا للذين يؤمنون بالمثالية، ولكنه كان مقنعاً للمتعصبين لآرائهم والذين لا يملكون اي رحمة، ومع ذلك، ليس هذا هو العرف الذي وضع بلير نفسه فيه. فقد كشفت النبرة العاطفية العالية في مؤتمره الصحافي هذا اليوم مرة أخرى رفضا بالاعتراف باتخاذ القرار الخاطئ، وإصرارا غريبا على أن الحرب قد جعلت العالم أكثر أمنا فهو يهتم دائما ان لا تكون المصلحة وطنية فقط ، ولكن أكبر بكثير، هو يزعم انه كان على حق.

لكن الحقيقة انه كان مخطئ بشكل مخيف، وان هذا اليقين كانت له عواقب وخيمة. ولقد اسس هذا اليقين للفشل في التخطيط لما بعد الغزو، وتمت ادانته مباشرة من قبل السير جون تشيلكوت، بعبارات صارخة وانه كان الأكثر كارثية على الشعب العراقي، والحق كذلك الاذى بالعسكريين البريطانيين.

ولدى الأسر المكلومة، كل الحق في التساؤل عما إذا كان أبناؤهم وبناتهم قد ماتوا عبثا، الامر الذي سيجعل اي رئيس وزراء بريطاني جديد يجفل من اي قرار يلزم القوات المسلحة باي مهمة مماثلة، باعتباره اصعب قرار بامكانه ان يتخذه بعد الان خصوصاً بعدما لحقت اضرار كبيرة بالعملية السياسية والخطاب السياسي ومكانة المملكة المتحدة في العالم وربما حتى اضرارا نفسية بالسياسيين الذين دعموا الحرب بشكل متسرع حينها، خصوصاً اذا ما نظرنا الى ما تطلبه مشروع الحرب من تأطير للقرار الاساسي للوقوف مع الولايات المتحدة بإطار من الحق و الشرعية.

وكان هذا هو السياق الذي استطاع المسؤول الحكومي من خلاله ان يشارك في كتابة المسودة الاولى لاحدى ملفات المخابرات، ثم قام بعدها بنسج روايته بعناية لاضفاء اثارة كافية تتماشى مع الادعاء الهستيري أن لندن ممكن ان تتعرض للهجوم في ظرف دقيقة.

وكان هذا هو السياق نفسه الذي جعل فريق بلير يعتقد أنه من الممكن جدا أن يقتطع بعض المعلومات القديمة من الإنترنت حول ترسانة السلاح السابقة لصدام والتي دمر معظمها منذ فترة طويلة وتسليمها للصحافيين كملف ثان.

وفي تلك الاثناء، ذكرت وثيقة «وايتهول» ان مناقشة جرت في الولايات المتحدة لتعديل الحقائق لان المسار العام كان يجب دائما أن يؤكد ان الدوافع الأميركية كانت خالصة النية. كما ان إلاصرار المبدئي للمدعي العام أن الحرب لن تكون قانونية، و يجب اعطاء فرصة للنقاش تم بعد ذلك اعادة صياغة مشورته بطريقة فظيعة لاعطاء الضوء ألاخضر لشن الحرب.

وفي الوقت نفسه، تآمر وزير الخارجية حينها جاك سترو مع كبار المسؤولين بالخفاء لتأمين مصادقة الامم المتحدة على عمل تم الاتفاق عليه فعليا، وتذرع السيد بلير علنا بأنه كان يسعى الى حل ديبلوماسي. هل فعلا كان هناك اي حل ديبلوماسي؟، الحقيقة انه كانت هناك مساع ديبلوماسية تهدف الى اعطاء الاذن بالحرب.

وعندما فشل حتى هذا الادعاء، كانت نقاشات مجلس الوزراء اقل اهتماما بشأن معركة حقيقية تلوح في الأفق، من اهتمامها بحرب علاقات عامة مع الفرنسيين.

ومن التأكيدات الصادرة عن تقرير تشيلكوت ان قرار الغزو لم يكن لدعم سلطة الامم المتحدة كما زعم بلير وبوش، بل إلى تقويضها. لقد غذت الفجوة بين المنطق العام والخاص عدم الثقة التي ترسخت منذ ذلك الحين بين الشعب البريطاني وسياسييه، اشعلت ازمة نفقات النواب، والهبت التصويت لمصلحة الخروج من الاتحاد الاوروبي.

حرب العراق كانت بمثابة استهانة بكامل العملية السياسية في بريطانيا، ولكن الثمن الباهظ تم دفعه من قبل اليساريين، فجاء الصعود الغير متوقع لجيريمي كوربن ما جر «حزب العمال« الى اتون حرب اهلية.

ولا يزال الكثير من نواب «حزب العمال« يحاولون فهم ذلك الصعود. وعندما يقومون بذلك، ينبغي عليهم أن يعكسوا الغضب الرزين للسيد كوربن، الذي عارض الحرب دائما في مجلس العموم، ومقارنته بنبرة الرضا عن الذات التي اعتمدها دايفيد كاميرون الذي صوّت في الأصل لمصحلة شن الحرب. ان اندفاع السيد بلير للهرولة إلى جانب راعي البقر الذي لا يفقه اي شيء، يعكس طلباً ملحاً له ان يدفن شارة نزع السلاح النووي التي كان يرتديها في شبابه، ويرتدي اخرى لاستعراض العضلات. ان الصعود السياسي للسيد كوربن المثير لدى البعض، للسخرية، ليس سوى ناتج من عواقب خطأ بلير التاريخي. ولكن الامر الاكثر خطورة لا يزال يجري، هناك بعيدا في شوارع العراق.

