«مجرم واحد في بلدين»

“شعب واحد في بلدين”، “التعاون والتنسيق”، “الخط” وغيرها من المصطلحات التي عمل على تكريسها نظام الاسد في النصوص والنفوس – أكان بالترغيب أو الترهيب – خلال حقبة قبضته الحديدة على لبنان والتي نجحت “ثورة الارز” بلجمها وسعت الى إعادة النظر بالاتفاقيات غير المتوازنة التي وقعت بين دمشق وبيروت، ها هو بعضهم يستحضرها بقوة عقب مسلسل العمليات الانتحارية التي إستهدفت بلدة القاع البقاعية، بعدما كانت له تجارب مماثلة منذ إندلع الثورة السورية في آذار 2011.

فالى جانب تمجيده ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” من أرض القاع وقبل أن يجف دم الشهداء، يرمي هذا البعض باللوم على من حال دون “التعاون والتنسيق” بين نظام الاسد ولبنان منذ العام 2011 حتى اليوم ويحمّله مسؤولية ما شهدته القاع.

وبالتلازم مع الثلاثية المحلية، ثلاثية إقليمية لمحور “الممانعة” اعلنها النائب عاصم قانصو من بنشعي – التي زارها على رأس وفد القيادة القطرية لحزب “البعث” المنقسم على نفسه في لبنان – قوامها “الخط – دعم المقاومة – دعم الوضع في سوريا”، وهي تشكّل وفق قوله “الثلاثي القوي ضد الارهاب، بين ايران وسوريا والمقاومة في لبنان، واليوم روسيا الى جانبنا”.

سياسة النأي بالنفس شكّلت الشمّاعة لقانصو، فإعتبر أنه “لو ان هناك تنسيقا كاملا بين سوريا ولبنان، منذ ست سنوات، كان هذا الارهاب انتهى على الارض اللبنانية، وقصة داعش والنصرة في عرسال ما كانت، وما كان حصل ما حصل في القاع. اذا هذه السياسة الخرقاء، سياسة النأي بالنفس، هي اوصلتنا الى هنا، ولا أحد يتكلم في هذا الامر عن شيء ثان، لانه لو حصل تنسيق لكان طيران الجيش السوري انهى الموضوع في ساعة، وعندها كل المنطقة ترتاح”.

بناء على ما تقدم، نقاط عدة أكدتها المشهدية في القاع، إذ كشفت أن كل المحاولات التهويلية في البقاع الشمالي – والتي تكفّل بالترويج لها إعلام “8 آذار” – بأن “حزب الله” وحده الكفيل بحماية الاهالي هناك، والرعب الذي زرعه حساب “لواء أحرار السنة – بعلبك” عبر “تويتر” والذي تبيّن انه وهمي ويعود لأحد مناصري الحزب، وحض هؤلاء على الانضواء بـ”سرايا المقاومة”، كل هذه المحاولات سقطت. كذلك، أطلقت مشهدية القاع الرصاصة القاتلة على ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، إذ أكد اهلها أحاديّة “الجيش وخلفه الشعب” الكفيلة بحماية الارض والعرض.

أما الحديث عن ان تنسيقاً كاملاً بين سوريا ولبنان منذ ست سنوات كان أنهى الارهاب في لبنان، فمردود الى اصحابه.

إذ اولاً، هل كان المطلوب التنسيق ضد براءة أطفال درعا في العام 2011 وحنجرة إبراهيم القاشوش أو ريشة رسام الكاريكاتور علي فرزات؟!

ثانياً، الاجدى بالاسد أن يسيطر على الاراضي السورية وهو الذي كان إنتهى لولا الدعم الروسي معطوفاً على تدخل الحرس الثوري الايراني وملحقاته من ميليشيات “أبو الفضل العباس”، “لواء ذو الفقار”، فرقة “فاطميون” وفرقة “زينبيون” وعديدهما من الشيعة الهزارة الأفغان والباكستانيين وبالطبع “حزب الله”.

ثالثاً، النصر الذي يتباهى “حزب الله” به في معركة القلمون، كانت نتيجته على لبنان دفع “داعش” و”النصرة” الى جرود عرسال عوض حصرهم داخل الاراضي السورية، وكذلك عشرات آلاف النازحين.

رابعاً، هل ينتظر طيران الجيش السوري الاذن الرسمي من لبنان، وهو الذي إخترق سيادته مراراً وتكراراً وأغار في بعض الاحيان على جرود عرسال؟!!

والسياسة الخرقاء هي تدخل “حزب الله” في سوريا وتوريطه جميع اللبنانيين لا النأي بالنفس.

السياسة الخرقاء، هي رفض ترسيم الحدود وضبطها بالاتجاهين بوجه السلاح والمقاتلين.

السياسة الخرقاء، هي من حوّلت ثورة سلمية الى حرب دموية ولعبت على وتر الطائفية.

أما السياسة الحمقاء، فهي التي تكذب على ذاتها حتى اليوم عبر رفع ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” وتحاول إستحضار مصطلحات بالية كـ”شعب واحد في بلدين”.

في الحقيقة، أثبتت الوقائع أن “المجرم واحد في البلدين وبحق الشعبين”.

 

 

السابق
رحيل المفكر والأديب الكبير ايلي الصليبي
التالي
نتائج الدفع لتعزيز فرص عون في الرئاسة “لم تتبلور” بعد ..والنشاط السياسي المرتقب “غامض التأثير”