حاجة «حزب الله» الوجودية للحرب

تشييع

ثالوث الأخ الأكبر: «الحرب هي السلام الحرّية هي العبودية الجهل هو القوة» جورج أورويل
في رواية «»، تمكن جورج أورويل من إخراج نفسه من قوقعة اليقينية الشيوعية التي سوغت لنفسها حتى أشنع الوسائل للوصول إلى «الجنّة المشاعية»، ليرى في شخصية جوزف ستالين، زعيم الشيوعية، مجرد ديكتاتور (أخ أكبر) مثله مثل أدولف هتلر وبنيتو موسوليني وفرنشيسكو فرنكو.

 

بالمختصر، فإنه لا فرق بين مسار ديكتاتور وآخر في إنزال ويلاته على شعبه قبل الأعداء، وذلك مهما كان الفرق شاسعاً في العقيدة أو اليقين، أو الفكرة التي يسحر هؤلاء بها الناس، فكلهم يعدون بجنّة ما، في مكان ما، تستأهل التضحية بكلّ البشر في سبيلها، طالما سيبقى في النهاية «فئة ناجية» ستسكن تلك الجنّة.

 

في تلك الرواية الرائعة، ركّز أورويل على حاجة الديكتاتور إلى حرب ما، بغض النظر عن ماهيّة العدوّ، فلا يهم. فالعدوّ هو الشرّ المطلق والشيطان الأكبر، وبما أنّ الوطن أو الأمة أو الجماعة في خطر دائم، فهي بطبيعة الحال بحاجة إلى قائد عبقري ملهم، ومن الأفضل أن يكون معصوماً.

 

وبما أنّ القائد عبقري ومعصوم، فعلى الناس أن يصدّقوا إلى حدّ الإيمان كلّ ما يصدر عنه في كلّ الموضوعات من إقتصاد واجتماع وأخلاق وفتاوى… مهما حملت تلك الفتاوى من تناقضات مع الواقع وحتى مع ذاتها أو مع أخواتها من فتاوى سابقة للشخص ذاته!

 

وكلّ مَن يخطر في باله بأن يسأل علناً عن الحقيقة، فهو حتماً «يساهم في إضعاف الروح القومية» أو «النقاء العقائدي» أو «الصفاء الإيماني»، وهو بالتالي «عدوّ الأمة» أو «الخائن» أو «الكافر»، ولا داعي للشرح ماذا يحلّ بهؤلاء في ظلّ عدالة الاخ الأكبر.

إقرأ أيضاً: وتبقى دماء حزب الله «مشرّعة».. على «المشروع الإيراني»

في رواية أورويل، يتحدّث الكاتب أيضاً عن «فترة الكراهية»، وهي عملياً فترة من الزمن تتكرّر بشكل دوري يقوم بها أفراد الشعب بتوجيه من «الأخ الأكبر»، ليصبّوا جام غضبهم على «العدو» و«الخونة»، في نوع من الهستيريا الجماعية حيث تعلو الأصوات هاتفة بالموت فتنتهي الفترة والناس في حالة نشوة من جراء إطلاق شتى أنواع الهرمونات في دمائهم، فيعودون إلى بيوتهم مطمئنّين، مكابرين على شظف العيش وانهيار الأوضاع المعيشية والمرض والبرد والخوف، خصوصاً على أخبار جثث الشبان التي تعود إلى الوطن من جبهات القتال. يعني ببساطة كما يعالج المكتئب حزنه بالإدمان على المخدرات أو الكحول أو المهدّئات، يعالج الشعب المقهور كآبته بفترة الكراهية!

 

القناعة هي أنّ «الأخ الأكبر» لم يكن ليتمكن من الصمود هو وأسطورته أمام الأسئلة القاتلة من عقول واعية حول المصير، لولا وجود الحرب ولولا وجود «العدوّ». والحالة تكون عادة مشابهة إلى حدّ التطابق لدى العدوّ.