السباق على زعامة حزبي

«المحافظين» و«العمال»

عقب جولات اولية، اقترع فيها نواب حزب «المحافظين» خلال الاسبوع المنصرم لغربلة اسماء المرشحين لخلافة دايفيد كاميرون في زعامة الحزب ورئاسة الوزراء، طغى الخيار النسائي على السباق بشكل تام.

فقد بقي للمعركة الانتخابية النهائية التي سيشارك فيها المنتسبون للحزب الحاكم في ايلول المقبل، اسمان فقط هما وزيرة الداخلية تيريزا ماي ووزيرة الدولة لشؤون الطاقة اندريا ليدسوم.

وتبدو ماي في وضع اكثر قوة بعد حصولها على دعم نحو 200 من نواب الحزب الحاكم البالغ عددهم 330 نائبا. لكن الخيار النهائي ليس في يد النواب، انما في يد القاعدة الشعبية للحزب، ولا يزال هناك نحو شهرين سيتعين على ليدسوم خلالهما ان تقوم بحملة قوية جدا لكي تتمكن من تفجير مفاجأة يوم النتيجة.

وعلى الرغم من ان المنطق يقف الى جانب ليدسوم لقيادة المرحلة المقبلة كونها صوتت لمصلحة الخروج من الاتحاد الاوروبي، الا ان فقدانها لعامل الخبرة القيادية يجعل آمالها اضعف من ماي التي على الرغم من تصويتها لمصلحة «البقاء»، الا انها ابلت بلاء حسنا في الوزارة التي ادراتها، كما انها معروفة بشكل اكبر داخليا وخارجيا.

وتجلت الخبرة الضعبفة لليدسوم في تعاملها غير الحذر مع الاعلام عندما نجحت صحيفة «التايمز» في اصطيادها خلال مقابلة وجرتها الى التفوه بعبارة حول الامومة، اذ اعتبرت المرشحة ان «كونها ام، يعطيها افضلية» في سياق الحرص على بناء مستقبل افضل للبلاد.

وقد اضطرت ليدسوم بعد نشر المقابلة، إلى تقديم ايضاحات ومبررات لكلامها الذي اعتبره الراي العام سوقيا وغير موزون وموجها بشكل مباشر ضد تيريزا ماي التي لم تنجب اطفالا. لكن القضية لا تزال تتفاعل وامس بدأ العديد من كوادر الحزب من بينهم وزير الخارجية فيليب هاموند الضغط بشدة على ليدسوم لكي تنسحب من السباق.

أما في سباق زعامة حزب «العمال»، فاعلنت امس انجيلا ايغل، الحليفة السابقة للزعيم الحالي جيريمي كوربن، انها قررت رسمياً الترشح ضده على رئاسة الحزب. فيما اصر كوربن من جهته على انه سيستمر في ترشحه، معربا عن خيبة امله لقرار ايغل الترشح ضده، ودعا جميع العماليين الى الاتحاد وعدم الانقسام ودعمه من اجل قيادة المرحلة المقبلة الصعبة جدا على البلاد وعلى حزب «العمال» على السواء.

ولوح كوربن ايضا باللجوء الى القضاء في حال تم اقصاؤه بطريقة غير ديموقراطية عن زعامة الحزب، خصوصاً مع تصاعد عدد من الاصوات المطالبة بمنعه من الترشح مجددا.

وتلتئم اللجنة الوطنية التنفيذية للحزب غدا الثلاثاء في جلسة مهمة يتوقع ان يعرف بعدها ما اذا كان كوربن سيحق له الترشح اوتوماتيكيا للمنصب الذي يشغله، ام ان عليه ان يجمع مجدداً تأييد ما لا يقل عن 51 نائبا عماليا في مجلس العموم والبرلمان الاوروبي كي يحق له الترشح.

وقد تضاعفت في الايام الماضية اعداد المنتسبين الى «العمال» وسط مساعي الطرفين كوربن من جهة والراغبين بالاطاحة به من جهة اخرى، الى حشد اكبر تأييد ممكن خلال الانتخابات المقبلة.

وتجدر الاشارة الى ان كوربن كان فاز بـ60 في المئة من اصوات القاعدة الشعبية للحزب في ايلول الماضي، الا ان نتيجة استفتاء مستقبل العلاقة بين لندن وبروكسل التي جاءت على عكس الخط السياسي لـ«العمال»، دفعت 80 في المئة من نواب الحزب الى حجب ثقتهم عن كورين، واعلان عدم رغبتهم في العمل تحت قيادته متهمين اياه بالتقصير في الزام القاعدة الشعبية الحزبية بخيار التصويت لمصلحة البقاء في الاتحاد الاوروبي.

(المستقبل)

السابق
بين اليمن والكويت
التالي
بالصورة: سامح شكري ونتنياهو شاهدا المباراة النهائية لليورو سويًا