 

ما لنا ولكلّ ذلك الآن؟ فلست بوارد تحليل روائي، ولكنّ الوقائع التي نحياها اليوم تذكّرني دائماً برؤيوية وشفافية جورج أورويل.

إقرأ أيضاً:  بين هزيمة اميركا وانتصار حزب الله

مثال محلّي هو «حزب الله»، ومثال إقليمي هو إيران، والأخ الأكبر اليوم في لبنان هو (السيد) حسن نصر الله، وأخوه الأكثر كبراً هو (السيد) علي خامنئي في إيران.

 

صحيح أنّ «حزب الله» لم يخترع الحرب في لبنان، فالحرب كانت قائمة قبله، ولم يخترع العدوّ أيضاً، فإسرائيل عدوّ بالمطلق، لكنّ الحرب هي التي أوجدت «حزب الله» في لبنان، وإسرائيل كانت لفترة طويلة سبباً لوجوده، ووسيلة لتصبير اللبنانيين، قناعة أو حياءً، على دعمه والقبول بكلّ ما يقوم به في سبيل التحرير مهما تسبّب ذلك بخسائر.

لكن هل كانت فعلاً إسرائيل العدوّ الوحيد حتى في لحظة إنشاء الحزب؟

 

هل ننسى عشرات الشيوعيين الشيعة الذين قتلوا لأنهم «كفار» وآخرين من حزب البعث العراقي من «أتباع صدام الخونة»، ومئات القتلى من حركة «أمل»، «الزنادقة»؟

 

هل ننسى رفض «حزب الله» اتفاق «الطائف» لأنه أنهى الحرب المدمّرة، ولأنّه منع الحزب من النصر المبين الذي كان يظنّ يومها أنه كان قريباً؟
أما بالنسبة إلى العدوّ وتغيير الوجهة، فبعد حرب ، أصبح عدوّ «حزب الله» في الداخل متمثلاً في قوى « آذار». والعدوّ المثالي في هذه الأيام هو التكفيري والسعودي واليمني والعراقي والبحريني والكويتي والبلغاري والمصري والتركي… واليوم المصارف اللبنانية، عميلة أمريكا!

 

من هنا عقم الحديث عن تحوّل «حزب الله» إلى منظومة سياسية محلّية، وليس بسبب تبعيّتها للولي الفقيه، بل لأنها أساساً أداة عسكرية هذا المشروع، فالحزب وقيادته يعلمان تمام العلم بأنّ حزبهما إما أن يكون حركة ثورية مسلحة، أو لا يكون. من هنا فإنّ الحزب في دخوله الحروب المتعدّدة يبحث عن سبب لاستمراره في الوجود.

 

فلا أحد يظن يوماً أنّ كتلته النيابية ستقدم مشروعاً لتنشيط السياحة مثلاً، فكلّ ما يحتاجونه من لبنان هو استمراره ساحة مفتوحة للموت والقتل والدمار، يسميها (الشيخ) نعيم قاسم «مجتمع المقاومة!».

 

ومن أجل البقاء لا يهمّ هذا الحزب كم من الأكفان سيُحصي لخدمة أسطورة النصر المبين للأخ الأكبر، طالما أنّ ثمن تلك الأكفان يأتي من إيران في حقائب مغلقة.

 

المهم اليوم هو أن تعود جرأة السؤال عند جمهور الحزب عن الخيارات الإنتحارية التي أخذه إليها.

 

ملحوظة: كلما تابعت الهتافات بالموت للأعداء وزخات الرصاص التي يطلقها محبو نصرالله عند ظهوره المتلفز، أتذكّر حديث جورج أورويل عن «فترات الكراهية» التي تعتري جمهور الأخ الأكبر من حين لآخر!

(الجمهوررية)

السابق
بوصعب: من الآن وحتى شهر يجب أن يتضح الخيط الرئاسي الأبيض من الخيط الأسود
التالي
حوري: لا جديد في ملف رئاسة الجمهورية ودعم المستقبل واضح لفرنجية